أثار فرار خمسة سجناء متورطين في اغتيالات سياسية من سجن المرناقية بالعاصمة تونس، أمس الثلاثاء، جدلاً واسعاً، خصوصاً في ظل الحراسة الأمنية المشددة التي تُعرف بها السجون التونسية.
وتولّت وحدة أمنية مختصة في مكافحة الإرهاب، مباشرة الأبحاث اللازمة للكشف عن ملابسات فرار السجناء من السجن المدني بالمرناقية، ومن بينهم العنصران المعروفان عامر البلعزي وأحمد المالكي، والمصنّفان "من أخطر العناصر الإرهابية".
وأذنت وزيرة العدل ليلى جفال، بفتح بحث إداري لتحديد المسؤوليات حول أسباب تمكّن هؤلاء السجناء من الفرار من السجن، كما تمّت إقالة مدير السجن المدني بالمرناقية من مهامه.
وقالت وزارة الداخلية، مساء الثلاثاء، إنه تقرّر كذلك إنهاء مهام المدير العام للمصالح المختصّة، والمدير المركزي للاستعلامات العامة التابعين للإدارة العامّة للأمن الوطني.
وأعلنت وزارة الداخلية صباح أمس "فرار خمسة عناصر إرهابية من السجن المدني بالمرناقية، وهم أحمد المالكي المكنى بالصومالي، وعامر البلعزي، ورائد التواتي، وعلاء غزواني، ونادر الغانمي".
يذكر أنّ هؤلاء متورطون في "عمليات إرهابية خطيرة"، منها جريمتا اغتيال القياديين اليساريين محمد البراهمي (في 25 يوليو/تموز 2013) وشكري بلعيد (في 6 فبراير/شباط 2013).
وقال العميد المتقاعد من الحرس الوطني والخبير الأمني علي زرمديني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "التحقيقات هي التي ستكشف وتثبت حقيقة ما حصل، وكيف تمكّن هؤلاء من الفرار"، مبيناً أن "ما حصل سابقة في تونس، خاصة الكيفية التي تمّت بها عملية الفرار"، مشيراً إلى أنّ "هناك تجاوزات يمكن أن تحصل في جل السجون، ولكن مثل هذا الأمر لم يسجل أبداً، إلا عملية واحدة سابقاً، وقد حصل تواطؤ بين السجين والسجان عند فرار الوزير الراحل أحمد بن صالح، في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة".
وأوضح أنّ "عملية أمس تطرح شكوكاً عدة حول إمكانية حصول تواطؤ مباشر أو غير مباشر من أطراف داخل المؤسسة السجنية المحاطة بأقصى درجات التأمين، فمجرد كلمة السجن المدني بالمرناقية تحيل إلى درجة كبيرة من التأمين"، مؤكداً أن "هناك احتياطات عدة لتأمين السجناء داخله، خاصة وأن هذه المؤسسة تعرضت في السابق إلى بعض المحاولات، سواء لمهاجمتها أو تقليد ما حصل في سجون أخرى، وقد تم إفشالها".
وبيّن المتحدث أن "حصول هذه العملية في سجن محصن بطريقة استثنائية بسبب وجود أخطر السجناء من الإرهابيين أو سجناء الحق العام، لا يمكن أن تحصل إلا بتواطؤ داخلي وخارجي، لأن درجة اليقظة والتأمين عالية؛ سواء إلكترونياً أو مادياً، وبالتالي حصل تقصير أمني قاد إلى هذا الفرار، وهذا يشكل خطراً كبيراً، والأخطر لو بيّنت التحقيقات وجود تواطؤ، وهذا السيناريو هو الأقرب، وهذا الأمر لن يغلق إلا بإعادة العناصر الفارة إلى السجن".
وقال حزب "التيار الشعبي" إنّه أمام خطورة هذه العملية وفداحتها، فإنه يؤكد أن "عملية الفرار تحوم حولها العديد من الشبهات، وهي فضيحة وجريمة في الآن نفسه في حق البلاد وأمنها القومي وشهدائها، وتتحمل وزارتا العدل والداخلية المسؤولية الكاملة عن هذه العملية" ، مضيفاً في بيان له أن "فرار العناصر المتورطة في عملية اغتيال الشهيدين محمد براهمي وشكري بلعيد ليس إلا حلقة جديدة من حلقات المؤامرة الكبرى التي حيكت لاغتيالهما، وما تلى ذلك لسنوات طويلة من محاولات طمس الحقيقة والإفلات من العقاب، وهذا دليل على مدى نفوذ الجهات التي وقفت وراء العملية".
وطالب "التيار الشعبي" بـ"فتح تحقيق تتولّاه لجنة مستقلة، ومحاسبة كل المتورطين بالتقصير والتواطؤ في هذه الجريمة"، داعياً إلى "توفير حماية أمنية مشددة لعائلتي الشهيدين محمد براهمي وشكري بلعيد"، مبيناً أن على الشعب التونسي اليقظة والحذر مما يحاك لبلادنا وأمنها القومي".
وطرح المحامي سمير ديلو على صفحته في "فيسبوك" تساؤلاً: "الأولويّة، بالطّبع، هي للقبض على الإرهابيّين الفارّين، وسيكشف التّحقيق ملابسات الفرار والمتورّطين فيه، ولكن التساؤل يبدو بديهياً، فإذا كان القادة السّياسيّون المعتقلون في قضيّة التآمر في مرمى كاميرات مراقبة طيلة 24 ساعة، فهل الإرهابيون الفارون كانوا يخضعون لرقابة أقلّ صرامة؟ أم نجحوا في الفرار رغم الرقابة المشددة؟"، مضيفاً: "المبدأ البديهيّ هو أنّ كلّ عمليّة فرار من السّجن هي نتيجة تهاون أو تواطؤ... أو كليهما".
ودوّنت عضوة هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المحامية دليلة مصدق، أنه "في الأسبوع الماضي، وبمجرد إدخالها أكلة خفيفة لشقيقها السجين وعضو جبهة الخلاص جوهر بن مبارك في الزيارة، حصلت بلبلة في مكتب الزيارة، وأحاط بهما مسؤولو السجن وكأن لديها سلاحاً وحجزوا الطعام، وظلت وشقيقها في حالة صدمة مما حدث، واليوم يتم فرار 5 إرهابيين من نفس السجن بالمرناقية؟؟؟".