تشير المعطيات الميدانية في شمال سورية، وتصريحات المسؤولين الأتراك، إلى احتمال أن يكون الرد التركي، على ما تسميه أنقرة استفزازات من قبل "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، على شكل عملية عسكرية، من المرجح أن تكون وجهتها مدينة تل رفعت، ذات الغالبية العربية، التي سيطرت عليها "قسد" في 2016 بدعم روسي.
وفي حال أقدمت أنقرة على قيادة فصائل "الجيش الوطني"، المدعومة من قبلها، للقيام بهذه العملية، فإنها ستكون العملية الأولى لتركيا من دون التنسيق مع روسيا والولايات المتحدة، وإنما رداً على عدم استجابتهما لمطالبها بلجم "قسد". ومن شأن هذا الأمر أن يفتح الوضع في شمال سورية على كثير من الاحتمالات، تتعلق بردود فعل كل من واشنطن وموسكو، والرسائل التي قد توجهانها رداً على تلك العملية، والتي لا يستبعد أن يكون الرد الروسي عليها من خلال قيادة قوات النظام إلى عملية جديدة في جنوب إدلب، لطالما لوح بها.
لكن، بغض النظر عن وجهة العملية وردات الفعل عليها، وما قد تسببه تلك الردات من مزيد من التهجير لسكان مناطق أخرى، فإنّ تمكين تركيا فصائل "الجيش الوطني" من التقدم عسكرياً، والسيطرة على مناطق جديدة، بحسب مقتضيات مصلحة أنقرة، وبهدف وحيد هو إبعاد خطر "قسد" عن الحدود التركية، لم يعد يأخذ طابع الانتصار لدى الكثير من السوريين في مناطق المعارضة. يأتي ذلك بسبب عدم الاكتراث بإدارة تلك المناطق بعد السيطرة عليها، وترك اليد الطولى فيها للفصائل، التي ما إن تتمكن من إحكام السيطرة على منطقة ما، حتى تعم فيها الفوضى والفلتان الأمني، بسبب غياب، أو ضعف، دور المؤسسات التي تدير المنطقة على حساب تعاظم دور الفصائل، التي تحكم سكان المنطقة كسلطة أمر واقع، تقوم على الابتزاز والقمع للسكان. طبعاً هذا عدا عن اقتتال الفصائل فيما بينها، والتي غالباً ما يذهب ضحيتها مواطنون مدنيون.
فرغم قيام تركيا بثلاث عمليات عسكرية، سيطرت من خلالها على معظم مناطق الشمال السوري، فإنّها إلى الآن لم تنتج إدارة مدنية في أي من تلك المناطق، تضمن أمن واستقرار السكان، وتضع حداً للفلتان الأمني فيها. علماً أن الطريقة المثلى للتعاطي مع الوضع في سورية، هي المضي في تطبيق الحل السياسي الذي تنادي به كلّ الدول المتدخلة في الشأن السوري، من دون أن تسير به أيّ دولة، وإن خطوة للأمام.