يبدأ المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، ستيفان دي ميستورا، ابتداء من غد الأربعاء، أول جولة له في المنطقة، منذ تعيينه قبل 3 أشهر، خلفاً للمبعوث السابق الألماني، هورست كوهلر، الذي كان قد استقال عام 2019 لـ"دواع صحية".
وبينما ينتظر أن تشمل الجولة الأولى لدي ميستورا المغرب والجزائر ومخيمات تندوف وموريتانيا، يرى مراقبون مغاربة أنّ الجولة ستكون لجسّ النبض، والسعي للتحضير للقاءات المستقبلية، ومحاولة تجاوز الانسداد الحاصل منذ استقالة كوهلر.
ويواجه الدبلوماسي الإيطالي في مهمته الجديدة، المتمثلة في إدارة ملف شائك، تحدي إقناع الأطراف باستئناف ما بدأه سلفه من مساع دبلوماسية كللت بجمع المغرب والجزائر وموريتانيا و"جبهة البوليساريو" على طاولة المفاوضات، في سويسرا في ديسمبر/كانون الأول 2018، وفي مارس/آذار 2019.
ووفق مصادر مغربية، ستكون سبل استئناف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة بهدف إيجاد حل سياسي متوافق بشأنه ومقبول من جميع الأطراف، على طاولة النقاشات، خلال لقاءات المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، بمسؤولين مغاربة في مقدمتهم وزير الخارجية ناصر بوريطة.
ووفق ذات المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد "، فإنّ موقف الرباط يلخصه تأكيد سابق لوزير الخارجية ناصر بوريطة بعد تعيين دي ميستورا، بأنّ قضية الصحراء "ليست قضية للتساهل بالنسبة للمغرب، وليست مجالاً للترضيات"، مع "الحرص على أن لا يتجاوز أحد الخطوط الحمراء".
واستبق دي ميستورا أول زيارة رسمية له إلى المنطقة منذ تعيينه، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بإجراء اتصالاته مع مختلف الأطراف المعنية بهذا النزاع، وبعقد لقاءات مع وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، ومع دبلوماسيين إماراتيين، وذلك في سياق سعيه لبعث المسار السياسي المتعثر منذ سنوات.
وتأتي الجولة الأولى للمبعوث الأممي الجديد، في ظل واقع يتسم بالتوتر بين المغرب وجبهة "البوليساريو" الانفصالية، منذ اندلاع أزمة الكركرات، التي انتهت بإعلان الجبهة عدم التزامها بقرار وقف إطلاق النار، الموقّع في عام 1991، بعد نجاح الجيش المغربي في تأمين معبر الكركرات الحدودي، وطرد عناصر محسوبة على الجبهة منه بعد أسابيع من تمكّنها من إغلاقه في وجه تدفق الأشخاص والبضائع بين المغرب وموريتانيا.
وقبل ساعات من وصوله إلى المنطقة، هاجمت جبهة "البويساريو" الانفصالية مجلس الأمن، ومواقفه من النزاع، على لسان ممثلها في نيويورك، سيدي محمد عمار، الذي اتهم مجلس الأمن بـ"التقاعس"، محمّلاً إياه مسؤولية تعثر المسار الأممي للتسوية بالخضوع لما وصفه بتأثير بعض أعضائه الفاعلين.
كما اعتبر أنّ "نجاح الزيارة مرتبط بدعم جاد لانخراط مسؤول لمجلس الأمن الدولي لتمكين الشعب الصحراوي من تقرير المصير"، معبّراً عن رفض الجبهة لـ"الحفاظ على الوضع الراهن وترك الطرفين يحلان النزاع بمفردهما على أساس علاقات القوة بينهما على الأرض".
وتأتي الزيارة في ظل التوتر السائد في علاقات الرباط والجزائر، منذ إعلان الأخيرة في 24 أغسطس/آب الماضي، قطع علاقتها مع جارتها الغربية، وكذا إعلان المبعوث الخاص المكلف بقضية الصحراء والمغرب العربي عمار بلاني انسحاب بلاده من الموائد المستديرة التي كانت تحضرها في الماضي، خلافاً لمنطق القرار الأممي رقم 2602، الصادر عن مجلس الأمن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الذي استمر في اعتبارها طرفاً في الصراع.
وقبل أيام من زيارة المبعوث الأممي، علّق المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، على تأثير توتر العلاقات بين المغرب والجزائر على جهود دي ميستورا، بقوله إنه "غير متأكد من تأثير ذلك على مهمة المبعوث الأممي وجولته الأولى في المنطقة".
وبينما تراهن الأمم المتحدة على خبرة دي ميستورا في تحريك المياه الراكدة وتجاوز الانسداد الحاصل في قضية مزمنة، يرى مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الإستراتيجية"، عبد الفتاح الفاتيحي، أّن المبعوث الأممي يتوفر على دعم دولي كبير يجعله قادراً على فرض توجهات المجتمع الدولي ولاسيما تلك التوجيهات المتضمنة في التقرير الأخير حول الصحراء رقم 2602، لافتاً إلى أنّ "هذا الإجماع الدولي هو الذي يذكي رغبته في إجراء جولة ميدانية في سياق البحث عن حل سياسي لنزاع الصحراء".
ويلفت الفاتيحي، في حديث مع "العربي الجديد "، إلى أنّ تحرّك دي ميستورا "قد يلقى الكثير من الصعوبات في ظل عدم انصياع الجزائر لقرارات الشرعية الدولية، إذ سبق وأعلنت أنها غير معنية بالموائد المستديرة ولن تستجيب لحضورها، وأيضاً في ظل استمرارها تقديمها للدعم المالي والعسكري لتنظيم البوليساريو بغرض مواصلة القيام بأعمال عسكرية عدائية تهدد الأمن والسلم في المنطقة"، وفق قوله.
ويتابع أنّه "في ظل إعلان مختلف الهيئات الأممية دعمها للنهج الأممي في تدبير نزاع الصحراء، لن تبقي الجزائر سقف خطابها قوياً، خوفاً من ضغوطات دولية إن هي أمعنت في تعطيل مسار التسوية السياسية لنزاع الصحراء على أساس رؤية المجتمع الدولي الذي يتجه لإيجاد عن حل سياسي واقعي وعملي. وهو ذات النهج الذي ستتخذه البوليساريو التي فقدت مصداقيتها بعد خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار الذي سبق وأن وقعته مع الأمم المتحدة سنة 1991".
ويضيف "لا يبدو أنّ الجزائر تتوفر على خيارات للمناورة ذلك أن خطة العمل التي يحددها مجلس الأمن هي جلوس الأطراف الأربعة في مائدة مستديرة وستكون الجزائر فيها طرفا رئيسيا وفق ما يستفاد من قرار مجلس الأمن الأخير".
من جهته، يرى الباحث في الشؤون الصحراوية نوفل البعمري، في حديث لـ"العربي الجديد "، أنّ تحرك دي ميستورا في المنطقة باعتباره أول تحرك بعد تعيينه، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2602، "سيكون محكوماً بهذا القرار الذي وضع أسس الحل السياسي لإنهاء نزاع الصحراء باعتباره نزاعاً إقليمياً، وعلى أرضية مبادرة الحكم الذاتي"، لافتاً إلى أنّ "تحرّكات المبعوث الشخصي ستكون مؤطرة بالمعايير التي وضعها القرار، وتحت مراقبة رادار الأمم المتحدة والمغرب كذلك الحريص على التنفيذ الجيد لمضامين قرارات مجلس الأمن خاصة القرار الأخير".
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد عيّن في 6 أكتوبر/ تشرين الأول، دي ميستورا مبعوثاً شخصياً جديداً له إلى الصحراء، في حين كان المغرب قد أعلن، في 15 سبتمبر/أيلول الماضي عن موافقته على تعيينه "انطلاقاً من ثقته الدائمة ودعمه الموصول لجهود الأمين العام للأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم ومتوافق بشأنه للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية".