استمع إلى الملخص
- "خطة الجنرالات" الإسرائيلية تهدف إلى تحويل مناطق شمال ممر نتساريم إلى منطقة عسكرية مغلقة، مما أدى إلى تهجير قسري لسكان محافظتي غزة والشمال، حيث يعيش النازحون في ظروف غير إنسانية.
- مخاوف من تهجير إضافي إلى منطقة المواصي التي تعاني من نقص في مقومات الحياة الأساسية، وسط استمرار الهجمات الإسرائيلية المتكررة.
جيش الاحتلال وسع التصعيد منذ الخميس ليمتد جنوباً ويشمل محافظة غزة
محافظة غزة تضم حالياً نحو 550 ألف نسمة يمثلون نحو ربع سكان القطاع
منذ السبت فقط قتل الاحتلال بمحافظة غزة وحدها أكثر من 45 فلسطينياً
لليوم الثالث على التوالي، تعيش محافظة غزة أياماً دامية نتيجة تصعيد جيش الاحتلال الإسرائيلي لعمليات الإبادة والتطهير العرقي فيها، إذ وسّع الجيش نطاق المحرقة التي بدأها بمحافظة الشمال في 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي منذ الخميس الماضي، لتمتد جنوباً وتشمل محافظة غزة.
ويهدد هذا بارتفاع كبير في أعداد الضحايا من الفلسطينيين، وفق تحذيرات مراقبين، نظراً للكثافة السكانية الكبيرة في محافظة غزة، التي تضم حالياً نحو 550 ألف نسمة يمثلون نحو ربع سكان القطاع، بما يشمل نحو 180 ألفاً نزحوا لها قسراً من محافظة الشمال جراء 3 أشهر من المحرقة الإسرائيلية.
وهذا ما بدأ يظهر فعلياً في الأرقام الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فحسب ما صرح به مدير المكتب إسماعيل الثوابتة، فقد استشهد 184 فلسطينياً وأُصيب العشرات عبر 94 غارة جوية شنها على القطاع خلال الساعات الـ72 الماضية. ولفت الثوابتة إلى أن أغلب الضحايا كانوا بمحافظة غزة.
وأضاف أن المحافظة شهدت كذلك، خلال هذه الفترة، دماراً واسعاً طاول المنازل والبنية التحتية. ومنذ صباح السبت فقط، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال عمليات الإبادة بالمحافظة وحدها أكثر من 45 فلسطينياً، بحسب المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل.
محرقة إسرائيلية متواصلة في محافظة غزة
وفي وصفهم لـ"المحرقة الإسرائيلية" المتواصلة، قال شهود عيان من محافظة غزة، إنّ الطائرات الحربية الإسرائيلية كثفت هجماتها الجوية مستهدفة مربعات سكنية كاملة، ما أدى إلى تدمير المباني فوق رؤوس ساكنيها. وأضاف الشهود أن الهجمات الجوية الإسرائيلية جاءت بشكل مفاجئ، ما أوقع أعداداً كبيرة من الضحايا بين شهداء وجرحى. ولفتوا إلى أنه لا يزال هناك العديد من المفقودين تحت الأنقاض.
وقال أحد الشهود: "الغارات كانت عنيفة ومتواصلة، لقد شاهدنا بأعيننا كيف نُسفَت مبانٍ بأكملها على رؤوس ساكنيها دون سابق إنذار". ويتشكل قطاع غزة من 5 محافظات، هي من الجنوب إلى الشمال، رفح، وخانيونس، والوسطى، وغزة، وشمال غزة. وتعتبر محافظة غزة المركز الإداري للقطاع، وتضم العديد من الأحياء السكنية والمرافق الحيوية.
وجاء توسيع المحرقة الإسرائيلية إلى محافظة غزة، بعد يوم واحد من تهديد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء الماضي، حركة حماس بأنها "ستتلقى ضربات قوية لم تشهدها غزة منذ فترة طويلة" إن لم تسمح بإعادة الأسرى المحتجزين لديها وتوقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وأضاف كاتس، أنّ الجيش الإسرائيلي "سيكثف أنشطته في غزة حتى يُطلق سراح المختطفين (الأسرى الإسرائيليين) والقضاء على حماس".
يأتي ذلك رغم تأكيد حماس مراراً، خلال الأشهر الماضية، استعدادها لإبرام اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، بل أعلنت موافقتها في مايو/ أيار الماضي، على مقترح قدمه الرئيس الأميركي جو بايدن. غير أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تراجع عن المقترح، بطرح شروط جديدة أبرزها استمرار حرب الإبادة الجماعية، وعدم سحب الجيش من غزة، بينما تتمسك حماس بوقف تام للحرب وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي.
خطة الجنرالات
ويزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنّ عملياته التصعيدية بمحافظة شمال غزة منذ 5 أكتوبر 2024 وفي محافظة غزة منذ 2 يناير/ كانون الثاني الجاري تستهدف "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة". لكن الفلسطينيين يكذبون مزاعم الجيش، محذرين من أن محرقة الإبادة والتطهير العرقي التي تشنها إسرائيل بالمحافظتين تأتي بهدف احتلالهما وتحويلهما إلى منطقة عازلة وتهجير سكانهما تحت وطأة قصف دموي وحصار مشدد يحرمهم الغذاء والماء والدواء، ضمن "خطة الجنرالات".
وتهدف "خطة الجنرالات"، بحسب موقع واينت العبري الذي كشف عنها في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى تحويل منطقة شمال ممر نتساريم (محافظتي غزة والشمال)، إلى منطقة عسكرية مغلقة. وبحسب أرقام بصل، فإن من بين إجمالي سكان محافظة شمال غزة البالغ عددهم 200 ألف، هُجر منهم بالفعل قسراً نحو 180 ألفاً، بينما لم يبق سوى 20 ألفاً. ويبدو أن الدور الآن بات على محافظة غزة لتطاولها عمليات التطهير العرقي والتهجير القسري لسكانها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وسيكون هذا تهجيراً قسرياً مركّباً، لأنّ أكثر من 30% من سكان محافظة غزة الحاليين هم أصلاً من النازحين إليه من محافظة شمال غزة، والذين يعيشون في ظروف غير إنسانية. إذ تقيم العائلات النازحة في خيام مصنوعة من النايلون والقماش تفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية وسط برد قارس، ما يزيد معاناتهم ويهدد صحة الأطفال وكبار السن. وينتشر النازحون في الملاعب والساحات العامة والمراكز الثقافية والمدارس، والشوارع العامة.
ومع بدء العمليات العسكرية في محافظة غزة، يتخوف السكان من إجبارهم قسراً على الانتقال إلى منطقة المواصي، التي تدعو إسرائيل إلى التوجه إليها، رغم معاناتها من شح شديد في مقومات الحياة الأساسية. وتمتد منطقة المواصي من غرب مدينة رفح إلى غرب مدينتي دير البلح (وسط) وغرب مدينة خانيونس (جنوب)، ويجري النزوح إليها عبر طريقي البحر وصلاح الدين، وسط أوضاع إنسانية متدهورة تفاقم معاناة الأهالي الذين يواجهون ظروفاً قاسية ومصاعب يومية للحصول على الاحتياجات الضرورية.
كذلك لا يغنيهم ذلك من الإبادة الإسرائيلية، إذ تشن إسرائيل بين الحين والآخر هجمات على خيام النازحين في منطقة المواصي، يسقط بسببها أعداد كبيرة من الضحايا، بزعم القضاء على مسلحين من حماس. والجمعة، قال المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هارئيل، إن ما يقوم به الجيش في الجزء الشمالي من قطاع غزة "مرتبط بأيديولوجية متشددة هدفها إعادة الاستيطان، ومنع عودة الفلسطينيين". وأضاف عاموس هارئيل، المحلل العسكري في صحيفة هآرتس الإسرائيلية "بدأت أبواق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في التلميح علناً إلى أن الخيار الوحيد المتاح سيكون احتلال محافظة غزة".
(الأناضول، العربي الجديد)