يُظهر تتالي الضربات الإسرائيلية والأميركية ضد أهداف مرتبطة بإيران في سورية أن المواجهة بين هذه الأطراف باتت مرشحة للتصاعد بناء على اعتبارات ميدانية، وارتباطاً بملفات أخرى، مثل الملف النووي الإيراني، بعدما تحولت سورية إلى ساحة لتصفية الحسابات وتوجيه الرسائل، الإقليمية والدولية.
ولاحظ مراقبون أن القصف الإسرائيلي، مساء أول من أمس الخميس، الذي استهدف محيط منطقة مصياف وأهدافاً أخرى في شمال غربي البلاد، أدى إلى انفجارات متواصلة، في إشارة إلى أن بعض تلك الأهداف كانت عبارة عن مخازن أسلحة، فيما صدرت تحذيرات للأهالي بعدم الخروج من منازلهم.
وذكرت شبكات موالية للنظام، ومنها "أخبار مصياف"، أن 14 شخصاً أُصيبوا نتيجة استهداف نقاط في محيط منطقة مصياف بالصواريخ وتبِعاتها من حرائق، في حين أعلنت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري أن وسائط الدفاع الجوي التابعة للنظام تصدت لـ"عدوان جوي إسرائيلي استهدف محيط مدينتي حماة وطرطوس وأسقطت معظم صواريخه"، وأشارت إلى إصابة "مدنيين اثنين ووقوع خسائر مادية واندلاع حرائق في بعض أماكن الاعتداء".
المواقع المستهدفة من إسرائيل
وحسب الشبكات الموالية، استهدف القصف نقاطاً على طريق الرصافة والبحوث العلمية، شرقي مصياف، ومعسكر الطلائع وجب رملة شمالها، وموقع حير عباس غرباً، على طريق مصياف وادي العيون.
ونشرت تلك الشبكات صوراً وتسجيلات أظهرت تصاعد ألسنة اللهب من المواقع المستهدفة، وتحدثت عن وقوع انفجارات متتالية على الطريق الواصل بين مصياف والمحروسة، محذرة الأهالي من سلوك الطريق.
وأظهر أحد التسجيلات سلسلة انفجارات تواصلت لفترة طويلة في أحد المواقع المستهدفة، ما يشير إلى أنه مستودع للذخائر والأسلحة. وأسفرت الانفجارات والشظايا المنبعثة من موقع الانفجارات عن وقوع أضرار مادية في منازل المدنيين وممتلكاتهم المحيطة بالمواقع المستهدفة.
القصف استهدف مستودعات للذخائر والسلاح تابعة للمليشيات الإيرانية
كما ذكرت المصادر الموالية أن القصف الإسرائيلي استهدف أيضاً بعض المناطق في محافظة طرطوس، مثل البريج والدريكيش وصافيتا ومشتى الحلو، في حين ذكرت وكالة "سبوتنيك" الروسية أن الأصوات التي سُمعت في تلك المناطق كانت للدفاعات الجوية التابعة للنظام السوري.
وواصلت فرق الإطفاء حتى ظهر أمس الجمعة جهودها لإطفاء الحرائق الناجمة عن الانفجارات، بمساعدة من مروحيات النظام السوري، تحديداً في الشيخ غضبان وطريق وادي العيون و️طريق قيرون الزاوي وجبل المشهد، الذي شارك في إخماده عدد كبير من المدنيين من مدينة مصياف.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن القصف استهدف مستودعات للذخائر والسلاح تابعة للمليشيات الإيرانية، وأدى إلى تدمير كمية كبيرة منها، مشيراً إلى أن القصف كان الأعنف في الفترة الأخيرة بسبب ضخامة الانفجارات.
ويعد موقع البحوث العلمية من أبرز المواقع السرية لقوات النظام، فيما يعرف معسكر الطلائع كنقطة تجمع رئيسية للمليشيات الإيرانية في ريف حماة الغربي. والغارات الإسرائيلية هي الثانية خلال أقل من أسبوعين، التي تستهدف مواقع لقوات النظام في ريفي حماة وطرطوس، بينما يحمل الاستهداف الإسرائيلي رقم 21 على الأراضي السورية خلال العام الحالي، والثالث على محافظة حماة.
ولا ينفصل عن ذلك التصعيد بين الجيش الأميركي والمليشيات الإيرانية في شرق سورية، مع تبادل الجانبين القصف خلال الأيام الأخيرة، ما أوقع قتلى وجرحى. وبعد غارات أميركية مركزة على مواقع لتلك المليشيات، الثلاثاء الماضي، ردت الأخيرة باستهداف قواعد أميركية في المنطقة.
وأعلنت القيادة المركزية الأميركية، الأربعاء الماضي، أنها ردت على هجمات صاروخية استهدفت قواعد لها في شمال شرقي سورية، وأنها دمرت ثلاث سيارات ومنصات إطلاق صواريخ، إضافة إلى مقتل "شخصين أو ثلاثة من المهاجمين الذين يشتبه بأنهم مدعومين من إيران".
ونتجت عن القصف الذي تعرضت له قاعدة حقل "كونيكو" إصابة ثلاثة جنود أميركيين بجروح طفيفة، وفق بيان أميركي شدّد على أن الولايات المتحدة "لا تسعى لصراع مع إيران، وأن الإجراءات المتخذة هي دفاعية فقط".
وسبق أن نفذت القوات الأميركية، الثلاثاء الماضي، ضربات جوية قالت إنها "دقيقة" على مواقع إيرانية بمحافظة دير الزور، رداً على استهداف قاعدة حقل العمر الأميركية بريف دير الزور الشرقي، في 15 أغسطس/ آب الحالي.
واستهدفت الضربة تسعة مخابئ ذخيرة في دير الزور، تابعة لجماعات مدعومة من إيران، حسبما ذكر المتحدث باسم القيادة الأميركية الوسطى جو بوتشين، لقناة "الحرة" الأميركية، مشيراً إلى أن الهدف الأصلي كان تدمير 11 مخزن ذخيرة، لكن بعد الهجوم على مخزنين، تم إلغاء العملية، بعدما لوحظ تحرك أشخاص بالقرب من المخزنين. وعلل بوتشين ذلك بالقول: "نحرص على عدم سقوط مدنيين".
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) باتريك رايدر إن "الغارات الأميركية شمال شرقي سورية، توجّه رسالة واضحة للجماعات المدعومة من إيران بأن الولايات المتحدة لن تسمح باستهداف قواتها"، مضيفاً أن "هذه المجموعات حاولت اختبار رد فعل القوات الأميركية ولن تفلت من العقاب".
وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الإيرانية نفت أن تكون المواقع التي قُصفت لها صلة بطهران، إلا أن مدير صحيفة "كيهان" الإيرانية حسين شريعتمداري، المعين من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي، قال إن الهجمات الأميركية على مواقع إيرانية في سورية ترتبط بقضية الاتفاق النووي.
المواجهة الإسرائيلية ـ الأميركية مع إيران
وفي السياق، اعتبر الباحث فراس البعلاوي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن هناك تنسيقاً بين الأميركيين والإسرائيليين في سورية، ولا شك أن هناك تشجيعاً أميركياً لإسرائيل لزيادة استهدافها لأهداف إيرانية في سورية، إذ يعمل الجانبان على توجيه رسائل حازمة لإيران، خلال المراحل الحاسمة من عملية التفاوض على الملف النووي.
وأضاف البعلاوي أن إسرائيل التي تعارض التوصل لاتفاق جديد مع إيران، ربما تسعى من جهتها للتصعيد في الساحة السورية بهدف عرقلة التوصل لاتفاق، أو للإثبات أن الوسيلة الأنجع للتعاون مع إيران تكون عبر ردعها على الأرض، وليس عبر المفاوضات التي تبرع إيران في حرفها عن أهدافها، وكسب الوقت.
ورأى أن الساحة السورية ربما تكون مقبلة على تصعيد أكبر في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع انشغال روسيا في أوكرانيا، ما يعني النأي بنفسها عن مثل هذا التطور.
أما العميد أحمد رحال، فاستبعد أن يكون هناك أي ارتباط بين الغارات الأميركية والإسرائيلية في سورية، لأن الضربات الإسرائيلية مستمرة منذ سنوات. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجديد هو أن الأسلحة الإيرانية باتت تصل عبر البحر سواء عبر سفن النفط أم ميناء طرطوس.
باتريك رايدر: الغارات الأميركية توجّه رسالة واضحة للجماعات المدعومة من إيران
وبشأن الضربات الأميركية، رأى رحال أنها تأتي كما يبدو بناء على معلومات لدى الأميركيين بأن هناك خططاً لدى الإيرانيين والنظام السوري للتصعيد ضد الأميركيين في سورية، خصوصاً بعد زيادة التحرشات الإيرانية بالقوات الأميركية الموجودة بالتنف وبالقواعد الأميركية شرقي الفرات.
وتوقع رحال أن يتصاعد الصدام في شرق الفرات في المرحلة المقبلة، حيث يعمل الروس على دفع إيران والنظام السوري إلى الواجهة، بينما يبقون في الخطوط الخلفية، بهدف دفع الأميركيين للخروج من سورية، وتطبيق الحل الروسي المتمثل في تشكيل حكومة "وحدة وطنية" في دمشق و"حكم ذاتي مؤقت" في شرق سورية، وهذا حل غير مقبول لدى الأميركيين.
ومع تواصل وتصاعد الغارات الإسرائيلية على سورية، تثار تساؤلات في أوساط الموالين للنظام حول حقيقة الموقف الروسي، وهل تعارض روسيا فعلاً هذه الغارات كما صرح وزير خارجيتها سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي جمعه مع نظيره لدى النظام السوري فيصل المقداد في موسكو، قبل أيام، بقوله إن "اعتداءات إسرائيل في سورية مقلقة للغاية وطالبنا تل أبيب باحترام القوانين الدولية"، أم أن التفاهمات السابقة بين الجانبين ما زالت قائمة، والتي تقضي بغض نظر روسي عن الغارات الإسرائيلية التي تستهدف أهدافاً لها علاقة بإيران، وليس النظام السوري.
وقال المحلل السياسي غازي دحمان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن العلاقات بين روسيا وإسرائيل تشمل مجموعة من الملفات، أبرزها التنسيق في الساحة السورية، وربما أن الانحياز الإسرائيلي للموقف الغربي في حرب أوكرانيا، يثير انزعاج موسكو، لكن الأخيرة قد لا تفضل التصعيد مع إسرائيل في هذه المرحلة، نظراً للضائقة التي تعيشها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بفعل تداعيات الحرب، وهي في غنى عن فتح جبهات جديدة في الشرق الأوسط، قد تدفع إلى زيادة رقعة العاملين ضدها في العالم.
وأضاف دحمان: على الرغم من ذلك، فإن إسرائيل تحاول قدر الإمكان عدم استفزاز الروس من خلال الاعتماد أكثر على الضربات الصاروخية وليس الغارات الجوية، فيما تتم الغارات الجوية من البحر أو عبر الأجواء اللبنانية، من دون الدخول في الأجواء السورية، وشدّد على أن تكثيف الضربات يمثل أيضاً دعوة لروسيا من أجل العمل على احتواء الوجود الإيراني في سورية، حيث عمدت طهران إلى تكثيف حضورها في الساحة السورية مستغلة الانشغال الروسي في الحرب الأوكرانية.