تتسم تصريحات القياديين في "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) و"الإدارة الذاتية" في الشمال الشرقي من سورية، بارتباك يصل إلى حد التضارب حيال العملية العسكرية التركية المرتقبة، والمتوقع أن تطاول مناطق في ريف حلب الشمالي، واقعة تحت سيطرة "قسد".
وأبدى الرئيس المشارك لحزب "الاتحاد الديمقراطي" (أبرز أحزاب الإدارة الذاتية والمهيمن عملياً على قوات قسد)، صالح مسلم، أول من أمس الأربعاء، استعداد حزبه للحوار مع جميع الأطراف بما فيها تركيا.
وأضاف في تصريحات صحافية: نرحّب بجميع الأطراف الذين يودّون حل المشكلة السورية والقضية الكردية. وكان مسلم قد أشار يوم الاثنين الماضي، إلى أن التحالف الدولي والولايات المتحدة وروسيا "طعنونا من الخلف"، داعياً في تصريحات صحافية إلى نشر قوات دولية على الحدود السورية التركية.
في هذه الأثناء، نقلت وسائل إعلام كردية، أول من أمس الأربعاء، عن عضو هيئة الرئاسة المشتركة لـ"الاتحاد الديمقراطي"، ألدار خليل قوله إنه إذا قامت تركيا بشن عدوان على المنطقة، فستندم كثيراً. وتابع: لن نكتفي بصد العدوان، بل سنشنّ حملة عسكرية لتحرير المناطق السورية التي احتلتها تركيا في الفترة الماضية.
حراك أميركي يقوده ليندسي غراهام
وقد برز تحرك أميركي، أول من أمس الأربعاء، في خضم التطورات في الشمال السوري. وذكر مصدر مقرب من "الإدارة الذاتية" لـ"العربي الجديد" أن السيناتور الأميركي، ليندسي غراهام، التقى أول من أمس الأربعاء، قائد "قسد" مظلوم عبدي "على انفراد"، مشيرة إلى أن السيناتور الأميركي "يحمل معه مبادرة لتجنّب الحرب في الشمال السوري".
ورجّح المصدر أن يكون غراهام "يحاول عقد اجتماع في عاصمة إقليم كردستان العراق أربيل بين قياديين من قسد والإدارة الذاتية من جهة، وبين الجانب التركي من جهة أخرى لترتيب أوراق الشمال الشرقي من سورية بعيداً عن الجانبين الروسي والإيراني"، وفق المصدر الذي أكد أن المنطقة "حتى اللحظة هي بحالة حرب بانتظار نتائج جولة السيناتور الأميركي".
ما زال النظام السوري يرفض الاعتراف بـ"الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية
وكان غراهام زار رفقة قائد قوات التحالف الدولي في العراق وسورية، الجنرال جون برينان، سجن غويران في مدينة الحسكة، أقصى الشمال الشرقي من سورية، الذي يُحتجز فيه عناصر من تنظيم "داعش".
وكان التنظيم قد هاجم السجن مطلع العام الحالي، في عملية واسعة النطاق، كان الهدف منها إطلاق سراح قياديين فيه مسجونين منذ عدة سنوات.
وسبق لغراهام أن زار أنقرة منذ أيام والتقى مسؤولين أتراكاً. كما زار إقليم كردستان العراق قبيل زيارته إلى شمال شرقي سورية. ومع العلم أن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، سبق أن حذّر تركيا من هجوم عسكري في سورية قائلاً إنه سيعرّض المنطقة للخطر.
وفي السياق، زار وفد بريطاني وُصف بـ"رفيع المستوى"، بقيادة قائد القوات البريطانية في سورية مدينة عين العرب (كوباني)، الأربعاء، وهو ما يندرج في سياق المحاولات المتتابعة لتهدئة الأوضاع في الشمال السوري.
تنازلات محتملة لـ"قسد"
ويبدو أن "قسد" بصدد تقديم "تنازلات" لها طبيعة عسكرية للنظام، خصوصاً على خطوط التماس مع فصائل المعارضة سواء في غرب نهر الفرات أو شرقه.
وذكرت تقارير إعلامية أن "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية التابعة لـ "قسد"، دخلت بمفاوضات سياسية وعسكرية مع النظام خلال الأيام القليلة الماضية، تناولت العديد من القضايا، ومنها نشر وحدات قتالية تابعة للنظام في الشمال السوري لمواجهة التهديد التركي، وفصائل المعارضة التابعة لأنقرة.
وأشارت التقارير إلى أن المفاوضات تطرقت لمسائل خلافية متعددة، غير أن مصادر كردية مطلعة نفت صحة هذه التقارير، مشيرة إلى أن التعامل مع النظام لا يزال ضمن النطاق العسكري الميداني.
أبدى صالح مسلم، استعداد "الاتحاد الديمقراطي" للحوار مع جميع الأطراف بما فيها تركيا
إلى ذلك، أكد المتحدث الرسمي لـ"قسد" أرام حنا في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قنوات الاتصال مع قوات النظام نشطة بشكل مستمر وتصاعدية، ما ينعكس على الميدان".
وأضاف: وافقت قواتنا على نشر تعزيزات لمواقع قوات حكومة دمشق، المتمركزة في المناطق التي يشملها التهديد التركي. وقال إن "هذه التعزيزات تشمل إدخال السلاح النوعي والمدفعية الثقيلة والدبابات، بالشكل الذي يضمن رفع قدراتنا الدفاعية ودعم مقاومة مجالسنا العسكرية المحلية، المنتشرة على طول خط التماس والشريط الحدودي".
وأشار حنا إلى أن هذه التوافقات بين "قسد" وقوات النظام "تجري بالتنسيق مع القوات الروسية الضامنة لخفض التصعيد ومراقبة وقف إطلاق النار".
وتابع: حتى اللحظة لا نلمس جدية في الموقف الروسي، على الرغم من تداول تصريحات خجولة ترفض التصعيد التركي. ولفت إلى أن القوات الروسية في شمال سورية، تقوم بأداء مهامها الروتينية، مضيفاً: نتبادل معها التقارير الميدانية، كما نتبادل مع التحالف الدولي. وفي خطوة مفاجئة، فرضت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، أول من أمس الأربعاء، حالة الطوارئ في جميع مناطق نفوذها حتى إشعار آخر بسبب ما وصفته بالتهديدات التركية.
وقالت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في "الإدارة الذاتية" بريفان خالد لـ"العربي الجديد"، إن القرار "جاء نظراً لما تتعرض له مناطق شمال شرقيّ سورية من تهديدات مستمرة من قبل تركيا، التي تقصف بشكل دائم مناطقنا، سواء عبر الأسلحة الثقيلة أو الطيران المسيّر، وتستهدف المدنيين والبنية التحتية والمؤسسات الخدمية بشكل عام".
النظام يرفض الاعتراف بـ"الإدارة الذاتية"
وفي السياق، ما زال النظام السوري يرفض الاعتراف بـ"الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، وبقوات "قسد"، وهو ما يحول دون التوصل لتفاهمات يمكن أن تحسم مصير منطقة شرق الفرات، الغنية بالثروات والتي يطالب النظام باسترجاعها من دون شروط.
وتجهد "قسد" للمحافظة على وجودها في الشمال الشرقي من سورية، لفرض نفسها لاعباً في أي حلول سياسية للقضية السورية، لذا تحاول بشتى السبل منع العملية العسكرية التركية، التي ربما لا تقف عند حدود معيّنة، وتشير المعطيات إلى أن أنقرة جادة في طرد "قسد" من غرب الفرات بشكل كامل.