حراك دولي مكثف لأردوغان: بحث عن صفقات سياسية واقتصادية

08 فبراير 2022
عرض أردوغان التوسط بين كييف وموسكو (الأناضول)
+ الخط -

يكثّف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حراكه الدبلوماسي الدولي خلال شهر فبراير/شباط الحالي، في أجندة تهدف إلى دفع التهدئة والحوار في المنطقة مع الأطراف المعنية.

ويستهدف حراك الرئيس التركي لقاءات مع زعماء دول سبق أن اشتبكت أنقرة معها سياسياً لسنوات عديدة، قبل أن تهب رياح المصالحات في المنطقة وتندفع تركيا لطي صفحات الخلافات.

جولات الرئيس التركي بدأت بأوكرانيا على أن تشمل الإمارات والسعودية، في ظل مواصلة أردوغان حديثه عن التهدئة في المنطقة والسعي لتطبيع العلاقات مع مصر وأرمينيا، في مسعى لأن يكون العام الجديد نقطة تحوّل في السياسات الخارجية التركية التي اتسمت في السنوات السابقة بالحدة والمواجهة.

هذا الحراك المكثف، وإن كان يستهدف بالأساس التهدئة مع هذه الدول، إلا أن خلفه أيضاً أهدافاً أخرى للرئيس التركي، الذي يحاول عقد توافقات على تقاسم الثروات شرق المتوسط مع الدول المعنية، خصوصاً مصر وإسرائيل. كما يسعى من جهة أخرى لتنشيط التجارة والاقتصاد مع الإمارات والسعودية، وتخفيف حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا حفاظاً على التوازنات.


يرغب أردوغان بتحقيق تقدّم في العلاقات الخارجية ينعكس على الاقتصاد التركي

ويرغب أردوغان بعام هادئ وتحقيق تقدّم في العلاقات الخارجية ينعكس على الاقتصاد التركي، ما يؤثر على الداخل ويستوعب حالة التخبط في الاقتصاد بسبب ارتفاع نسبة التضخم وزيادة الأسعار وعدم استقرار سعر صرف العملة التركية أمام العملات الأجنبية.

زيارة الإمارات ووساطة بين روسيا وأوكرانيا

وفي الوقت الذي تحددت فيه مواعيد بعض الزيارات، إلا أن بعضها لا يزال غير واضح. وزار أردوغان كييف في الثالث من هذا الشهر، وأعلن أنه عرض استضافة قمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لتخفيف حدة التوتر على حدود البلدين منعاً من انزلاق الخلاف إلى مواجهة عسكرية.

كما أفاد أردوغان في حوار تلفزيوني قبل أيام، أن 14 فبراير، وهو اليوم الذي يزور فيه الإمارات، يشكّل أهمية كبيرة، لأن هذه الزيارة ستكون بمثابة انطلاق لحقبة جديدة بين البلدين. وأوضح أن الديناميكيات الجديدة التي ظهرت في المنطقة كان لها دور مهم في هذا الإطار، مشيراً إلى أن حل الخلاف بين قطر ودول أخرى، ساهم بشكل خاص في ظهور روح جديدة من التعاون في المنطقة.

وأعلن أن نظيره الإسرائيلي يتسحاق هرتزوغ سيزور تركيا، قبل أن يتم الإعلان أن الزيارة ستتم في مارس /آذار المقبل. وأشار إلى أن إسرائيل اتخذت بعض الخطوات المتعلقة بالتعاون شرقي المتوسط، وتركيا مستعدة لاتخاذ الخطوات اللازمة أيضاً معها، معلناً أن مرحلة جديدة في علاقات تركيا وإسرائيل ستبدأ مع تلك الزيارة.

كما أن أردوغان أعلن قبل نحو شهر أنه يعتزم زيارة السعودية في فبراير، رداً على سؤال تلقاه من سيدة أعمال حول التجارة المتوقفة بين البلدين، ولكن لم يتم تحديد الموعد بعد.

وعلى الرغم من اختلاف أجندات تركيا في هذه اللقاءات، ولكن عنوانها الأساسي هو التهدئة والتصالح. وأولت أنقرة اهتماماً للعلاقة مع أبوظبي والرياض من بوابة الاقتصاد، لتتجاوز العواصم الثلاث الخلافات السياسية بينها.

كما تسعى تركيا في العلاقة مع إسرائيل ومصر لترتيب الأوضاع شرق المتوسط وتقاسم الثروات بشكل يرضي جميع الدول المعنية.

وتتخوف تركيا من أضرار على سياستها في ليبيا وسورية والقوقاز والبحر الأسود في حال نشوب حرب بين أوكرانيا وروسيا، ولهذا تسعى لتهدئة يكون عنوانها المصالح المشتركة.

وفي هذا الإطار تحرص أيضاً على تحسين العلاقات مع أرمينيا، وبدأت اجتماعات بين المبعوثين الخاصين قبل نحو شهر، تلاها عودة الرحلات الجوية بين إسطنبول ويريفان في الأول من الشهر الحالي.

حسابات أردوغان في تركيا والخارج

وقالت مصادر تركية مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن "تركيا غير مستعدة لتعقيدات جديدة في المنطقة"، لافتة إلى أن "محاولات جمع الطرفين الروسي والأوكراني على طاولة واحدة لن تكون سهلة وتتطلب لقاءات متعددة الأوجه، ولهذا ستكون لأردوغان لقاءات أخرى".

وعن هذه اللقاءات، قال المحلل السياسي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الوضع في البحر الأسود مقلق جداً، وتركيا هي المتضرر الأكبر في حال نشوب أي مواجهة مسلحة، ولا يمكن لها إلا أن تلعب دور الوسيط لفرض الاستقرار في المنطقة، ولذلك تكثف جهودها السياسية في كل المنطقة من روسيا حتى السعودية".

ورأى أن "مجرد اللقاء هو من النتائج الإيجابية وبعد ذلك تظهر النتائج"، متوقعاً "توصّل الأطراف المختلفة إلى تهدئة وتغليب لغة العقل والحل الدبلوماسي، لأن هذا الأمر ستتأثر به المسارات الاقتصادية، والقضايا الأمنية والسياسية".

واعتبر أن "هذه اللقاءات تعني العودة للمسارات السياسية في الملف الروسي- الأوكراني، أما مع السعودية والإمارات فستكون هناك رسائل دعم كاملة ضد الحوثيين في اليمن، وعودة المسار السياسي الطبيعي مع إسرائيل من أجل شرق المتوسط، وكسر التحالف الذي تريد إقامته اليونان في المنطقة باستبعاد تركيا".


بدأت تركيا منذ العام الماضي سياسة تهدئة في المنطقة تقوم على الحوار وتغليب لغة المصالح

من جهته، قال المحلل السياسي محمد جيرن لـ"العربي الجديد"، إن "تركيا بدأت منذ العام الماضي سياسة تهدئة جديدة في المنطقة تقوم على الحوار وتغليب لغة المصالح بعيداً عن الخلافات السياسية".

وأشار إلى أن هذا الأمر بدا واضحاً في العلاقة مع الإمارات وتجاوز الخلافات السياسية والسعي للأمر نفسه مع السعودية، لافتاً إلى أن العنوان الأساسي للعلاقات مع الدولتين العربيتين هو الاقتصاد والتهدئة.

ورأى جيرن أن "العلاقات مع مصر وإسرائيل هدفها قطع الطريق أمام جهود اليونان ودول أوروبية للتفرد بالملف الليبي وبثروات شرق المتوسط، فيما ترغب تركيا بحوار مع جميع الأطراف لإيجاد حل في تقاسم تلك الثروات".

وتوقع أن يكون للجهود التي يبذلها أردوغان أثر داخلي ينعكس على شعبيته قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة العام المقبل، فتخفيف حدة التوترات الدولية والإقليمية وتغليب لغة المصالح الاقتصادية، لا بد أن تنعكس على الاقتصاد التركي وتترك نتائج إيجابية يمكن الاستفادة منها على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وفق قوله.