بدأت العمليات العسكرية في أفغانستان تخرج عن السيطرة في ظلّ واقع ميداني لا يشي بقرب انتهاء المعارك بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" بل تطورها إلى حرب المطارات، فضلاً عن تأثر دول الجوار بمجريات الحرب، خصوصاً في مقاطعة شمال وزيرستان الباكستانية الحدودية مع أفغانستان، التي سقط فيها قتلى أول من أمس الأحد. ومع محاولتها التصدّي لـ"طالبان"، عزت السلطات في كابول غموض مستقبل البلاد إلى الأميركيين. وهو ما دفع الرئيس الأفغاني أشرف غني، إلى القول أمس الإثنين، إن قرار واشنطن "المفاجئ" سحب قواتها هو الذي تسبب بتدهور الوضع الأمني في بلاده. وأضاف متوجهاً إلى البرلمان أن "سبب الوضع الذي نحن فيه حالياً هو أن القرار اتُّخذ بشكل مفاجئ"، مشيراً إلى أنه حذّر الأميركيين من أن الانسحاب سيحمل "عواقب". وسبق للرئيس الأفغاني أن تحدث في اجتماع مع القبائل، أول من أمس، معتبراً أنه "من أجل التوصل إلى حل مع طالبان، لا بد من تغيير موازين القوة والوضع في الميدان، لأن الحركة سيطرت على المديريات، وهو ما دفعها إلى اعتبار نفسها مسيطرة على الوضع. بالتالي لا إرادة لديها لعملية السلام مع الحكومة". وطلب غني من زعماء القبائل التوسط بين الحكومة و"طالبان".
حمّل غني واشنطن مسؤولية التدهور الأمني بسبب الانسحاب
في غضون ذلك، تصبّ الولايات المتحدة اهتمامها على الأفغان المتعاونين معها. في السياق، قال مسؤول بالإدارة الأميركية ومصدران مطلعان، مساء أول من أمس الأحد، إن الإدارة ستطلق برنامجاً جديداً لإعادة توطين بعض الأفغان بصفة لاجئين في الولايات المتحدة. ومع تعرّض مناطق مجاورة لأفغانستان لنيران المعارك، مثل وزيرستان في باكستان، بدأت قوات من روسيا وأوزبكستان تدريبات عسكرية مشتركة أمس، قرب الحدود الأفغانية وسط مخاوف في كلا البلدين من تدهور الوضع الأمني في أفغانستان والذي قد تمتد تداعياته إلى آسيا الوسطى. وذكرت روسيا أن 1500 جندي روسي وأوزبكي سيشاركون في التدريبات التي تستمر خمسة أيام والتي بدأت في موقع ترمذ العسكري في أوزبكستان، حسبما أفادت وكالة "تاس" الروسية للأنباء. وفي إشارة إلى مدى قلق موسكو بشأن التهديد المحتمل من أفغانستان، نقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية، أمس، عن وزارة الدفاع قولها إن روسيا ستُرسل 800 جندي إضافي للمشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة مع أوزبكستان وطاجيكستان مقررة بين 5 أغسطس/آب الحالي و10 منه، وستستخدم ضُعفَي العتاد الذي كان مقرراً.
بدوره، واصل سلاح الجو الأفغاني قصفه العنيف لمواقع "طالبان" في مختلف الأقاليم، تحديداً في مدينتي هرات ولشكر كاه. وحول الغارات، يكشف مصدر قبلي لـ"العربي الجديد"، أن الطائرات الحربية الأفغانية كثّفت قصفها على مواقع الحركة في ضواحي مدينة هرات وفي مديرية إنجيل الواقعة بجوار المدينة، التي تُعدّ البوابة الرئيسية للدخول إليها، مؤكداً أن القصف كبّد "طالبان" خسائر كبيرة، وعرقل تقدم مسلحيها. وبعد اشتداد المعارك داخل مدينة قندهار وسيطرة "طالبان" على مناطق فيها، تبنّت الحركة مسؤولية استهداف مطار قندهار الدولي المعروف باسم "مطار أحمد شاه أبدالي" بثلاثة صواريخ، مساء السبت ـ الأحد، ما أدى إلى إلحاق أضرار بالمطار وتوقف الرحلات من وإليه. وأفادت الحكومة المحلية أن الصواريخ سقطت داخل المطار، ما أدى إلى توقف الرحلات المدنية إليه.
وتعليقاً على قصف المطار، يقول المحلل الأمني الجنرال المتقاعد عتيق الله أمر خيل لـ"العربي الجديد" إن استهداف "طالبان" للمطارات، تحديداً في قندهار وهرات اللتين تعتبران من مواقع الحرب الساخنة هو تكتيك خطير، لأننا نعرف أن نقطة القوة لدى الحكومة والقوات الحكومية تتمثل بسلاح الجو، بعد تراجع القوات البريّة أمام الحركة. ويرى أن استهداف المطارات يعني أن "طالبان" تسعى لإرباك القوة الجوية إلى حد ما، ولا شك أن مطار قندهار ومطار شنديد مهمان جداً في هذا الصدد.
ويؤكد أمر خيل أن توجه "طالبان" نحو المدن ونقل الحرب من المديريات إليها، ظاهرة خطيرة، وتعني أن أياماً صعبة تنتظر الأفغان، وأن المدن الأفغانية تواجه مرة أخرى خطر ما حدث في تسعينات القرن الماضي، أي سيطرة الحركة على كامل البلاد، باستثناء المناطق الشمالية الموالية لأحمد شاه مسعود، الذي قُتل في 9 سبتمبر/أيلول 2001. ويلفت إلى أن دخول الحرب إلى المدن يعني أن المصالحة الأفغانية بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة وأن التوافق بين "طالبان" وأميركا سقط في هذه النقطة، لأن الحركة تعهّدت لواشنطن بعدم دخول المدن. ويشير إلى أن التقدم الميداني يمنح "طالبان" الجرأة الكافية لعدم الجلوس على طاولة الحوار مع الحكومة، في ظلّ اعتقادها بإمكانية سيطرتها بالسلاح على البلاد.
ميدانياً، وبعد سيطرتها على نحو نصف مديريات أفغانستان (180 مديرية من أصل 388)، توجهت حركة "طالبان" صوب عواصم الولايات خلال اليومين الماضيين. وعلى الرغم من المعارك العنيفة، وادّعاء الحركة سيطرتها على بعض المناطق داخل مدينتي هرات ولشكر كاه، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى أن الحركة لم تتقدم كثيراً. وتؤكد الحكومة ومصادر قبلية أن القوات الأفغانية تصدت لعمليات "طالبان" في أربع مدن كبيرة هي: مدينة هرات المجاورة لإيران، ومدينة قندهار المجاورة لباكستان، ومدينة لشكر كاه مركز إقليم هلمند، ومدينة تلقان مركز إقليم تخار في شمال البلاد.
روسيا تضاعف عدد جنودها في تدريبات على الحدود مع أفغانستان
وحول هذه التطورات، أفاد المتحدث بإسم القوات المسلحة الأفغانية أجمل عمر شينواري، في مؤتمر صحافي في كابول أمس، بأن القوات الأفغانية لم تتصدَّ فقط لهجمات "طالبان"، تحديداً في هرات ولشكر كاه، بل كبّدتها خسائر كبيرة في الأرواح. وأكد أن القوات الخاصة وصلت إلى المدينتين. ويشرف على العمليات في المدينتين، نائب وزير الداخلية الأفغانية عبد الرحمن رحمني، في ظلّ اصطفاف القائد الجهادي السابق الجنرال إسماعيل خان، حاكم إقليم هرات سابقاً، إلى جانب القوات الحكومية. وتُعتبر مشاركة خان أهم عقبة في وجه تقدم "طالبان" داخل مدينة هرات.
من جهتها، ادّعت الحركة أن وصول القوات الخاصة والدعم القبلي للقوات المسلحة الأفغانية لم يغيّر في الأحداث الميدانية كثيراً، وأن مسلحيها سيطروا على مناطق داخل مدينتي هرات ولشكر كاه. وهو ما أكده المتحدث بإسم الحركة ذبيح الله مجاهد في تغريدة له على "تويتر"، مشيراً إلى أن مسلحي الحركة سيطروا على ضواحي مدينة هرات، ويستعدون لاختراق وسط المدينة. وأعلن أيضاً سيطرة "طالبان" على مواقع عسكرية في مدينة لشكر كاه، ومنها موقع لواء للجيش في منطقة شنه، والناحية الرقم سبعة في المدينة. وندّد مجاهد بما وصفه بـ"القصف العشوائي للطائرات الأفغانية"، معتبراً أنها "أدت إلى مقتل وإصابة العديد من المواطنين".
ومع تصاعد عمليات القتال، ارتفعت الخسائر البشرية بين المدنيين. وتكشف لجنة حقوق الإنسان أنه منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، قُتل 1677 شخصاً وأُصيب 5321، وأن الحياة باتت صعبة في المدن الخاضعة لسيطرة "طالبان"، خصوصاً قندهار وهرات ولشكر كاه. وتشير إلى أن آلاف الأسر تركت منازلها وبدأت تسكن في المساجد والأماكن العامة. وحيال هذه الصعوبات، يقول سمير الله، أحد سكان مدينة قندهار، لـ"العربي الجديد" إنه بعد سيطرة "طالبان" على إحدى ضواحي المدينة زرع عناصرها الألغام بكثافة على الطرقات وطلبوا من السكان عدم التحرك. وبالتالي اضطر السكان إلى مغادرة المنطقة. ووفق إدارة اللاجئين المحلية في قندهار، فقد نزحت 24 ألف عائلة خلال أسبوع واحد من المدينة.