حرب النظام لا تتوقف على إدلب: استغلال انشغال تركيا بمواجهة "قسد"

09 أكتوبر 2023
من دمار أحد المنازل جراء قصف النظام بريف إدلب، أول من أمس السبت (إبراهيم خطيب/ الأناضول)
+ الخط -

يستغل النظام السوري انشغال العالم بما يجري في فلسطين المحتلة، للإمعان في تصعيده على الشمال الغربي من سورية، والذي أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين خلال أيام، في خرق لكل التفاهمات الروسية التركية التي تحكم هذا الشمال منذ عام 2020، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات تتعلق بالموقف التركي الصامت إزاء هذا التصعيد حتى اليوم.

وقُتل وأصيب العشرات من المدنيين، أمس الأحد، بقصف من قوات النظام على بلدات محافظة إدلب شمال غربي سورية، في استمرار لتصعيد بدأ قبل أيام على خلفية هجمات على الكلية الحربية في حمص يوم الخميس الماضي، سارع النظام إلى اتهام فصائل المعارضة بالوقوف وراءها، في حين أن كل الوقائع تنفي هذه التهمة.

استهداف الأحياء السكنية في إدلب

ووفق شبكات إخبارية محلية، فإن قوات النظام السوري والمليشيات المساندة له المتمركزة قرب مدينة سراقب، قصفت الأحياء السكنية في مدينة إدلب بنحو 20 صاروخاً من نوع "غراد"، دفعة واحدة صباح أمس الأحد، مؤكدة أن القصف أدّى إلى مقتل امرأتين وطفل وإصابة أكثر من 10 آخرين معظمهم أطفال ونساء، بينهم متطوعان في مؤسسة الدفاع المدني السوري.

وخلّف القصف أضراراً مادية كبيرة في منازل المدنيين ومحلاتهم التجارية والسيارات، في وقت سقط أحد الصواريخ وسط بناء مديرية التربية والتعليم، وسط المدينة، ودمّر جزءاً منه. وطاول قصف صاروخي ومدفعي مماثل كلاً من مدن وبلدات سرمين، النيرب، دارة عزة، تقاد، السحارة، في ريفي إدلب وحلب شمال غربي سورية أمس. وقصفت قوات النظام المتمركزة في الحواجز المحيطة بالمدفعية وراجمات الصواريخ العنقودية بلدة التوامة بريف حلب الغربي، ما أدى إلى اندلاع حرائق بمنازل المدنيين.

القصف تركز أمس على مدينة إدلب ومحيطها وريف حلب الغربي

من جهته، أفاد الدفاع المدني السوري بأن القصف الصاروخي على مدينة إدلب استهدف مخيماً للنازحين على أطراف المدينة ومنازل المدنيين في الأحياء السكنية وسطها، مشيراً إلى أن عناصره انتشلوا جثة امرأة من تحت الأنقاض، وأنقذوا شخصين عالقين (رجل وامرأة). وأكد الدفاع المدني السوري مقتل طفلين، ووفاة امرأة بسكتة قلبية أثناء القصف، وإصابة 28 مدنياً بينهم 10 أطفال و4 نساء ومتطوعين في الدفاع المدني السوري أثناء توجههما للقيام بواجبهما الإنساني، في حصيلة أولية لهجمات صاروخية من قبل قوات النظام، صباح أمس. وبيّن على معرفاته الرسمية أن هذه القوات استهدفت الأحياء السكنية وسوقاً وطرقات رئيسية ومخيماً ومرفقاً تعليمياً في إدلب.

إلى ذلك، أعلنت مديرية صحة إدلب عن بدء العمل وفق خطة طوارئ في المراكز والمنشآت الصحية، مشيرة إلى أنها وثقت مقتل 32 شخصاً وإصابة أكثر من 170 معظمهم من النساء والأطفال، منذ بدء التصعيد العسكري على شمال غربي سورية حتى مساء السبت، مشيرة إلى أن القصف تركز على مدينة إدلب ومحيطها وريف حلب الغربي. وعلّقت جامعة حلب الحرة دوامها أمس واليوم الإثنين بسبب القصف المكثف من قبل قوات النظام والذي يحول دون وصول الطلبة إلى الكليات والمعاهد في ريف حلب الشمالي.

وكانت قوات النظام بدأت منذ الخميس الماضي حملة تصعيد ضد شمال غربي سورية، عقب هجمات بطائرات مسيّرة على مبان الكلية الحربية في حمص وسط البلاد، تشير المعطيات إلى صعوبة وقوف المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) خلفها، لبُعد هذه الأطراف بشكل كبير عن مكان وقوع الهجوم في حمص.

ويبدو أن النظام يستغل ما يجري في فلسطين المحتلة وانشغال العالم به ليمعن في قتل وتشريد المدنيين شمال غربي في تجاوز واضح لكل تفاهمات مسار أستانة، خصوصاً تلك التي بين الروس والأتراك والمبرمة عام 2020.

مصطفى البكور: كل الدلائل تشير إلى استمرار التصعيد بعد انشغال العالم بما يحصل في فلسطين

وبيّن العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة شمال غربي سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الطيران الروسي مشترك في حملة قوات النظام، مؤكداً أنه استهدف أماكن عدة وأن مدفعية النظام تستهدف المدنيين والمرافق الحيوية. وتابع البكور: "كل الدلائل تشير إلى استمرار التصعيد بعد انشغال العالم بما يحصل في فلسطين وغياب التغطية الإعلامية للعدوان الروسي الإيراني الأسدي على الشعب السوري". وحول الموقف التركي إزاء ما يحدث، رأى البكور أن "تركيا مشغولة بحربها مع حزب العمال الكردستاني، ما سمح للنظام وحلفائه بالاستفراد بالسوريين شمال غربي البلاد".

وتحتفظ تركيا بحضور عسكري طاغ في شمال وشمال غربي سورية، إلا أنها لم تتحرك حتى اللحظة بشكل علني لإيقاف الحملة العسكرية ضد نحو 4 ملايين مدني جلّهم نازحون، يتعرضون منذ عدة أيام لقصف مركز في كل الأوقات، ما دفع قسماً كبيراً منهم للنزوح مرة أخرى إلى مناطق يرون أنها ربما تكون آمنة. وينتشر آلاف الجنود الأتراك شمال غربي سورية ضمن قواعد ونقاط مراقبة، بعضها ليس بعيداً عن خطوط التماس مع قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي.

أسباب الصمت التركي

من جهته، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات، رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الصمت التركي حيال ما يجري شمال غربي سورية يعود لعدة أسباب، مفصلاً بالقول إن "الأتراك وجدوا بعد تفجير أنقرة (جرى الأحد في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي واستهدف الداخلية التركية) فرصة لاستنزاف وإضعاف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) إلى أبعد حد في شمال شرقي سورية. واعتبر أن "عدم وجود مبادرة من فصائل المعارضة السورية للرد على قصف النظام، يلعب دوراً في عدم تحرك الجانب التركي". وبرأيه، فإنه "يبدو أنه ليست هناك رغبة لدى تركيا للتصعيد مع روسيا لأن طيران الأخيرة لم يشترك بالقصف الذي يتم بوسائط برّية وتقف وراءه إيران والنظام، ولانسحاب روسيا من أرمينيا، ما أدى إلى تعظيم مكاسب تركيا هناك".

وفي السياق، أعرب المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "الوضع الإقليمي الساخن والحرب الجارية بين حركة حماس وإسرائيل، يدفع الدول للتفكير مطولاً قبل الإقدام على أي خطوة"، مستبعداً تغيير خريطة السيطرة الميدانية في شمال غربي سورية نتيجة للحملة التي يشنها النظام السوري حالياً.

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون