أسفرت اشتباكات ليل الاثنين ويوم الثلاثاء التي جرت في طرابلس بين جهاز الردع واللواء 444 قتال عن مقتل 55 واصابة أكثر من 140 بين مسلح ومدني في حصيلة أولية بحسب بيان لجهاز الإسعاف والطوارئ الليبي.
ويُضاف إلى ذلك إجلاء 870 عائلة من بيوتها في مناطق الاشتباكات وفقاً لبيان لجهاز الهلال الأحمر. على الرغم من أن هذه الاشتباكات ليست الأولى من نوعها، إلا أنها في التفصيل تبدو مختلفة بعض الشيء بسبب توقيتها الذي يأتي بالتزامن مع عملية حثيثة لتمهيد الطريق لإجراء انتخابات، وحملت رسائل واضحة.
ولا تتعلق رسائل اشتباكات القوى المسلحة هذه المرة بالداخل الليبي، بل تبدو موجهة بغير قصد إلى الخارج وتحديداً البعثة الأممية ومن يدعمها التي تحاول الضغط على الأطراف الليبية للاتفاق على ضرورة اجراء الانتخابات، لا سيما بعد إعلان المبعوث الأممي عبد الله باتيلي عزمه إطلاق مسار تفاوضي يتضمن انخراط كافة الشرائح والأطياف فيه، وبالتالي تشاركهم مع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، في تعديل النقاط الخلافية بشأن القوانين الانتخابية.
من الواضح أن باتيلي منذ توليه لمهامه كان يرتب لعملية سياسية شاملة من خلال إيجاد أرضية أمنية صلبة تقف عليها، ولذا أولى عنايته للمسار الأمني والعسكري، من خلال لجنة 5+5 العسكرية المشتركة، ثم جمع قادة السلاح من معسكري غرب وشرق البلاد، أولاً في طرابلس نهاية مارس/آذار الماضي، وثانياً في بنغازي مطلع إبريل/نيسان الماضي، وسط تفاؤل واسع وثناء على جهوده الكبيرة لجمع آراء أصحاب السلاح في كلمة واحد. وصرح باتيلي أكثر من مرة بضرورة أن تتولى المجاميع المسلحة تأمين الانتخابات.
لكن اشتباكات طرابلس الأخيرة أظهرت هشاشة التوافقات الأمنية وتعهدات قادة السلاح الذين شاركوا في حوارات الأمم المتحدة في المسار الأمني، فلم يستطع المجلس الرئاسي، رغم أنه يحمل صفة القائد الأعلى للجيش، ولا رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة الذي يحمل صفة وزير الدفاع، ولا رئيس الأركان الفريق محمد الحداد الذي عول عليه باتيلي كثيراً خلال لقاءاته بنظيره في الشرق الليبي، إجبار الفصيلين على إنهاء الاشتباكات. فقد غاب الجميع، وحتى الأحاديث المسربة عن جهودهم كانت تأخذ طابع التوسل للفصيلين بإنهاء القتال أكثر منه أي شيء آخر.
بيان باتيلي وبعثته عقب الاشتباكات عكس مخاوفه الواضحة، فلم يتحدث كالعادة عن المخاوف من سقوط مدنيين، بل اتجه في الغالب للتذكير بالعملية السياسية وإمكانية انهيارها. ووجه خطابه للفصيلين صراحةً مطالباً بضرورة "الحفاظ على المكاسب الأمنية التي تحققت في السنوات الأخيرة ومعالجة الخلافات من خلال الحوار"، وضرورة المحافظة على "الاستقرار النسبي السائد وخلق بيئة مواتية لإجراء انتخابات شاملة".
يبدو أن رؤية باتيلي المتفائلة ستتغير الآن، وسيعاود النظر في ثقته بقادة السلاح الذين تبين له أن رفض نتائج أي انتخابات لا تخدم مصالحهم، أمر ممكن، فالحوارات في الواقع يجب أن تُجرى بينهم قبل كل شيء.