تشهد العاصمة الأفغانية كابول أشرس موجة من العنف، حيث لا يمر يوم في الآونة الأخيرة وإلا ويسقط فيه قتلى وجرحى بسبب عمليات تفجير واغتيال. وسجل خلال الأيام الماضية ثلاثة أو أربعة تفجيرات يومياً، بالتزامن مع عمليات اغتيال. وفي الوقت الذي تبنى فيه تنظيم "داعش" المسؤولية عن عدد قليل من الهجمات، فإن الغالبية العظمى لا تزال مجهولة المصدر.
وفي حين تصرّ الحكومة على أن حركة طالبان هي التي تنفذ الاعتداءات وتتوعد بالانتقام منها، فإن الحركة ترفض ذلك، بل وتدين بعض الجرائم، مثل عملية اغتيال رئيس مجلس شورى جمعية الإصلاح والتنمية محمد عاطف بانفجار عبوة الأسبوع الماضي، خصوصاً بعد الردود السياسية والشعبية والإعلامية التي أعقبت الحادثة.
ويؤدي تصاعد التفجيرات والاغتيالات وعدم معرفة الفاعل إلى نشر الذعر والخوف وسط الأفغان. ويقول محمد نور، الذي يسكن منطقة خوشحال خان في كابول ولديه أربعة أبناء، لـ"العربي الجديد"، إنّ ما يحصل حالياً من أصعب الحالات التي تواجهها البلاد بعد الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي. ويوضح أن الأفغان يتجنبون الخروج من المنازل بسبب الاغتيالات والعبوات اللاصقة، ولكن بعضهم، مثل أولادي، مضطرون للقيام بهذا الأمر، لأنهم أصحاب وظائف.
أعلنت "طالبان" أن عناصر تنظيم "داعش" يتواجدون في فنادق الاستخبارات الأفغانية
كما يثير كل ما يحدث تساؤلات كثيرة لدى الأفغان، وخشية من التصعيد أكثر إذا فشل الحوار بين الحكومة الأفغانية وبين "طالبان". وثمة من يتساءل عما إذا كانت حركة "طالبان" تقف فعلاً وراء موجة الاغتيالات وأعمال العنف الأخيرة، كما تقول الحكومة، فحينها أين ذهب اتفاق الدوحة، الذي ينص على أن القوات الأجنبية ستخرج من أفغانستان مقابل قطع الحركة علاقاتها بالجماعات الأخرى، وخفض عملياتها؟ وإذا لم تكن "طالبان" المسؤولة عن هذا الأمر، كما تكرر الحركة، وكما يظن مراقبون للوضع، فكيف سيكون الوضع في أفغانستان مستقبلاً، حتى لو نجحت المصالحة مع "طالبان" إذ إنها لم تعد الجهة الوحيدة التي تقاتل القوات الحكومية، حتى يكون التصالح معها بمثابة استئصال لجذور الحرب؟
ويقول المتحدث باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد إن عناصر تنظيم "داعش" الذي يتبنى بعض تلك العمليات، يتواجدون في فنادق الاستخبارات الأفغانية في كابول. وتعليقاً على قضية اغتيال عاطف، يلفت إلى أن الحركة تدين تلك العمليات، وتؤمن بأن حلقة خاصة داخل الحكومة الأفغانية تنفذها. وإلى جانب "طالبان" يوجد من يتهم أيضاً الحكومة والاستخبارات بالوقوف وراء بعض الاغتيالات من أجل إلقاء اللوم على الحركة، والسعي للتقليل من أهمية المصالحة معها من جهة وتقويض الجهود الرامية لإنجاح عملية السلام التي لا تتحفظ عليها الحكومة من جهة ثانية.
ويشير الكاتب والإعلامي عزيز أحمد تسل، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "حالة من الذعر تسود الساحة الأفغانية بسبب التصعيد الأخير في كابول خصوصاً، والأقاليم عموماً، وتحديداً جراء الاغتيالات والعبوات اللاصقة". ويعتبر أن "صورة الحرب تغيرت بعد اتفاق الدوحة بين طالبان وواشنطن في فبراير/شباط 2020، إذ لم نكن نعرف قبل ذلك العبوات اللاصقة بصورتها الحالية، علاوة على تواصل عمليات الاغتيال". ويلفت إلى أن "استخبارات بعض دول المنطقة أيضاً غير راضية عن التوافق بين طالبان وواشنطن، وبالتالي دخلت بكل قوة إلى الساحة، مستغلة الوضع الحالي والاصطياد في الماء العكر". وبرأيه "لم تعد أعمال الاغتيال تقتصر على طالبان وداعش، بل إن هناك تنظيمات مسلحة أخرى تنفذ تلك العمليات، بالإضافة إلى تصفية الحسابات الداخلية، وذلك في ظل هشاشة المنظومة الأمنية الأفغانية، وتحديداً الاستخباراتية، بل هي نفسها متهمة بتنفيذ بعض تلك العمليات".
عزيز أحمد تسل: استخبارات بعض دول المنطقة غير راضية عن التوافق بين "طالبان" وواشنطن
من جهته، يقول عبد الستار خان، وهو أحد وجوه قبائل منطقة تورابورا شرق البلاد، لـ"العربي الجديد"، إن "الحالة مأساوية للغاية. كنا نعلق كل آمالنا على عملية السلام مع حركة طالبان، لكن ما تشهده بلادنا حالياً يشير إلى أن الحرب لن تتوقف، حتى لو تصالحت الحكومة مع طالبان، لأنها لم تعد الجهة الوحيدة التي كانت الحكومة تسميها مظلة المسلحين، بل هناك جهات عديدة، في الميدان ولاعبون كثر، واستخبارات المنطقة لها دور كبير. كما أن الولايات المتحدة الأميركية تهمها مصالحها وليس مصالح الشعب الأفغاني".
وبموازاة الموجة الكبيرة من الاغتيالات والعبوات الناسفة واللاصقة، التي طاولت رجال أعمال وإعلاميين ونشطاء وأكاديميين، فقد شكل توقف المفاوضات بين الحكومة و"طالبان" ضربة أخرى لآمال الأفغان، الذين كانوا يطمعون ببارقة أمل من نجاح المصالحة. وكانت توقفت الجولة الثانية من الحوار بين الحكومة والحركة التي تجرى في الدوحة لأسباب غير معروفة. كما أنه لا تواصل بين هيئتي التفاوض منذ نحو ثلاثة أسابيع. وفي حين لم تعلق "طالبان" على أسباب توقف الحوار، فإن رئيس المجلس الأعلى الوطني للمصالحة عبد الله عبد الله اتهم الحركة، الثلاثاء الماضي، بأنها تعرقل عملية السلام بذريعة أو أخرى، وهي مشغولة بزيارات خارجية، بينما الشعب الأفغاني يتطلع إلى أن تنجح عملية السلام، كي يتوقف حمام الدم في البلاد.
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة "سلام" علام الدين أثير، يوضح لـ"العربي الجديد"، أن "المعضلة هي أن طالبان، ورغم جلوسها على طاولة الحوار مع الحكومة، فإنها لا تعتبرها مرجعاً للحوار". ويعتبر أن العقبة الأساسية، التي بسببها توقفت المفاوضات هي أن "طالبان" تريد القضاء على الحكومة الحالية، لإحلال حكومة إسلامية مكانها. وكانت تصريحات نائب المكتب السياسي للحركة شير محمد عباس ستانكزاي، في موسكو أخيراً، واضحة بهذا الخصوص، على حد وصفه. في المقابل، تسعى الحكومة بكل الطرق إلى عرقلة هدف "طالبان"، وهي ترغب بإشراك الحركة في الحكومة، مثل ما حصل مع الحزب الإسلامي بزعامة حكمتيار، وهو أمر لن يحدث. وتوقع "ألا تصل المفاوضات الأفغانية إلى بر الأمان، في وقت تعاني فيه البلاد من أشد أنواع التصعيد، وموسم الحرب، الربيع، على الأبواب".