حروب العراق تتوالد: من معركة "داعش" إلى "صولة الفساد"

12 نوفمبر 2017
الجيش العراقي سيطر على الرمانة وحاصر راوة(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
مع اقتراب القوات العراقية من الإعلان عن تحرير كل أراضي البلاد من سيطرة تنظيم "داعش"، وطي صفحة التنظيم التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات، يستعد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، لبدء حربه الجديدة على الفاسدين الذين توعد بإيداعهم في السجون.
وبدأت قوات الجيش العراقي أمس السبت عملية عسكرية لاستكمال تحرير ما تبقى من مدن ومناطق محافظة الأنبار غرب العراق، من سيطرة تنظيم "داعش". وأكد مصدر أمني في المحافظة، لـ"العربي الجديد"، أن قوات الجيش العراقي المسنودة من قبل مسلحي العشائر، سيطرت على منطقة الرمانة وحاصرت بلدة راوة من كل الجهات، في محاولة لحسم سريع للمعارك هناك، موضحاً أن الخطة العسكرية تبدأ بالسيطرة على الرمانة قبل الانتقال إلى راوة، وكلا المنطقتين تقع في أقصى غرب الأنبار.

من جهته، أشار العقيد في شرطة طوارئ الأنبار، عاشور جلو، إلى اشتراك مسلحي العشائر في عمليات تحرير مناطق غرب العراق، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن القوات العراقية تتقدّم للقضاء على آخر معاقل تنظيم "داعش" في البلاد. وأوضح أن المقاتلين القبليين يمسكون الأرض في مناطق مهمة غربي العراق، مشيراً إلى تكليفهم بحفظ الأمن في مناطق استراتيجية، لا سيما في المناطق الصحراوية التي ما تزال تضم عدداً غير قليل من جيوب "داعش".

وفي السياق، أكد عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار، راجع بركات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القوات العراقية تمكنت من دخول منطقة الرمانة غربي المحافظة بعد أن سيطرت على الجسر الحيوي الذي يؤدي إلى وسط المنطقة، موضحاً أن السيطرة على الرمانة ستكون المدخل لتحرير راوة المجاورة.

وما إن أوشكت الحرب على تنظيم "داعش" على الانتهاء، حتى أعلن العبادي عن حرب جديدة على المسؤولين الفاسدين الذين توعد بإيداعهم في السجون. وكشف مصدر حكومي عراقي مطلع لـ"العربي الجديد"، أن السلطات العراقية بصدد تشكيل لجنة تضم عدداً من القضاة تتولى مهمة متابعة ملفات المسؤولين الذين سرقوا أو تسبّبوا بهدر المليارات من خزينة الدولة العراقية، موضحاً أن الملاحقة ستطاول أيضاً سياسيين وعسكريين تسببوا بسقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد تنظيم "داعش" منتصف عام 2014. وأشار المصدر إلى أن الإجراءات القضائية ستتم بحق مسؤولين تنفيذيين في بغداد وإقليم كردستان، وسياسيين وبرلمانيين، لافتاً إلى أن بعض الإجراءات قد تصطدم بالحصانة البرلمانية الممنوحة لأعضاء البرلمان العراقي في حال طالتهم الملاحقة القضائية.


من جهته، أكد مستشار رئيس الوزراء العراقي، رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن إمبراطورية الفساد ستسقط قريباً، وأن الظلم لن يدوم، ملمحاً في تغريدة على موقع "فيسبوك" إلى احتمال شمول نواب بالملاحقة القضائية من خلال التساؤل: "حين تُرفع الحصانة كم تتوقعون من يتم القبض عليهم؟". وكان رئيس الوزراء العراقي قد حدد الخميس الماضي وجهة حربه الجديدة بعد النصر على تنظيم "داعش"، مؤكداً أن الحرب ستكون على الفاسدين. وأعلن عن نيته الانتصار على الفساد بعد الانتصار على الإرهاب، متوعداً بإيداع المسؤولين الفاسدين في السجون. ولفت إلى أن مهمة تحرير الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم "داعش" أوشكت على الاكتمال بعد تحرير أغلب الأراضي العراقية التي احتلها التنظيم خلال السنوات الماضية، مهدداً بملاحقة الفاسدين وزجهم في السجون لينالوا جزاءهم العادل.

ودافع عضو البرلمان العراقي عن "ائتلاف دولة القانون"، جاسم محمد جعفر، في تصريح صحافي، عن الحرب الجديدة التي أعلنها العبادي على الفاسدين، مؤكداً أن استراتيجية رئيس الوزراء العراقي في مكافحة الفساد تستهدف كل من تورط بسرقة المال العام ومقدرات العراقيين. وأشار إلى أن الفاسدين لا مكان لهم في العملية السياسية، بل يجب أن ينالوا عقابهم، مؤكداً أن إجراءات العبادي الجديدة هي ضد الفاسدين، ولا يقصد بها جهة معينة، كما أنها ليست لتصفية الحسابات. ولفت إلى وجود جهات سياسية تستغل اسم "الحشد الشعبي" من أجل تحقيق مكاسب انتخابية، قائلاً إن "الحشد" جزء من المنظومة العسكرية، وهذه المنظومة تحتاج إلى إعادة ترتيب لمعالجة الفساد الموجود فيها.

وفي الشأن ذاته، رأى رئيس المجموعة العراقية للدراسات، واثق الهاشمي، أن إعلان العبادي الحرب على الفساد سيعطيه زخماً محلياً ودولياً، موضحاً في مقابلة متلفزة أن المعركة على الفساد لا تقل خطورة عن الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي. وأشار إلى أن الحكومة العراقية لديها أسماء فاسدين جاهزة من أجل تقديمها للقضاء، معتبراً أن "المضي في هذا الأمر سيجعلنا نبني دولة مؤسسات".

وبحسب مراقبين، فإن إجراءات العبادي ضد الفاسدين ستزيد الفجوة مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وأكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، حسان العيداني، أن فتح ملف الفساد يعني أن الكثير من الصفقات السابقة سوف تعود إلى الواجهة، فضلاً عن مطاردة مسؤولين فاسدين تم تهريبهم خلال حقبة الحكومة السابقة التي كان يترأسها المالكي، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن العبادي بدأ يبحث منذ الآن عن حلفاء جدد من خارج "التحالف الوطني" يدعمون إجراءاته ضد الفاسدين.

وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في وقت سابق عن وجود حراك تقوم به قوى سياسية عراقية منذ أيام عدة من أجل الترتيب للمرحلة المقبلة، من خلال تشكيل جبهة سياسية داعمة للعبادي، تضم "التيار الصدري" وأطرافاً أخرى داخل "التحالف الوطني" الحاكم، فضلاً عن قوى سياسية "سنّية" مندرجة ضمن "تحالف القوى العراقية". كما أعلن نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي، عن استعداده لدعم التجديد للعبادي لولاية ثانية، شرط العمل بالتوافقات السياسية، ونزع السلاح خارج إطار الدولة، والتوازن في بناء العلاقات مع العالم الخارجي، والانتقال من المظلة الحزبية إلى المظلة الوطنية.