يشهد حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي تراجعاً ملحوظاً، وتجلى ذلك بخسارته في الانتخابات البرلمانية في ولاية شليسفيغ هولشتاين، وبلوغه نسبة الخمسة بالمائة بصعوبة في ولاية شمال الراين فستفاليا وخسارة آلاف الأصوات في سارلاند، وأرقام أقل من المأمول في ولاية سكسونيا، حتى أن الحزب ظهر خلال مؤتمره الذي انعقد قبل أيام ممزقاً بفعل صراعاته الداخلية، ما ترجم بانفضاض المشاركين قبل أوان نهاية المؤتمر بسبب الخلافات والتباينات بين المندوبين حول السياسة الخارجية والأوروبية وتقييم الصراع في أوكرانيا؛ فهل بات الحزب اليميني الشعبوي في ألمانيا على وشك الاضمحلال قريباً وسط هذا التراجع الشعبي؟ وما مدى تأثير ذلك على الولايات الشرقية في البلاد؟
احتدام الخلافات داخل البديل وتراجع حضوره، وجده الباحث السياسي إيكهارد جيسي، في مقابلة مع "تاغس بوست"، أمس الأحد، مؤشراً على افتقاره إلى الوحدة والجنوح نحو التطرف أكثر، موضحاً أن الحزب اليميني الشعبوي يمر بأزمة خطيرة بسبب العجز الأيديولوجي والإستراتيجي والتنظيمي، ومرجحاً أن تجلب المشاكل الاقتصادية والمالية التي سببتها الحرب ضد أوكرانيا بطئاً في نجاحات وحضور البديل، عدا عن أن التطرف داخل صفوف الحزب وضعه في حالة المشتبه به من قبل الاستخبارات الداخلية (مكتب حماية الدستور)، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية في كولن خلال شهر مارس الماضي. قبل أن يفيد بأنه "وعلى الرغم من الهزائم الانتخابية منذ عام 2020 لا يزال يعتمد ولو بدرجة أقل على صورته العامة، وبالتالي من يظن أن نهايته قريبة مخطئ".
وفي ما خص مغادرة الآلاف من المنتسبين لعدد من الجمعيات الحزبية للبديل، اعتبر الباحث في شؤون التطرف اليميني، ألكسندر هاوسلر، مع شبكة "أم دي آر" الإخبارية، أخيراً، أن الشعارات التي حملتها قيادات الحزب اليميني المتطرف كانت ناجحة في أوقات سابقة، لأنها ركزت على قضايا الخوف، واستطاع من خلالها تسجيل نقاط كرسته من أحد أكبر الأحزاب المعارضة في البوندستاغ.
وعلى ما يبدو، فإن قضاياه أضحت فاقدة الصلاحية، ونفدت ولم يعد بالإمكان تسويقها بشكل صحيح منذ أزمة كورونا، حتى إن قضية اللاجئين لم تعد تحظى بشعبية كبيرة، والتحول والتموضع مع تفشي جائحة كورونا لم يساعدا حزب البديل من أجل ألمانيا، والخطأ الأخير الذي ارتكبه الحزب كان الموقف من العدوان الروسي على أوكرانيا.
وتظهر ردود أفعال العديد من أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا في البوندستاغ مدى عدم إمكانية التوفيق بين أقطاب الحزب حول البرنامج المستقبلي، وهذا ما انسحب نزاعاً خلال المؤتمر الأخير بسبب مشروع قرار ينتقد الاتحاد الأوروبي بعنوان "إعادة التفكير في أوروبا"، وهو الذي يصف الاتحاد بأنه "كيان سياسي مضلل وغير فاعل". ويقال إن عراب الطرح بيورك هوكي، أحد قادة الجناح المتطرف في صفوف البديل، وراء ذلك، وانتقد المندوبون الذين يمثلون الولايات الغربية حقيقة أن الاقتراح يدعو إلى التقارب مع روسيا دون الإشارة إلى الحرب العدوانية الروسية ضد أوكرانيا.
ورغم أن "البديل"، منذ دخوله البرلمان بعد الانتخابات العامة 2017، عمل كمسرع لمصالح ألمانيا الشرقية وسعى لرفع حالة الإحباط هناك، يرى مراقبون أن التعويل الآن على المشاريع الإقتصادية الذي بدأت تنشط في الولايات الشرقية، وأهمها إنشاء مصنع لشركة "تسلا" للسيارات الكهربائية وغيرها من الشركات التي ستحد من نسبة البطالة مستقبلاً، وهو ما سيحدّ التذمر نسبياً من السلطات الاتحادية. هذا التطور وتعزيز العمل التجاري والخدماتي سيضعفان تأييد البديل من أجل ألمانيا، عدا عن أن الأخير ومع تراجع تمثيله في المؤسسات الرسمية سيفقد نفوذه وسيكون له عدد أقل من الوظائف التي يتعين شغلها.
من جهة ثانية، تبرزالمشاكل داخل صفوفه في ولاية سكسونيا السفلى، حيث لم يتمكن حتى الآن من تشكيل قائمة الانتخابات البرلمانية الولائية المفترض أن تخوض الانتخابات يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهناك سعي لدى مندوبيه لإصلاح الوضع والاتفاق على ذلك قبل فوات الأوان. وبينت "هانوفريشيه ألغماين تسايوتنغ"، نهاية الأسبوع الماضي، أنه من المفترض أن يبدأ "البديل" محاولة جديدة لوضع قائمة بالمرشحين بداية يوليو المقبل، والتي يجب أن يقدمها بحلول مطلع أغسطس، سيما وأن الأمر يتطلب اعتماد برنامج انتخابي.
وعن الحضورالمستقبلي لـ"البديل"، يعتبر مراقبون أن رئيس كتلة الحزب في برلمان ولاية تورينغن، والذي يقود الجناح اليميني الأكثر تطرفاً بيورن هوكي، ينتهج سياسة طويلة الأمد، بعد أن استطاع بزخمه إيصال الرئيس المشارك للحزب تينو شروبالا مجدداً إلى زعامة الحزب مع القيادية أليس فايدل. ويشاع أنه وفي غضون عامين قد يستولي فعلاً على السلطة ويدير الحزب، وسيصبح التركيز أكبرعلى معسكره اليميني، وهو الذي يطالب الحزب برفض مراقبة الاستخبارات الداخلية (هيئة حماية الدستور) للحزب باعتباره يمينياً متطرفاً لأن للأخير الحق بأن يستمر دون رادع في مسار سياسته الحزبية.