أوساط إسرائيلية: عملية رفح ستدفع حماس لخفض مطالبها
إسرائيل تحاول إظهار أن حماس تحتاج إلى وقف إطلاق النار أكثر منها
نتنياهو يحاول إجهاض مفاوضات القاهرة
منذ إتمام صفقة التبادل الأولى بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التي شملت هدنة لسبعة أيام، مقابل إطلاق المقاومة سراح النساء المدنيات والأطفال الإسرائيليين، وإطلاق إسرائيل سراح معتقلين فلسطينيين من نفس الفئة، وتمت على دفعات، كان واضحاً أن الصفقة التالية ستكون أكثر تعقيداً بالنسبة للطرفين، وأن "الثمن" الذي ستدفعه إسرائيل سيكون أعلى.
عوامل جديدة تؤثر على صفقة التبادل
لجأت إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب على غزة إلى استخدام القوة المكثّفة في محاولة للتأثير على حركة "حماس" وقراراتها، وأوحت بأنها لا تأبه لأمر المحتجزين الإسرائيليين، محددة هدفها الأول القضاء على "حماس"، حتى إن بعض الوزراء صرّحوا علناً بهذه الأولوية، حتى لو كان ذلك على حساب حياة المحتجزين الإسرائيليين، الأمر الذي أثار قلقاً بالغاً في صفوف ذويهم، والذين بدأوا يتحركون من أجل الضغط على الحكومة لإعادتهم، لكن من دون أن يجدوا التفافاً كبيراً حولهم.
ومنذ الصفقة الأولى تغيّرت العديد من العوامل والظروف في إسرائيل وتوجهاتها. كانت دولة الاحتلال في الصفقة الأولى، لا تزال قابعة تحت الصدمة الشديدة جراء عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وعدّ قتلاها وانهيار مفهوم الردع، وفقدان مئات الجنود بعضهم من وحدات نخبة، وارتكبت المجازر بحق الفلسطينيين ولا تزال، لكن تلقّى جيش الاحتلال بالمقابل خسائر بشرية فادحة، بين قتلى وجرحى وآلاف المعوقين.
ساهمت عدة عوامل في تسريع الصفقة الأولى، منها شعور المستوى الأمني بالذنب بسبب الإخفاق في 7 أكتوبر
ساهمت عدة عوامل في تسريع الصفقة الأولى نسبياً من خلال الوسطاء، منها شعور المستوى الأمني بالذنب بسبب الإخفاق الكبير في 7 أكتوبر، وكذلك التهم التي وُجهت إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحكومته بأنهم سبب الإخفاق وتجرؤ "حماس"، بسبب الانقسام الحاد في المجتمع الإسرائيلي قبل 7 أكتوبر، على خلفيات خطط الحكومة لتقويض القضاء.
وفي وجه تصريحات "القضاء على حماس"، بدأ يرتفع الصوت الذي يطالب بإعطاء الأولوية لإعادة المحتجزين، وتفادي قتلهم بالقصف الإسرائيلي. وبدأ يظهر حراك عائلات المحتجزين، وتصريحات المقاومة بأن القصف الإسرائيلي قتل عدداً من الإسرائيليين، وتصريح مسؤولين إسرائيليين ومعلّقين بأن على إسرائيل الموافقة على صفقة حتى لو كان الثمن "الجميع مقابل الجميع". كما تعززت ملامح احتمالات حدوث انقسام داخلي على خلفية قضية المحتجزين، وخسارة الإجماع التام تقريباً على استمرار الحرب.
إلى حد كبير، لم تجد حكومة الاحتلال صعوبة في المصادقة على الصفقة الأولى، خصوصاً أن المعتقلين الفلسطينيين الذين أطلقت سراحهم في إطار الصفقة كانوا في معظمهم من الأطفال القاصرين والنساء، وليس بينهم كبار أسرى ولا من تتهمهم إسرائيل بتنفيذ عمليات ضدها، وبعضهم أصلاً لم تصدر أحكام بحقهم.
واستعادت إسرائيل بالمقابل، النساء المدنيات والأطفال، لتخفف بعض الضغط الداخلي على الحكومة، والتي بدت وكأنها تهتم لأمر المحتجزين الإسرائيليين وليس كما يروّج من قبل جهات إسرائيلية معارضة لتعاملها مع الأزمة، بأنها تنازلت عنهم. وبهذا امتصّت الحكومة بعض الغضب، في إعادة محتجزين أحياء بعد الإخفاق الكبير وبعد قتلها عدداً منهم.
وكانت حكومة الاحتلال تعوّل على أن يسمع العالم روايات حول وحشية حركة "حماس" في تعاملها مع الأسرى، وبالتالي تعزيز روايتها في شيطنة الحركة، لكنها صدمت بتصريحات المحتجزين المطلق سراحهم حول المعاملة الحسنة.
وساهمت الصفقة في بقاء وزراء "المعسكر الرسمي" بزعامة بيني غانتس داخل حكومة الطوارئ التي انضموا إليها من المعارضة في بداية الحرب، وكان هذا أمراً مهماً لنتنياهو، ليس على مستوى زعزعة حكومته التي تتمتع بأغلبية من قبل، ولكن على مستوى "شرعية" الحرب وأهدافها، ووجود جهات سياسية معارضة تتحمل معه قرارات الحرب بما فيها البرية والخسائر الفادحة التي كانت متوقعة. كما أن انسحاب غانتس، يؤثر على توجهات الشارع الإسرائيلي ويعجّل التظاهرات ضد نتنياهو. إضافة إلى تنبّه نتنياهو لتراجع شعبيته مقابل ارتفاع شعبية غانتس في استطلاعات الرأي.
وربما رأت الحكومة أن الصفقة الأولى ستساعدها على استخلاص معلومات من المحتجزين الإسرائيليين المفرج عنهم، وقد تساهم في بناء صورة ما حول أماكن احتجاز من بقوا في غزة وربما أماكن وجود قيادات في "حماس". يضاف إلى كل ذلك سقوط جنود بين قتيل وجريح مع احتدام المعارك وحاجة إسرائيل وجيشها إلى تقييم للوضع وأخذ استراحة، وأيضاً لتخفيف الضغط الدولي إزاء المساعدات الإنسانية، والتي رأى نتنياهو أن إدخالها حيوي من أجل استمرار الحرب.
"النصر المطلق"
ظهرت شعارات إسرائيلية جديدة منذ الصفقة الماضية وحتى اليوم، تتعلق بأهداف الحرب، كانت قد بدأت بهدف القضاء على "حماس" كأولوية، أضيف إليه لاحقاً إعادة المحتجزين، فيما يردد نتنياهو في الآونة الأخيرة أن الحرب مستمرة حتى تحقيق "النصر المطلق"، لكنه لم يحدد ما هو، فيما شكك العديد من المعلقين والصحافيين في إمكانية تحقيق نصر مطلق، متسائلين أصلاً عن معناه.
ويردد نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت وجهات أخرى في الحكومة أن زيادة الضغط العسكري هي ما ستقود إلى إعادة المحتجزين، في ظل بحثهم عن "إنجاز" يخفف من وطأة إخفاقهم وصورة نصر تتحقق بالقوة، ولا يدّخرون جهداً لإثبات ذلك، خصوصاً بعد تدمير معظم قطاع غزة وبالتأكيد تراجع حدة المعارك في غالبيتهم بعد أكثر من 130 يوماً من القصف المكثف.
يردد نتنياهو في الآونة الأخيرة أن الحرب مستمرة حتى تحقيق "النصر المطلق"
ويدل على ذلك، التفاخر الكبير بتحرير محتجزين اثنين في الأسبوع الحالي، بمشاركة عدة وحدات من الجيش، ومحاولة نتنياهو نسب الفضل لنفسه من خلال مصادقته على العملية. حجم الاحتفاء بهذه العملية التي تسبّبت أيضاً بمجزرة جديدة بحق الفلسطينيين في رفح، أظهر جلياً تعطش إسرائيل لصورة نصر، ودفعة معنوية كانت تفتقدها مع دخول الحرب شهرها الخامس من دون تحقيق أي هدف استراتيجي وحتى من دون وجود هدف واضح للحرب عدا عن قتل الفلسطينيين وتهجيرهم. حتى إن إسرائيل أخفت مقتل عدد من جنودها في غزة حتى اليوم التالي كي لا تحبط الاحتفال.
وروّج جيش الاحتلال في إطار الحرب النفسية وبموافقة نتنياهو فيديو زعم أنه لزعيم "حماس" في غزة يحيى السنوار داخل أحد الأنفاق، في إطار الحرب النفسية قيل إن تاريخه يعود إلى العاشر من أكتوبر الماضي.
وترى أوساط إسرائيلية وليس نتنياهو وحده، أن هذه العملية ستدفع "حماس" لخفض مطالبها، ما يجعل الاحتلال غير مستعجل لإبرام صفقة، كما يحاول توظيفها كإثبات لفرضية أن الضغط العسكري هو الذي يحقق النتائج، فيما يواصل التلويح بتوسيع عملياته في رفح لمزيد من الضغط على "حماس".
ويمنح هذا نتنياهو مزيداً من الوقت أيضاً أمام ائتلافه الحاكم، مع رفض عدد من مركّباته صفقة تشمل هدنة طويلة يعتقدون أنها ستصعّب العودة إلى الحرب وإطلاق سراح أسرى كبار، ويهددون بالانسحاب من حكومة، لن يضحي بها نتنياهو بسهولة، فيما يواصل مراوغاته.
ويذكّر معارضو الصفقة بأن السنوار كان أسيراً، وأدى إطلاق سراحه إلى عملية 7 أكتوبر. وتروّج إسرائيل أن مطالب "حماس" كبيرة جداً ولا يمكنها قبولها.
ويمنح الرئيس الأميركي جو بايدن، نتنياهو الضوء الأخضر مرة تلو الأخرى على الرغم من إحباطه منه، وعليه لم يقل كلمة حاسمة لوقف حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل. في المقابل يحاول نتنياهو ترميم صورته، وإظهار أنه رجل إسرائيل الذي لا يخضع للضغوط الأميركية، كما يتشدد في مواقفه عندما يقول إنه غير مستعد للخضوع لمطالب "حماس".
في المقابل، يزداد التضامن مع عائلات المحتجزين الإسرائيليين. مع هذا لا تزال التظاهرات الداعمة لهم على نطاق يمكن للحكومة احتمالها. ويتخوف الأهالي من إمكانية مقتل أبنائهم خلال العمليات العسكرية على غرار حالات اعترف بها الجيش وأخرى أعلنتها المقاومة. وقد يلعب ذلك دوراً في دفع إسرائيل باتجاه صفقة، إن لم يكن بالضغط مباشرة على نتنياهو، فربما بالضغط على وزراء "المعسكر الرسمي" الذين يؤيدون منح ملف المحتجزين أولوية، وهؤلاء يمكنهم الانسحاب حين يستدعي الأمر ويُفقدون الحرب شيئاً من "شرعيتها" في الشارع الإسرائيلي. كما يحتاج جيش الاحتلال إلى استراحة وإعادة ترتيب صفوفه، وعليه يصرح بأنه لا يعارض صفقة تشمل وقفاً طويلاً لإطلاق النار وأنه يمكنه العودة للقتال لاحقاً.
تحاول إسرائيل إظهار أن "حماس" تحتاج إلى وقف إطلاق النار أكثر منها، لكنها في حقيقة الأمر تحتاجه أيضاً
في غضون ذلك، تواصل إسرائيل مساعيها لتشويه صورة قيادات "حماس" والترويج لفكرة أنهم يختبئون ولديهم الأموال ولا يكترثون لما يحدث فوق الأرض، وبالتالي تسعى بذلك لتأليب الغزيين ضد الحركة وقياداتها وخلق فتن داخلية في قطاع غزة ومعارضة للمقاومة. وتحاول إسرائيل إظهار أن "حماس" تحتاج إلى وقف إطلاق النار أكثر منها، لكنها في حقيقة الأمر تحتاجه أيضاً في ظل غياب الخطط الواضحة وتذمر الجنود من الإعياء والتعب، ونقص الجنود جراء مقتل وإصابة الآلاف. وعادة ما تتخوف إسرائيل من شهر رمضان واحتمال اشتعال الأوضاع فيه كما تروج دائماً.
وسط هذا يواصل نتنياهو ترديد شعار "النصر المطلق"، لكن في مرحلة ما قد يبدي مرونة أكبر مهما بدا متشدداً، خصوصاً أنه قد لا يود تبديد ما اعتبره "إنجازاً" بتحرير محتجزين، بوقوع المزيد من القتلى في صفوف الجيش على سبيل المثال، أو المصادقة على عملية أخرى لتحرير محتجزين، تمثل مخاطرة كبيرة وقد تنتهي بقتل عدد منهم في المرة المقبلة.