على وقع استمرار إجلاء الرعايا الأجانب من السودان، في ظل هدنة جديدة أعلنت لـ72 ساعة مساء أمس الأول الإثنين، كانت مصر تعلن مساء الإثنين مقتل مساعد الملحق الإداري في سفارتها بالخرطوم محمد الغراوي، مؤكدة أن بعثتها في السودان سوف تستمر في تحمّل مسؤوليتها في متابعة مهام إجلاء المواطنين المصريين من السودان وتأمين عودتهم إلى أرض الوطن بسلام.
ويطرح وجود آلاف الرعايا المصريين العالقين في السودان، والذين يُخشى من احتجازهم أو التعامل معهم كرهائن، تساؤلات حول تأثيره على الموقف السياسي للإدارة المصرية تجاه الأزمة في الجارة الجنوبية.
تأثيرات الجالية المصرية بالسودان
وعن ذلك، قال الباحث المصري في جامعة إسطنبول، المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية، شادي إبراهيم، إن "العدد الكبير للجالية المصرية في السودان يؤثر إلى حد كبير على قرار القاهرة السياسي". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "مصالح مصر متداخلة بشكل أساسي مع الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، في إطار التعاون المؤسسي، ولا يوجد انفتاح في التعامل مع قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لأنها مليشيات مسلحة، ويمكن التأثير في قرارها وتغييره والتحكّم فيه عن طريق الأموال المغدقة من جهات خارجية".
إبراهيم: العدد الكبير للجالية المصرية في السودان يؤثر إلى حد كبير على قرار القاهرة السياسي
وأشار إبراهيم إلى أن "القرار المصري حالياً يرتبط كذلك بالتنسيق مع دول أخرى سواء إقليمية أو دولية، لذلك تحاول مصر الوصول إلى حلول توافقية مع الدول ذات التأثير المباشر وأصحاب القرار للحصول على منافع أو تجنّب الخسائر أو الحد منها"، مضيفاً "بالتالي ليست قضية المواطنين المصريين في السودان هي الوحيدة على قائمة اهتمامات القاهرة وأولوياتها، وتوضّح ذلك في طريقة تعامله مع أزمة الجنود المختطفين من قِبل قوات حميدتي".
من جهته، أعرب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبد الشافي، عن اعتقاده بأن "قضية المصريين في السودان، ربما لا تكون هي أول ما يشغل بال النظام المصري، وكذلك ما يتعلق بوجود مجموعات سودانية في مصر". ورأى في حديث مع "العربي الجديد" أن "العامل الإقليمي والدولي هو الأكثر تأثيراً في قرارات وتوجهات النظام المصري، ولذلك فإن الحديث عن خطوات بطيئة في إجلاء الرعايا، مرتبط بتوازنات سياسية ومحددات إقليمية ودولية".
واعتبر عبد الشافي أن "النظام المصري حتى الآن لم يضبط البوصلة فيما يتعلق بأنماط تحالفاته في الداخل السوداني، وإن كان علنياً وبشكل واضح قد يبدو أنه مؤيد للبرهان، ولكن في النهاية هو يرتبط بعلاقات قوية أيضاً مع حميدتي"، مضيفاً "لا يريد النظام أن يتخذ خطوات حادة في تعاطيه مع ملف السودان، سواء بالانحياز الكامل وبشكل صريح إلى البرهان، ولا بالتجاهل الكامل أو بالصدام مع حميدتي، لأن ذلك ينال من توازناته الخارجية".
حفاظ على العلاقات مع البرهان وحميدتي
من جهته، قال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أيمن سلامة، لـ"العربي الجديد"، إن "الموقف الرسمي المصري الواضح منذ إقصاء (الرئيس السوداني المعزول) عمر البشير عن الحكم في السودان عام 2019، حاسم، وهو الإقرار والاعتراف والتعاون والتواصل مع المجلس العسكري الحاكم بقيادة عبد الفتاح البرهان".
وأضاف أن مصر "باركت ووافقت على كافة الاتفاقيات الداخلية والإعلانات المختلف والتي كان المجلس العسكري بقيادة البرهان طرفاً فيها، من أجل الحفاظ على استقلال وسيادة وسلامة الوحدة الإقليمية للسودان باعتباره دولة الجوار الجغرافي الكبرى لمصر".
وتابع سلامة أنه "في الوقت ذاته لم تقطع مصر صلتها بحميدتي، وذلك لأن قواته كانت قبل التمرد العسكري الأخير، أحد الفاعلين العسكريين المعترف به قانوناً في البلاد منذ عام 2017، وهي ليست مليشيات خارج الشرعية، بل كانت مليشيات عسكرية من لدن الدولة السودانية".
سلامة: لولا تواصل دول العالم ومنها مصر، مع الدعم السريع، لما تم تأمين عمليات الإجلاء
وأضاف: "الآن وبعد أن قام المجلس العسكري بقيادة البرهان بإعلان قوات الدعم السريع مليشيات مسلحة متمردة على الدولة والقانون، ظلت مصر كسائر دول العالم تتواصل مع قوات الدعم، لغرض رئيسي وهو تهيئة الظروف السياسية والأمنية الداخلية في السودان من أجل تمتين هدنة إنسانية مؤقتة بغرض إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين وإنشاء ممرات آمنة للعالقين المحاصرين، وأيضاً حتى تتمكن منظمات الإغاثة الإنسانية من توفير الإغاثة الطبية وغيرها للمدنيين المكروبين في السودان".
وأكد سلامة أنه "لولا تواصل كافة دول العالم ومنها مصر، منذ السبت الماضي مع قوات الدعم السريع، ولعلم هذه الدول بأن هذه القوات تسيطر على أجزاء ومدن ومطارات في السودان، لما تم تأمين إجلاء البعثات الدبلوماسية وبعض رعايا الدول الأجنبية من السودان".