سارعت دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الأخيرة إلى رفض التقارير التي تحدثت عن وضع الولايات المتحدة ودول عربية خطة للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، تقود في إطار مدة زمنية محددة إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو ما عبّر عنه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بوضوح تام يوم الجمعة الماضي، عندما أكد رفضه "الإملاءات بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين"، في تصريح جاء بعد وقت قصير من مكالمة استمرت 40 دقيقة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، مؤكداً أن إسرائيل لن تعترف بدولة فلسطينية.
وكتب نتنياهو، عبر قناته على "تليغرام"، في رسالة يبدو أنها موجهة للأميركيين: "إسرائيل ترفض رفضاً قاطعاً الإملاءات المتعلقة بالتسوية الدائمة مع الفلسطينيين"، وبرأيه، فإنّ"الوصول إلى مثل هذه التسوية يكون فقط من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، من دون شروط مسبقة.
وكذلك ستواصل إسرائيل معارضتها الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية"، معتبراً أن مثل هذا الاعتراف، في أعقاب ما وصفها بـ"مذبحة 7 أكتوبر"، يمنح "مكافأة ضخمة وغير مسبوقة للإرهاب، ويمنع أي تسوية للتوصل إلى سلام مستقبلاً"، على حد تعبيره.
ويعكس هذا الرفض الإسرائيلي المستمر، والمتجدد منذ سنوات، النوايا الحقيقية لإحباط كل فرصة لإقامة دولة فلسطينية.
وإن كانت إسرائيل رفضت مختلف المبادرات السابقة للتوصل إلى حل يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية والتقدّم الفعلي في أي مسار منها، حتى في الفترات الهادئة نسبياً، فليس مفاجئاً رفض حكومة الاحتلال الخطة الجديدة حتى قبل اتضاح ملامحها، في ظل الحرب، وبعد تلقيها ضربة قوية في عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وخسائر فادحة في حربها على غزة، ومع وجود واحدة من أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً.
وسبق أن رفضت حكومات إسرائيل المتعاقبة أيضاً مبادرة السلام العربية التي طُرحت عام 2002، ومبادرات أخرى.
وقال الباحث في مركز الكرمل للدراسات مهند مصطفى إن "نتنياهو نجح خلال سنوات حكمه في نزع شرعية حل الدولتين، فيما تراجع معدل التأييد لإقامة دولة فلسطينية، حيث أظهر استطلاع أجري أخيراً في صفوف اليهود أن 29 في المائة فقط منهم يؤيد إقامة دولة فلسطينية، مع التأكيد أن مصطلح دولة فلسطينية في السجال الإسرائيلي ليس نفس مفهوم الدولة لدى الفلسطيني".
مهند مصطفى: ساهم التطبيع في شعور إسرائيل بالثقة بموقفها الرافض منح الفلسطينيين حق تقرير المصير
وأضاف مصطفى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الأمر يعود إلى الكثير من الأسباب، أهمها أن إسرائيل لا تدفع ثمناً دولياً لرفضها فكرة الدولة الفلسطينية، فضلاً عن الحالة الفلسطينية المتردية على المستوى السياسي وتكريس الانقسام. وقد ساهم التطبيع في شعور إسرائيل بالثقة بموقفها الرافض منح الفلسطينيين حق تقرير المصير، فهي لا تدفع ثمناً فحسب بل تكسب أيضاً من اتفاقيات تطبيع من دون إعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير".
وأشار إلى أن "هذا الوضع عزز من ثقة اليمين في برنامجه وزاد عناد إسرائيل في هذا الشأن، وأصبحت مسألة إقامة دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة وكأنها تنازل إسرائيلي، أسماه نتنياهو هدية لا يريد منحها للفلسطينيين".
وتابع مصطفى: "غابت فكرة الدولة عن الأجندة الإسرائيلية، على الرغم من مواقف السلطة الفلسطينية الداعمة للمفاوضات وتنصلها من المقاومة، ونجح نتنياهو في كل مرة بوضع شروط لمنع قيام دولة فلسطينية على غرار الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية، وقبلها وضع (رئيس الحكومة الأسبق أرييل) شارون شرط نبذ الإرهاب. وحتى من يعتقد من التيارات الإسرائيلية بأهمية قيام دولة فلسطينية فإنه يضع عليها شروطاً لا تجعلها دولة، أو يعتقد أن الأمر لم يحن لها بعد".
تناقض مواقف نتنياهو حول دولة فلسطينية وصولاً إلى رفضها
نتنياهو، الذي اعتلى سدة رئاسة الحكومة للمرة الأولى في العام 1996، وأكثر من ترأس حكومات إسرائيل منذ ذلك الوقت، أطلق تصريحات متناقضة بشأن إقامة دولة فلسطينية، في إطار سياسته الرامية إلى المماطلة، وعدم منح الفلسطينيين أي شيء والترويج لعدم وجود شريك فلسطيني للسلام، رغم الدور الكبير الذي تخدم فيه السلطة الفلسطينية إسرائيل من خلال التنسيق الأمني وغيره.
وقبل نتنياهو، وبين فترات حكوماته المختلفة، ظهر رؤساء وزراء أطلقوا تصريحات مختلفة، لكن النتيجة كانت واحدة، وهي رفض حل الدولتين.
يلائم نتنياهو مواقفه للتيار السائد في المجتمع الإسرائيلي، الذي تصاعدت توجهاته اليمينية بشكل جلي في السنوات الأخيرة، ويراوغ على المستوى الإسرائيلي الداخلي وكذلك في سياسته الخارجية. ولطالما فعل ذلك خدمة لمصالحه، وعليه بات متماهياً مع أكثر المواقف تطرفاً، فدون ذلك لا ائتلاف ولا حكومة لديه ولا حياة سياسية، علاوة على التعجيل بمحاكمته بتهم فساد.
وسط رياح اليمين الإسرائيلية، ليس مفاجئاً وصول حكومة الاحتلال إلى مرحلة لا ترغب فيها حتى بسماع كل ما له علاقة بالحديث عن إقامة دولة فلسطينية ولو كان من طرف الإدارة الأميركية.
وتبدلت مواقف نتنياهو بشأن الدولة الفلسطينية عدة مرات في السنوات الأخيرة. ومثال على ذلك، خطاب ألقاه في جامعة بار إيلان عام 2009، أعرب فيه عن تأييده لإقامة الدولة الفلسطينية، ونقيضه في الفترة الحالية التي يتفاخر فيها بأنه الوحيد الذي سيمنع ذلك.
وإذا كان الشخص نفسه صاحب انتقالات حادّة في مواقفه بناء على مصالحه، فكذلك هو حال الرؤساء المتعاقبين على حكومات إسرائيل، الذين وإن أبدى بعضهم في العلن مواقف مختلفة أحياناً، توحي بتأييدهم إقامة دولة فلسطينية لما في ذلك من مصلحة لإسرائيل وأمنها برأيهم، إلا أن النتيجة واحدة في المحصلة، لأن المحسوبين على وسط ويسار الخريطة السياسية الإسرائيلية، فضلاً عن يمينها، لم يقدّموا فعلياً أي شيء حقيقي يساهم في إقامة دولة فلسطينية.
لا أمل بتقدم نحو إقامة دولة فلسطينية
وفيما لم يخط نتنياهو أي خطوة حقيقية نحو إقامة دولة فلسطينية حتى في الفترات التي كانت حكومته أقل يمينية، فليس مأمولاً أي تقدم في هذا الجانب، في ظل شراكته مع الوزيرين المتطرفين جداً إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الرافضين إقامةَ دولة فلسطينية.
وأكثر من ذلك، فإنهما يعملان وينفذان خططاً لتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، ويدعوان إلى إعادة احتلال قطاع غزة والاستيطان فيه، ويعلنان على الملأ نيتهما تهجير الفلسطينيين. لكنهما ليسا وحيدين، بل يعبّر الكثير من الوزراء في الحكومة الحالية عن هذا النهج، من دون أي اعتبار للولايات المتحدة وللكثير من المواقف الدولية، ولا حتى للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
تفضيل إسرائيل إدارة الصراع مع الفلسطينيين على حله
بغض النظر عن نواياه الحقيقية، يشي التحوّل في مواقف نتنياهو، المعلنة على الأقل، بما يحدث في الساحة السياسية والمجتمع الإسرائيلي، فنجده تارة يؤيد إقامة دولة فلسطينية وتارة يرفضها رفضاً تاماً. ويندرج هذا في إطار إدارته مسيرته السياسية ومصالحه، وكذلك تفضيل إسرائيل إدارة الصراع مع الفلسطينيين على حله، وهذا نهج الحكومات المتعاقبة، وليس نهج حكومات نتنياهو وحدها.
وكان نتنياهو ألقى، في 14 يونيو/ حزيران 2009، خطاباً في جامعة بار إيلان، وصرّح لأول مرة على الملأ بتأييده "دولتين لشعبين"، داعياً الفلسطينيين إلى الشروع بمفاوضات من دون شروط مسبقة. وفي 23 سبتمبر/ أيلول 2011، حمّل نتنياهو الفلسطينيين مسؤولية عدم التوصل إلى سلام، حين قال، في خطاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة: "الحقيقة أن إسرائيل تريد السلام مع الدولة الفلسطينية، ولكن الفلسطينيين يريدون دولة من دون سلام".
وفي 24 مايو/ أيار من نفس العام، ألقى خطاباً في الكونغرس الأميركي قال فيه: "قبل عامين، أبديت على الملأ التزامي بحل الدولتين لشعبين، دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل اليهودية. أنا مستعد لتسوية مؤلمة من أجل التوصل إلى هذا السلام التاريخي. وأعترف بأنه من أجل سلام حقيقي، يجب التنازل عن أجزاء من الوطن اليهودي القديم".
لا أمل حالياً بالتقدم نحو إقامة دولة فلسطينية في ظل شراكة نتنياهو مع بن غفير وسموتريتش
وفي 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، قال في تصريح صحافي في واشنطن: "أنا أواصل التزامي لرؤية السلام القائم على دولتين لشعبين، تعترف فيه دولة فلسطينية منزوعة السلاح بالدولة اليهودية. لقد بدأت عملية السلام قبل أكثر من عقدين".
تبدل مواقف نتنياهو
وتبدّل موقفه في 16 مارس/آذار من نفس العام، حين قال نتنياهو في مقابلة مع موقع صحيفة "معاريف" عشية انتخابات الكنيست: "أعتقد أن كل من يتجه اليوم لإقامة دولة فلسطينية وإخلاء أراضٍ يمنح بذلك أراضي لشن هجمات إسلامية متطرفة ضد إسرائيل. اليسار يدفن رأسه في الرمل مرة تلو الأخرى ويتجاهل ذلك، ولكن نحن واقعيون ونفهم الأمور".
وفي 22 سبتمبر 2016، ألقى نتنياهو خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، زعم فيه: "لم أتنازل عن السلام. لا أزال ملتزماً برؤية للسلام قائمة على دولتين لشعبين... الرئيس (الفلسطيني محمود) عباس، أنا أدعوك للتحدث إلى الشعب الإسرائيلي في الكنيست في القدس، ويسعدني أن أتحدّث إلى الشعب الفلسطيني في رام الله".
وفي 12 أكتوبر 2016، قال نتنياهو، في مقابلة مع شبكة "سي بي سي": "لم أغيّر موقفي. سنحل المسألة لأننا نريد دولتين تعيشان في سلام مع الترتيبات الأمنية المناسبة". أما في 28 يناير/كانون الثاني 2020، فشارك نتنياهو الرئيس الأميركي في حينه، دونالد ترامب، بعرض "صفقة القرن" التي أعدها ترامب، والتي تشمل إقامة دولة فلسطينية عاصمتها ضواحي القدس المحتلة، وزيادة مساحة قطاع غزة بنسبة 20%، وتجميد البناء في المستوطنات مدة أربع سنوات، وربط غزة بالضفة الغربية من خلال نفق وغيرها من البنود، وهو ما رفضه الفلسطينيون بشكل تام.
وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وخلال حديثه مع أعضاء "الليكود" في الكنيست، قال، بحسب ما كشفته وسائل إعلام عبرية، في حينه: "أنا الوحيد الذي سيمنع قيام دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية بعد الحرب".
وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وفي ذروة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عمم مكتب نتنياهو بياناً جاء فيه أن "نتنياهو يحارب ضد اتفاقية أوسلو، التي ورثها حين انتُخب"، وأنه "منع إقامة دولة فلسطينية وضاعف الاستيطان في الضفة الغربية".
وبعد أكثر من 100 يوم من الحرب على غزة، وتحديداً في 20 يناير الماضي، أفادت شبكة "سي أن أن" الأميركية بأن نتنياهو أبدى في محادثة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد شهر من انقطاع الاتصال بينهما، موافقته على إقامة دولة فلسطينية، قبل أن يعلن يوم الجمعة عن رفضه "الإملاءات بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين"، مؤكداً أن إسرائيل لن تعترف بدولة فلسطينية.
ربما عكس هذا الموقف من قبل نتنياهو حقيقة رؤيته أن لا مكان لدولة فلسطينية، وينسف كل ما قاله سابقاً عن تأييده إقامتها. واستغل بذلك الفرصة لمخاطبة اليمين الإسرائيلي وطمأنة شركائه في الائتلاف، الذين بات نتنياهو رهينة لهم، وإن كان يلتقي معه أيضاً في الكثير من المواقف، فهو في نهاية المطاف زعيمه الحالي.
نتنياهو لم يقترب حتى من فكرة دولة فلسطينية
ومن الناحية العملية، طوال سنوات حكوماته المتعاقبة، لم يقترب نتنياهو حتى من فكرة دولة فلسطينية، وبالتأكيد لن يفعل ذلك الآن، في ذروة التطرف الإسرائيلي وشركائه في الحكومة وحتى داخل حزب "الليكود" نفسه الذي يتزعمه، ويعلن الكثير من أعضائه أنه لن تقوم دولة فلسطينية أبداً.
وشارك عدد من هؤلاء أيضاً في مؤتمر أخيراً، دعا إلى تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة وإلى تهجير الشعب الفلسطيني، وهو ما يعكس حقيقة التوجهات الإسرائيلية.
لم يحقق رؤساء الحكومات السابقين أي تقدّم ملموس نحو إقامة دولة فلسطينية
وعلى الرغم من تماهي السلطة الفلسطينية مع الكثير من الخطوات الإسرائيلية، وأكثر من هذا، قمع الاحتجاجات المتضامنة مع غزة ومواصلتها التنسيق الأمني مع إسرائيل، رغم ما يشهده القطاع من قتل وتدمير وتهجير وتجويع، وما تشهده الضفة الغربية من اقتحامات إسرائيلية متكررة واستشهاد مئات الفلسطينيين واعتقال الآلاف منذ بداية الحرب، فإن كل ذلك لم يشفع لها لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية حتى بتحويل أموال المقاصّة كاملة لها.
كما أن حكومة الاحتلال ترفض مشاركة السلطة في ما تسميّه إسرائيل "اليوم التالي" للحرب على قطاع غزة، وفي ذلك إشارة إلى أنه مهما بلغت التنازلات الفلسطينية، فإن هذا لا يكفي لدفع حكومة الاحتلال، التي تدير الصراع منذ سنوات، نحو تحقيق السلام.
رؤساء الحكومات السابقين لم يحققوا تقدماً
وإن كان التركيز على نتنياهو كونه أكثر من انتخب لرئاسة الحكومة منذ 1996، فإن رؤساء الحكومة الآخرين أيضاً، على مر السنوات الماضية، لم يحققوا أي تقدّم ملموس نحو إقامة دولة فلسطينية.
وعلى سبيل المثال، قال رئيس الحكومة السابق يئير لبيد، في 22 سبتمبر 2022، في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن "الاتفاقية مع الفلسطينيين، المبنية على أساس دولتين للشعبين، الأمر المناسب لأمن إسرائيل ولاقتصادها ولمستقبل أطفالنا"، مدعياً أن أغلبية الإسرائيليين تؤيد حل الدولتين، ومشترطاً أن تكون الدولة الفلسطينية "مسالمة"، من دون أن يشرح الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه الدولة الفلسطينية في تصوره، ومن دون الإشارة إلى أن عاصمتها ستكون القدس المحتلة، أو انها ستقام على حدود 1967.
ومن ناحية أخرى، يمكن الافتراض أن خطاب لبيد لم يتعد كونه للاستهلاك الإعلامي، أو في إطار كسب نقاط على الصعيد الدولي، وإظهار توجهات مختلفة عن توجهات نتنياهو، وربما كسب أصوات جزء من فلسطينيي الـ48 في الانتخابات التي جرت بعد الخطاب في نوفمبر 2022، وإبداء توجه مختلف عن نتنياهو واليمين ولو ظاهرياً، أو لكسب أصوات ما تبقّى من اليسار.
يشارإلى أن لبيد نفسه كان في ائتلاف يضم بالإضافة إلى أحزاب الوسط واليسار أحزاباً من اليمين، تقوده شخصيات على خلاف، جزء منه شخصي، مع نتنياهو، أمثال حزب "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا) برئاسة أفيغدور ليبرمان وحزب "تكفا حدشاه" (أمل جديد) برئاسة جدعون ساعر، وكلاهما من أشد المعارضين لإقامة دولة فلسطينية.
وبلغ عدد مقاعد الأحزاب الداعمة لحل الدولتين، بغض النظر عن شكل الدولة الفلسطينية ومقوّماتها، نحو 40 في معظم الدورات الانتخابية الأخيرة من أصل 120، هو عدد المقاعد الكلي في الكنيست، ما يعكس موقف المجتمع الإسرائيلي الذي بات أكثر تطرفاً وأكثر يمينية.
كما أن رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت لم يحرز أي تقدّم فعلي إزاء السلام وحل الدولتين. وأصبح أولمرت رئيساً لحكومة الاحتلال بالوكالة عام 2006 بعد إصابة شارون بجلطة دماغية، وتزعّم حزب "كاديما" ثم كُلف بتشكيل حكومة إسرائيل الحادية والثلاثين بعد انتخابات الكنيست السابعة عشرة التي جرت في نفس العام. بل إن أولمرت شن عدواناً على غزة عام 2008 في إطار عملية "الرصاص المصبوب".
كما مُنيت إسرائيل، في فترته، قبل ذلك، بخسائر فادحة في حرب لبنان الثانية أو ما يُعرف بحرب يوليو/تموز 2006.
وأبدى أولمرت في حينه حماساً كبيراً لتحريك عملية السلام في محاولة للتعويض عن الهزيمة في حرب لبنان، وللتستر أيضاً على بعض فضائح الفساد التي لاحقته، لكن لم يتحقق شيء، رغم الوعود التي أطلقها في حينه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن. ودارت المفاوضات حول نفسها من دون إحراز أي تقدم باتجاه السلام.
وفي العام 2000، فشلت مفاوضات قمة كامب ديفيد، التي دعا إليها الرئيس الأميركي في حينه بيل كلينتون، وشارك فيها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي وقتئذ إيهود باراك، في إطار محاولات تحقيق السلام وإقامة دولة فلسطينية. وكانت هذه المفاوضات سبباً لتفكيك الائتلاف الحاكم في حينه، بحسب مصادر إسرائيلية، لرفض جهات في الحكومة المفاوضات. واندلعت في الفترة نفسها الانتفاضة الثانية (انتفاضة القدس والأقصى 2000) عقب اقتحام رئيس المعارضة وقتئذ شارون المسجد الأقصى.
خلاصة الأمر أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت تعيد إنتاج مواقفها الرافضة حلَّ الدولتين على أرض الواقع، مع تبدل الوجوه والأساليب، باختلاف من يرأس الحكومة ومن يشارك في تشكيلها.
وازداد تطرف المجتمع الإسرائيلي على مر السنوات الماضية، وخاصة في العقد الأخير، وبالتالي، تطرف قيادته وممثليه في الكنيست، حتى إن بعضهم بات يهاجم علناً مواقف الولايات المتحدة، رغم انحيازها التام للاحتلال ودعمه، ويهاجم حتى أي حديث عن مجرد فكرة حل الدولتين.
الحكومة الحالية تعزز إجهاض أي حل مستقبلي
وتعزز الحكومة الحالية العوامل التي تجهض احتمالية أي حل مستقبلي، من خلال تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة والحديث عن احتلال غزة، والتفاخر بمشاريع تهجير الفلسطينيين، وحتى رفض أي دور للسلطة الفلسطينية رغم تنازلاتها الكثيرة، وأمور أخرى.
ويعمل نتنياهو على ملائمة نفسه للظروف والمعطيات الجديدة، وبات بدوره يرفض حتى التلفظ بمصطلح الدولتين، حتى لو لم يكن يعنيه من قبل، ويصرّح برفض إقامة دولة فلسطينية، وهكذا فعلت حكومات إسرائيل السابقة أيضاً، وكل رئيس لها وفق حساباته وما يخدم مصالحه، آخذاً بعين الاعتبار المزاج الإسرائيلي العام.