استمع إلى الملخص
- ركزت خطابات قادة الحزب الحاكم على تبجيل مؤسس الحزب بيدزينا إيفانشفيلي وهاجموا المعارضة، مما أثار مخاوف من عودة الدكتاتورية، بينما اعتبرت المعارضة وعود الحزب بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كذبة لاستمالة الناخبين.
- يعيش الشعب الجورجي حالة من الضبابية السياسية، حيث يرفض الكثيرون الحزب الحاكم والمعارضة، مع رغبة الشباب في استقلال جورجيا عن التأثيرات الخارجية، وسط غياب بديل وطني حقيقي.
في سياق المعركة الانتخابية الحاسمة التي تشهدها دولة جورجيا، نظم حزب الحلم الجورجي الحاكم، مساء أمس الأربعاء، تظاهرة حشد إليها أنصاره من كافة مدن البلاد عبر توفير مواصلات مجانية وتسخير الإعلام الحكومي، رداً على التظاهرة التي قادتها رئيسة البلاد، المعارضة لسياسات الحكومة سالومي زورابشفيلي، مساء الجمعة، والتي دعت خلالها الشعب إلى إطاحة الحكومة الحالية عبر صناديق الاقتراع. التظاهرة التي قادتها زورابشفيلي سابقاً جاءت تحت شعار: "جورجيا تصوت لصالح الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي"، وهو الشعار الذي يلبي تطلعات غالبية سكان البلاد.
الحزب الحاكم، الذي قرر تنظيم تظاهرة الرد، اضطر إلى رفع الشعار ذاته، بصيغة مغايرة بعض الشيء، لاسترضاء الرأي العام، رغم تبعيته الواضحة لموسكو وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سبق أن احتل 20% من أراضي البلاد في إقليمي أوستيا وأبخازيا عام 2008. أبرز خطابات رموز قيادات الحزب الحاكم خلال تظاهرة الأربعاء تمحورت حول تبجيل حاكم الظل، مؤسس حزب الحلم الجورجي المقرب من الكرملين بيدزينا إيفانشفيلي، في سياق ينذر بعودة الدكتاتورية إلى هذه الدولة السوفييتية السابقة في حال إعادة انتخاب "الحلم الجورجي".
ودانت خطابات قادة الحكومة "الحركة الوطنية الموحدة"، أبرز تيارات المعارضة، وزعيمها السابق ميخائيل ساكاشفيلي، حليف واشنطن المقرب في المنطقة، والذي سبق أن شغل أيضاً منصب عمدة مدينة أوديسا في أوكرانيا، لمقارعة نظام بوتين، قبل اتخاذ قراره بالعودة إلى بلاده، التي يواجه فيها اليوم عقوبة السجن بسبب جرائمه المتعلقة بسوء استخدام السلطة. كما زعم قادة حزب الحلم الجورجي أن هناك قوى خارجية تحاول إثارة الاضطرابات في البلاد وجرها إلى الحرب مع روسيا، مؤكدين أن تبليسي لن تتخلى عن سيادتها وحريتها وكرامتها، لكنهم شددوا في الوقت ذاته على وعودهم السابقة في ما يتعلق بالمضي قدماً باتجاه الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي اعتبرته المعارضة محض "كذبة" لاستمالة الرأي العام قبيل الانتخابات المقرر إجراؤها يوم السبت المقبل.
كالادزي: جورجيا أولاً
رئيس بلدية العاصمة تبليسي كاخا كالادزي (لاعب كرة قدم سابق)، قال في كلمته التي ألقاها خلال تلك التظاهرة الحكومية: "إن أوروبا والقيم الأوروبية تستندان إلى أسس مسيحية.. وإننا نتوق إلى المستقبل الأوروبي، ولكن ليس بالطريقة التي يملونها علينا من الخارج". أضاف: "لن نكون تابعين لأحد، ولن نتلقى أوامر من الخارج، ولن نتنازل عن مصالحنا وسيادتنا واستقلالنا وحريتنا التي كسبناها بدمائنا"، وختم بالقول: "مهما حاول الأعداء الداخليون والخارجيون، فلن يجعلوا هذه الأمة التي يبلغ عمرها 3000 عام تحيد عن هذا المسار.. جورجيا أولاً! وطننا الأم أولاً! هذا هو نهجنا".
لكن، بالنسبة للشعب الجورجي، فغالبيته تعيش حالة ضبابية، إذ إنها ترفض كلاً من الحزب الحاكم، الموالي لموسكو، وحزب "الحركة الوطنية الموحدة"، الموالي لواشنطن، بسبب تاريخ زعيم الحركة الاستبدادي، غير أن رئيسة البلاد سعت إلى توحيد أطياف المعارضة الأخرى بهدف الإفلات من فلك الكرملين وسطوة الملياردير إيفانشفيلي، الذي يصفه البعض بـ"لوكاشينكو القوقاز"، في سياق تشبيهه برئيس دولة بيلاروسيا، الحليف الأبرز لبوتين في دول الاتحاد السوفييتي السابق.
ماري كاكابادزي (25 عاماً)، أكدت في حديثها لـ"العربي الجديد"، عزمها على المشاركة في الانتخابات والتصويت ضد الحزب الحاكم، وقالت: "سأشارك انطلاقاً من تحمل مسؤولية ما يحدث اليوم في بلادي.. قبل بضع سنوات لم أمتلك هذا الشعور، ولكن الآن الوضع مختلف للغاية، إذ إن كثيراً من الناس عبروا عن معارضتهم لحزب الحلم الجورجي، ولكن الصورة العامة لا تقتصر على هذا الحزب، فحتى حزب ساكاشفيلي لم يكن تماماً كما أردنا". وأضافت "لا أريد لبلادي جورجيا أن تكون تابعة لروسيا"، قبل أن تستدرك بالقول: "أدرك أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يقدم شيئاً إيجابياً، لكن طموحي أن تكون جورجيا مستقلة تماماً سياسياً واقتصادياً، دون أي تبعية لأي كتلة دولية، سواء شرقية أو غربية".
كما أكدت أنه "لا ينبغي على أي دولة الاعتماد على أي كتلة لحمايتها". تابعت: "لذا، علينا صياغة البدائل، والاعتماد على أنفسنا للاستمرار في بلدنا.. أريد لجورجيا أن تتطور بطريقتها الخاصة، دون الاعتماد على أي قوة خارجية.. أي بلد، وليس فقط جورجيا، يستحق الاعتماد على نفسه بشكل مستقل.. صحيح أن الاتحاد الأوروبي قد يساعدنا، لكن علينا العمل بشكل مستقل عنه، يمكننا حل جذور مشكلاتنا عبر تطوير النظام التعليمي، لإيجاد طريقنا دون مساعدة الغرب".
الشابة الطامحة لتحقيق استقلال بلادها عن كل من موسكو وواشنطن اختتمت حديثها قائلة: "كل ما أريده لبلدي أن يعتمد على ذاته، دون التبعية لأحد.. كل ما علينا هو الحفر عميقاً لحل جذور مشكلاتنا، وتطوير أنفسنا عبر استغلال مواردنا، رغم ضآلتها.. لا أقبل أعذار أولئك الذين يدعون للاعتماد على أي قوة خارجية.. ولكي نكون مستقلين، نحتاج إلى التضحية، وهذا يحتاج وقتاً أطول لنيل مرادنا.. هذا الطريق الأصعب، ولكن نتائجه ستكون الأكثر مثالية لبلدنا".
جورجيا بين تيارين
من ناحية أخرى، قال إيليا زينايشفيلي (27 عاماً): "أريد لبلدي في النهاية أن ينضم إلى الاتحاد الأوروبي، عوض أن يكون تابعاً لموسكو.. هذه الحكومة نكثت بوعودها وعرقلت حلم الشعب الجورجي، كل وعودها كانت فارغة، وكذلك حال كل الحكومات المتعاقبة على السلطة، والتي لطالما كانت تبدأ سياساتها بشكل جيد ومن ثم تنتهي إلى هراء". أضاف زينايشفيلي، في حديث لـ"العربي الجديد": "جورجيا تشهد انقساماً بين تيارين، أحدهما يريد الحرية والآخر يريد حزب الحلم الجورجي، الذي لا يعلم أحد ما هي أجندته"، على حد تعبيره. تابع: "لا أعلم حقاً ما الذي يحاول الحزب الحاكم فعله اليوم من خلال زعمه المضي باتجاه الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، رغم مواقفه الداعمة لروسيا".
في النهاية، لخص زينايشفيلي لسان حال أبناء جيله في ما يتعلق بوضع بلاده الراهن بالقول: "كل الحكومات المتعاقبة اقترفت كثيراً من الأخطاء، فبداية كان حزب الحركة الوطنية، والآن الحلم الجورجي، كلاهما لم يكن جيداً بما فيه الكفاية لتحقيق مصالح جورجيا، وبالتالي فإنني لا أثق بأي من الطرفين". ويواجه الشعب الجورجي حالة ضبابية في المشهد، في إحدى أهم المحطات السياسية التي ستحدد بوصلة جنوب القوقاز لعدة عقود، وذلك في ظل غياب أي بديل وطني حقيقي ينشل البلاد من مصير التبعية بين تمسك الحزب الحاكم بسياسة وضع مستقبل جورجيا على طاولة رغبات بوتين، رغم ارتدائه اليوم عباءة الاتحاد الأوروبي لكسب أصوات الناخبين، وبين هشاشة وحدة صفوف المعارضة الموالية للغرب، الملتفة حول رئيسة البلاد، التي عاشت معظم حياتها في باريس بعيداً عن تفاصيل بلادها العميقة.