استمع إلى الملخص
- الانتقادات تركزت على أن هذه التعيينات قد تؤدي إلى خوصصة الخدمات العامة، مع انتقادات من حزب العدالة والتنمية الذي اعتبرها استخفافاً بالأولويات الوطنية.
- التعديل الوزاري الأخير أضاف ستة وزراء جدد وستة كتاب دولة، مع استمرار دمج الخبرات من القطاع الخاص، مما يثير مخاوف من تعميق الفجوة بين القطاعين العام والخاص.
كشفت تشكيلة النسخة الثانية من حكومة عزيز أخنوش التي عينها العاهل المغربي محمد السادس، يوم الأربعاء الماضي، عن الاستعانة بأسماء قادمة من عالم المال والأعمال لإدارة دفة العديد من الوزارات المهمة والحساسة في البلاد. وأثار إسناد حقائب وزارية ذات وزن إلى أسماء لم يسبق لها أن تقلدت أي مناصب في الشأن العام أو الحزبي، وميزتها الرئيسية هي أنها قادمة من مجال المال والأعمال وقريبة من رئيس الحكومة، جدلاً واسعاً في المشهد السياسي المغربي وطرح أسئلة حول مدى فعالية هذا النهج وقدرة تلك الأسماء على إدارة الملفات بكفاءة ومدى امتلاكهم للأدوات المطلوبة لتحقيق التغيير المنشود خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد.
وبدا لافتاً للانتباه في سياق الجدل المثار حول تركيبة النسخة الثانية من حكومة أخنوش، الانتقادات التي طاولتها وأبرزها كان من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المعارض التي اعتبرت "البروفايلات" التي اقترحها رئيس الحكومة، بوصفه رئيساً لحزبه، و"فضلاً عن كونها تكذب شعار: حزب الكفاءات، ووعود: تستاهلو( تستحقون) أحسن. فإنها تشكل كذلك استخفافاً كبيراً بأولويات كبيرة وقطاعات استراتيجية وحيوية؛ مثل قطاعات التربية والتكوين والصحة والحماية الاجتماعية، والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، وتكرس توجهاً نحو مزيد من خوصصة وتسليع الخدمات العمومية الأساسية؛ كالتعليم والصحة".
كما أنها تؤكد، وفق بيان الأمانة العامة للحزب الذي قاد الحكومتين السابقتين، صدر أمس الجمعة: "مخاطر وصفة الجمع بين المال والسلطة؛ إذ إن رئيس الحكومة يتصرف كرئيس شركة، ولا يجد أي حرج في اقتراح من هم شركاء تجاريون له أو مستخدمون لديه، كما أن اقتراحه يدور، كل مرة، في فلك مساعدين له في الوزارة التي كان يرأسها سابقاً، أو في رئاسة الحكومة حالياً".
وتحتوي النسخة الثانية من حكومة عزيز أخنوش على أسماء مثيرة للجدل من أبرزها سعد برادة المعروف بقربه من رئيس الحكومة، تقلد مناصب إدارية في شركات تابعة له، وكُلف بواحدة من أكثر الحقائب الوزارية حساسية في الوقت الحالي في المغرب، وهي وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وذلك رغم أنه يأتي من خلفية صناعية وتجارية تمتد لعقود في مجال الأشغال العامة والصناعات الغذائية. كما أثار تكليف ظفر أمين التهراوي، المقرب من عائلة أخنوش، بحقيبة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، علامات استفهام وتحفظات عدة حول تعيينه وهو الذي تتركز مسيرته المهنية في عالم الأعمال وسبق له العمل في مجموعة " أكوا" المملوكة للرئيس أخنوش وكذلك مديراً عاماً للشركة المملوكة لزوجته.
من جهته، اعتبر الباحث في العلوم السياسية، محمد شقير، في حديث مع "العربي الجديد" أن نظرة رئيس الحكومة كرجل أعمال، إذ يدير مجموعة اقتصادية من أكبر المجموعات في المغرب، دفعته إلى انتقاء بعض الأسماء من عالم الأعمال والقطاع الخاص لإدارة قطاعات وزارية يظهر له أنها تعاني سوء تدبير ومشكلات هيكلية كقطاع التعليم والصحة. مضيفاً أن أخنوش يرى أنه لم يتبق للحكومة سوى عامين لتنزيل واستكمال مجموعة من الإصلاحات الهيكلية تتمثل في الورش الملكية للحماية الاجتماعية وإصلاح صناديق التقاعد وإصدار قانون الإضراب ومواجهة أزمتي الجفاف والغلاء والتشغيل، وأن السبيل لتحقيق ذلك هو الاعتماد على هذه "البروفايلات".
وقال شقير إن "أخنوش يفكر بمنطق رجل أعمال ويدبر الحكومة ويختار وزراءه بنفس هذا المنطق، وهو ما يتضح بجلاء في التعديل الحكومي"، مؤكداً أنه "يدفع في اتجاه تدبير القطاعات الوزارية بمنظور القطاع الخاص، لأنه يعتبر أن رجال الأعمال هم أكثر قدرة على التدبير وعلى حل المشاكل"، ورأى أن "حكومة عزيز أخنوش هي حكومة تكنوقراطية ببهارات حزبية وليست حكومة سياسية"، معتبراً أن تكريس وجود رجال الأعمال في التشكيل الحكومي سيعمق مشكلة التواصل المطروحة منذ مجيء هذه الحكومة "لأن تعيين هذا النوع من البروفايلات لا يمكن إلا أن يزيد من ضعف التواصل". وأضاف شقير أن "أسئلة عدة تطرح بخصوص إن كان رجال الأعمال أكثر فعالية، وهل القطاعات الاجتماعية، خاصة الصحة والتعليم، ينبغي أن يسلك تدبيرها منطق القطاع الخاص".
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، إسماعيل حمودي، أن النسخة الثانية من حكومة أخنوش حافظت على المقاربة نفسها، أي ضخ المزيد من المدبرين والمسيرين في قطاع المال والأعمال في دواليب الدولة، على أساس أن نجاحات هؤلاء في القطاع الخاص يمكن أن تساهم في النهوض بالقطاع العام. وهي مقاربة تبدو واضحة من خلال وزيري قطاع التربية الوطنية وقطاع الصحة والحماية الاجتماعية. وقال في تصريح لـ "العربي الجديد": "لا أعتقد أن هذه المقاربة تطرح مشكلة في حد ذاتها، لكن نتائجها على القطاعات الاجتماعية كانت محدودة حتى الآن. يمكن أن تجعل من قطاع الصحة مصدراً للموارد المالية، أو أن تفتحه أمام بعض شركات القطاع الخاص لمزيد من الإثراء المشروع منه وغير المشروع، لكن لا يعني ذلك بالضرورة النهوض بالقطاع الصحي لفائدة المغاربة، خصوصاً الفئات الهشة منهم".
ولفت حمودي إلى أن "ما يسجل مع الحكومة الحالية هو توسيع مجالات تدخل القطاع الخاص، خصوصاً بعض المقاولات الكبرى، على حساب القطاع العمومي"، موضحاً أنه "في النهاية، تتشكل لوبيات ومصالح جديدة، مقابل تعمق الهشاشة وتعقد المشاكل الاجتماعية أكثر". وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس أجرى، مساء الأربعاء الماضي، تعديلاً وزارياً على تشكيلة حكومة عزيز أخنوش، التي أصبحت تضم 30 وزيراً بالإضافة إلى رئيس الحكومة، بينهم ستة جدد كما تم تعيين ستة كتاب دولة لأول مرة، في حين احتفظ وزراء القطاعات السيادية (الخارجية، الأوقاف والشؤون الإسلامية والداخلية) بمناصبهم.