يشير مسؤولون وأمنيون إلى أنّ الإنترنت كان طريق العديد من الشبان الفلسطينيين للوصول إلى "الأفكار المتشددة"، فلا يوجد في القطاع منظّرون للسلفية الجهادية، على الرغم من وجود نشاط دعوي وخيري منذ سنوات طويلة لمؤسسات وجمعية سلفية، تبتعد كثيراً في عملها عن الطرفين السياسي والعسكري.
وتعاطت "حماس"، التي يقول محللون وخبراء إنّ جزءاً من "الجهاديين" الذين تحاربهم حالياً، هم من عناصرها السابقين، بلا مبالاة مع الظاهرة في بدايتها، لكنها أسرعت بعد ذلك لتنفيذ وتطبيق حلّ عسكري لمواجهتهم، حينما أُعلنت مدينة رفح ولاية إسلامية من قبل داعية سلفي جهادي، قُتل بعد محاصرة المسجد الذي تحصّن فيه، وحينها جرى الحديث عن دور إقليمي في توريط الضحية في الأمر لتوريط "حماس".
تطور الخلاف بين الطرفين عقب ذلك بشكل متسارع، إلى أنّ صار ما يمكن أنّ يقال إنها هدنة بينهما قبل عامين، لكن سرعان ما تغيّرت الأمور وعاد إلى الواجهة الخلاف ونُذُر المواجهة بينهما، والمثير هنا إدخال السلفيين لإسرائيل في مشكلتهم مع "حماس"، إذ رُصدت عمليات إطلاق صواريخ من قطاع غزة من قِبلهم، وكان الإسرائيليون يردون بقوة عليها مستهدفين مواقع الحركة.
وبات ملف "جهاديو غزة" فرصة لمزايدات داخلية فلسطينية عمّقت الانقسام وزادت من حدة الاحتراب الداخلي، عندما استُخدم الأمر في صراع "حماس" و"فتح"، ولوحظ محاولة استغلال "فتح" الحوادث للانقضاض على خصمها الذي حرمها غزة منذ تسع سنوات.
وواجهت "حماس" بالقوة المسلّحة العناصر السلفية أكثر من مرة، وزاد ذلك من حالة الاحتقان بين الطرفين، ورد هؤلاء أيضاً بتوجيه ضربات للحركة ربما كان أقساها جريمة قتل المتضامن الإيطالي، فيتوريو أريغوني، وهو الأمر الذي استدعى صداماً قاسياً بين الطرفين.
وأعلن "جهاديون" قبل أيام استهداف موقع عسكري لـ"كتائب القسام"، ذراع "حماس" العسكرية، في جنوب القطاع بالصواريخ، بعد قتل أمن غزة من قالت إنه "خارج عن القانون". وقال سلفيون إنه أحد "الجهاديين السلفيين" الملاحقين من قبل "حماس" والمتهم بإطلاق صواريخ على الكيان، وبتفجيرات محلية.
وتعمل "حماس" حالياً، وفق معلومات "العربي الجديد"، على مشروع للنصح، كانت قد بدأته قبل سنوات وتوقف، مع من ترى أنهم وصلوا إلى مرحلة متقدمة في التشدد. وما يساعد "حماس" أيضاً في مواجهتها للسلفيين الجهاديين، هو ما يمكن القول إنّه رفضٌ شعبي وجماهيري للتشدد في القطاع، على الرغم من أنه مجتمع محافظ وملتزم دينياً.
ورفض قياديون في "حماس" التعليق بإسهاب على أزمة الحركة مع العناصر المتشددة من السلفيين، وعادة ما تكون الحركة حذرة في التعاطي مع هذا الملف إعلامياً، لكن القيادي في الحركة، إسماعيل رضوان، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ طبيعة المجتمع الفلسطيني قائمة على الاعتدال والوسطية وبعيدة كل البعد عن التشدد.
ويلفت رضوان إلى أنّ "هناك بعض الحالات الفردية (متشدّدة) هنا وهناك، لكنها لا تُعبّر بالمطلق عن المجتمع الفلسطيني الوسطي"، مشيراً إلى أنّ حركته تسعى لاحتواء الأمر عبر بعض قنوات الاتصال مع الآخرين، مع الحفاظ على طبيعة العلاقة مع الجميع.
اقرأ أيضاً: أنباء عن قصف مناصرين لـ"داعش" موقعاً لـ"القسام" بغزة
من جهته، يقول المحلل السياسي، طلال عوكل، لـ"العربي الجديد"، إنّ أصل ظهور الجماعات السلفية في غزة هو حركة "حماس" وتنظيمها العسكري "كتائب القسام"، والتي أعطت المجال لظهور الفصائل الإسلامية بفعل سيطرتها على قطاع غزة، وكون الحركة أحد التنظيمات الإسلامية الكبرى.
ويعيد عوكل ظهور أصحاب الفكر المتشدد في غزة إلى عوامل الفقر والحصار والواقع المعيشي المزري في القطاع، والذي ألقى بظلاله على غزة ككل خلال تسع سنوات متتالية منذ صعود حركة حماس للحكم ودخولها إلى السلطة.
ويلفت إلى أنّ الذين تحوّلوا إلى الفكر السلفي المتشدد غالبيتهم اعتادوا على مجابهة الاحتلال الإسرائيلي والمواجهة معه، وبالنسبة لهم فإن الحديث عن أية حلول سياسية مع الاحتلال مرفوض بشكل قاطع وهذا ما حدث أخيراً مع بعض العناصر.
ويطرح عوكل عدة تساؤلات حول كيفية وصول بعض أصحاب هذا الفكر المتشدد إلى الصواريخ والأسلحة وإطلاقها على المدن والبلدات الإسرائيلية، المحاذية لقطاع غزة في الأسبوعين الأخيرين، خصوصاً أنّ كل الدلائل على الأرض والمؤشرات تؤكد عدم وجود بناء تنظيمي حقيقي لهؤلاء الأفراد، وأنّ الكثير منهم كانوا بالأساس عناصر وأفراداً من "حماس".
ويشير إلى أنّ العلاقة بين الطرفين ستبقى محتدمة على الرغم من قيام الأجهزة الأمنية في غزة بملاحقة واعتقال غالبية أصحاب هذا الفكر، موضحاً أنّ التوتر سيبقى ملازماً للقضية مع استمرار تفلت بعض العناصر من هنا وهناك للانضمام لهذا الفكر، ومحاولة إحراج "حماس" عبر إطلاق الصواريخ على المناطق الإسرائيلية.
ويستبعد عوكل إمكانية تحوّل الأمر لصدام مسلح كبير بين "حماس" وبعض أفراد التيارات السلفية، نتيجة عدم وجود تنظيم حقيقي لهؤلاء على الأرض، متوقعاً "استمرار بعض الأحداث على الأرض".
ويلفت إلى أنّ "الاحتلال الإسرائيلي هو المستثمر الحقيقي لما يجري حالياً في القطاع عبر تركه الأمور واقتصار الأمر على مراقبته تطورات الأوضاع في غزة، ومحاولته تأجيج الصراع بين مختلف الأطراف كي يأكل بعضها بعضاً"، مشيراً إلى أنه حينما تقوم هذه الجماعات بإطلاق بضعة صواريخ، ترد إسرائيل بقصفها مواقع تابعة لحركة "حماس" وجناحها العسكري فهي تستثمر في الخلاف، وما يجري لخلق الذرائع مستقبلاً تجاه أي عدوان لتبريره أمام العالم.
على الجهة المقابلة تماماً، يرفض مدير مركز "أبحاث المستقبل" في غزة، إبراهيم المدهون، وصف ما يجري بـ"الظاهرة المقلقة للمجتمع الفلسطيني في القطاع"، مشيراً إلى أنّه "لا توجد جماعات سلفية بالمعنى الحقيقي في قطاع غزة، وأنّ الأمر مجرد حالات فردية أو متطرفة، توجه سلوكاً وتحمل العداء تجاه المجتمع الفلسطيني".
ويشير المدهون إلى أنّ ما يجري حالياً هو استغلال من قبل بعض الأطراف، التي لم يسمها، لما يجري في القطاع لتصدير الأمر على أنه ظاهرة تقلق المجتمع، في إطار الخصومة السياسية الموجودة بين بعض الفصائل الفلسطينية، في إشارة إلى محاولات من حركة "فتح" لتضخيم ظاهرة التشدد بالقطاع.
ويوضح المدهون أنّ "هناك حالة من التضخيم والاستغلال بشكل مكثف إعلامياً من قِبل هذه الأطراف لتضخيم الأمر، وإظهاره على أنه يهدد استقرار الأمن والمواطنين في القطاع"، لافتاً إلى أنّ الأجهزة الأمنية أثبتت مراراً أنها قادرة على ضبط الأمور في غزة وضمان استمرار الحالة الأمنية الهادئة.
ويشدد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني على عدم وجود حقيقي لتنظيم "داعش" في غزة، وأنّ الموجود فقط "بعض المنحرفين والمتشددين فكرياً، وأن من هم موجودون حالياً من أتباع النهج المتشدد، يفضلون مواجهة المجتمع على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي".
اقرأ أيضاً: "حماس" تجهض مخططاً إسرائيلياً لإثارة الفوضى بغزة