لم تكن ليلة الرعب التي عاشها أهالي بلدة حوارة، جنوب نابلس، شمالي الضفة الغربية، بفعل الاعتداءات الإرهابية، التي شنها مئات المستوطنين بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، سوى محاولة إرضاء للمستوطنين بعد عملية إطلاق النار التي قُتل فيها مستوطنان، وكانت أبهى صور إرضاء أولئك المستوطنين بتكثيف الاستيطان عودتهم إلى بؤرة "أفيتار" الاستيطانية المقامة على أراضي جبل صبيح في بلدة بيتا المجاورة.
وجاء المستوطنون من مستوطنتي "براخا" (حيث يسكن القتيلان) و"يتسهار"، التي يقطن فيها عتاة المستوطنين المتطرفين المعروفين بـ"شبيبة التلال". وهاتان المستوطنتان مقامتان على أراضي حوارة والقرى والبلدات المجاورة، والتي لم تسلم هي أيضاً من تلك الاعتداءات، التي بلغت حصيلتها نحو 300، بحسب ما أكده مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية غسان دغلس في حديث لـ"العربي الجديد".
ويقول أمين سر "حركة فتح" في حوارة كمال عودة، لـ"العربي الجديد"، إن "القرار الذي اتخذه قادة عصابات المستوطنين ونفذوه على الأرض كان محو حوارة عن الخريطة، ولولا استبسال المواطنين في التصدي للهجوم بصدورهم العارية، وما يصل إلى أيديهم من حجارة، لكنا أمام مجزرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
ويشير عودة إلى أن جولة سريعة مع انقشاع ظلام الليل كشفت عن أهوال ما ارتكبه المستوطنون، الذين لم يغادروا مفترقات الطرق الرئيسية الموصلة إلى حوارة حتى اللحظة، ومن المتوقع تكرار هذا الهجوم في أي لحظة، كما أن قوات الاحتلال هي الشريك في هذه الاعتداءات، بإصدار قرار عسكري بمنع فتح المحال التجارية الواقعة على الشارع الرئيسي للبلدة مدة ثلاثة أيام، واعتبار البلدة برمتها منطقة عسكرية مغلقة، ما يعني منح المعتدين فرصة جديدة لفرض سيطرتهم والتحرك بحريتهم في البلدة.
ما جرى في حوارة يعدّه المواطن أحمد عودة، من أهالي البلدة، "محرقة"، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويقول لـ"العربي الجديد": "كنا نخشى من تكرار محرقة عائلة دوابشة في قرية دوما جنوب نابلس، التي وقعت عام 2015، فقد كان في أحد المنازل التي دب فيها الحريق ثلاثة أطفال، أصغرهم بعمر 4 أشهر، برفقة أمهم، فتدخلت جارة لهم ودخلت إلى البيت وساعدت الأم في إخراج أطفالها".
وما كان يزيد الأمر خطورة في جرائم المستوطنين تلك شراسة الاعتداءات، التي طاولت كل من كان موجوداً في الشوارع، علاوة على منع قوات الاحتلال ليس فقط سيارات الإطفاء، بل وسيارات الإسعاف، من محاولتها إنقاذ الجرحى.
وتحولت بلدة حوارة التي يقطنها نحو 7 آلاف نسمة، خلال العقدين الأخيرين، إلى مركز تجاري وخدماتي لسكان جنوب نابلس الذين يزيد عددهم على 130 ألف نسمة، وذلك بعد أن نصب الاحتلال حاجزاً عسكرياً على مدخل مدينة نابلس، الذي بات يعرف بـ"حاجز حوارة"، وحال الحاجز دون قدرة الأهالي على الوصول إلى المدينة لقضاء حاجياتهم، فانتعشت الحركة التجارية والخدماتية في حوارة التي باتت نقطة جذب كبيرة، ما دفع بالعديد من الشركات والمصانع والبنوك لافتتاح فروع لها فيها.
يذكر أنه يوجد عند أطراف بلدة حوارة معسكر لجيش الاحتلال فيه مركز توقيف للأسرى الفلسطينيين الذين يجرى اعتقالهم من محافظة نابلس.
إضافة إلى ذلك، فإن بلدة حوارة تُعدّ الطريق شبه الوحيد للمواطنين في محافظات شمال الضفة الغربية للوصول إلى مدينة رام الله، وفي حال قطعه الاحتلال ومنع الحركة عليه، يكون قد فصل شمال الضفة تماماً عن وسطها، وهو ما حذر منه كثيراً نشطاء ومسؤولون.
كما أن سيارات المستوطنين القاطنين في المستوطنات المقامة في محيط نابلس تسلك هذا الطريق، وهذا ما سهل على منفذ عملية الأمس الوصول إلى مستوطنين كانا في مركبتهما، وقتلهما من نقطة قريبة جداً.
ويستهدف المستوطنون حوارة منذ نحو عام، وبحماية قوات الاحتلال، وباتت معركة العلم الأبرز حينها، حيث كان الأهالي يرفعون علم فلسطين على الشارع الرئيس، ثم يزيله المستوطنون ويعتدون على المحال التجارية، ويرفعون علم دولة الاحتلال، الذي يعاود شباب حوارة إنزاله، في معركة كر وفر.
وصادر الاحتلال الإسرائيلي منذ عدة سنوات أكثر من 400 دونم من أراضي بلدات حوارة وبيتا وعورتا، وشرع بشق طريق ضخم، سيخصصه لمركبات الجيش والمستوطنين، منعاً لأي احتكاك مع الفلسطينيين.
ويُعدّ هذا الطريق من أخطر المشاريع الاستيطانية، لأنه سيعزز الاستيطان، وسيحول المستوطنات المقامة على أراضي جنوب نابلس من مستوطنات معزولة إلى مدن في جسد الضفة الغربية، وسيعدم إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، وسيؤثر على الاقتصاد في بلدة حوارة، حيث إن وجود أي شارع التفافي سيعمل على ضرب الشريان الاقتصادي فيها.