تصرّ القيادة السياسية لحركة طالبان ومراسيم زعيمها الملا هيبت الله أخوند زاده المتكررة على ضرورة التعامل المرن مع أبناء الشعب الأفغاني، إلا أن ما يحدث في العاصمة كابول من قبل وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن قبل القادة المحليين في الحركة في بعض المناطق النائية عبر فرض قيود تخنق المواطنين، يطرح علامات استفهام حول ما تريده الحركة بالفعل وبشأن من يديرها.
كما أن تعامل مسلحي الحركة بات محط قلق للكثير من الأفغان، الذين لا يزالون يتذكرون جيداً تعامل الحركة خلال حكمها الأول لأفغانستان في تسعينيات القرن الماضي.
سكان المناطق النائية في أفغانستان يتحدثون عن إرغام طالبان الناس على الالتزام بما تأمر به
ويرى البعض أن تلك القيود والتعامل الخشن يعكسان رؤية القيادة الميدانية وليس سياسة الحركة برمّتها، وأن القيادة السياسية في الحركة تحتاج إلى بعض الوقت لضبط الأوضاع. لكن ذلك لا يبدو كافياً لتبديد مخاوف المواطنين.
طالبان تشجع على ارتداء الحجاب وتقيّد تنقل النساء
وأحدث ما فعلته طالبان هو توزيع لافتات في العاصمة الأفغانية كابول تحمل صور البرقع (الحجاب التقليدي)، لتأكيد ارتداء النساء الحجاب، وأرفقت اللافتات بنص قصير مفاده أنه بحسب مبادئ الشريعة الإسلامية يجب أن ترتدي النساء الحجاب.
وسبق أن طلبت الحركة من سائقي السيارات عدم نقل النساء، إن لم يكن هناك رجل برفقتهن، أو إن كنّ غير محجبات. ويترافق ذلك مع سلوكات لمسلّحي الحركة لم تُرضِ المواطن الأفغاني، الخائف من تكرار ما حدث في ظل نظام طالبان (1996 ـ 2001)، ومنها تفتيش الهواتف المحمولة وفحصها، فضلاً عن وضع سجلات الحضور والغياب في المساجد في بعض المناطق النائية.
وكل تلك النقاط لن تؤدي فقط لتدهور نفوذ طالبان داخلياً، بل تُعدّ عقبة في وجه سعي الحركة لانتزاع الاعتراف الدولي، بحسب مراقبين.
طالبان: لم نفرض قيوداً على المواطنين
لكن المتحدث باسم وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صادق عاكف يؤكد، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن ما روّجته الوزارة من فرض قيود، ومنها الحجاب، ليست أموراً إلزامية، ما يعني أن المرأة التي لا تلتزم بالأوامر لا تُعاقب.
ويوضح أن الخطوة تهدف إلى تشجيع النساء المسلمات على الالتزام بالشريعة الإسلامية. ويشير عاكف إلى أن الحركة لم تعد كالسابق، وكل ما تفرضه من قيود يأتي في إطار التوصية والتشجيع، وهي ليست إلزامية، ويشدّد على أن أفغانستان دولة إسلامية، "ولنا حق بالدعوة إلى ديننا وثقافتنا".
أما عن سلوك طالبان وتأثيره على علاقتها مع المجتمع الدولي، فيرى عاكف أن أبواب الحركة مفتوحة أمام جميع الدول، وهي تتفاوض مع العالم عبر القنوات الدبلوماسية. ويرفض عاكف قيام طالبان بوضع سجلات في المساجد في أي منطقة، مؤكداً أنه تمّ توجيه أوامر صارمة لكل الإدارات التابعة لوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مختلف الولايات بضرورة التعامل بشكل مرن مع أبناء الشعب، وأن لا يُلزم أحد على فعل شيء.
تسجيل الحضور والغياب بعد كل صلاة
لكن سكان المناطق النائية في أفغانستان يتحدثون عن إرغام طالبان الناس على الالتزام بما تأمر به، وأبرز هذه الأوامر هي وضع السجلات في بعض المناطق النائية.
وحول ذلك، يقول أحد سكان مدينة تالقان، عاصمة ولاية تخار، شمالي البلاد، يدعى أبو نصر سيد، إن طالبان وضعت السجلات في مساجد عدة في بعض مناطق الولاية، مثل منطقة أهندره ونمك فروشي ونوا أباد، وفي معظم مديريات ولاية تخار.
ويضيف سيد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن الحركة ألزمت أئمة المساجد بتسجيل الحضور والغياب بعد كل صلاة، ما أثار حالة قلق عند البعض.
ويؤكد أن طالبان لم تعاقب أحداً بعد، ولكنها تتحدث عن فرض غرامة مالية على كل من يتخلّف عن الصلاة في المسجد بشكل متواصل، مشيراً إلى أن الخوف في تزايد لدى سكان تلك المناطق، في ظلّ خشيتهم من عودة طالبان إلى ما كانت عليه في التسعينيات.
ولم تقتصر هذه الإجراءات وتعامل مسلّحي طالبان غير المرغوب به في أوساط الشعب على الولايات، بل طاولت أيضاً كابول. ويكشف أحد وجهاء مديرية شكر دره، يدعى ذبيح الله شريفي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن المضايقات موجودة في العاصمة، وثمّة قصص كثيرة عن قيام مسلحي طالبان بتفتيش هواتف المواطنين المحمولة، في تضييق على أبناء الشعب، وهو ما قد يؤدي، وفقاً له، إلى احتمال الانتفاضة ضد طالبان، تحديداً في العاصمة التي يعيش فيها ستة ملايين شخص.
ويرى أن تطبيق مثل هذه القرارات غير ممكن، بل يسيء لسمعة طالبان محلياً ودولياً، وإذا تم فتح أي جبهة قوية في وجه الحركة في الصيف المقبل، فإن الكثير من الشبان سينضمّون إلى الجبهة المواجهة لطالبان.
من جهتها، تشير تمنا حيدري، وهي صاحبة صالون للتجميل في منطقة شهر نو، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن بعض معارفها تعرّضوا للمضايقات، ومنهم سيدة طلبت منها طالبان تقديم وثيقة الزواج بعد خروجها مع زوجها.
في أي حرب مقبلة سينضمّ الشبان للجبهة المواجِهة لطالبان
لكن نائب المتحدث باسم طالبان إنعام الله سمنغاني يؤكد، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن سياسات الحركة مغايرة لما يروّج له البعض، ولكنه لا ينفي في الوقت نفسه وقوع بعض المخالفات، مشيراً إلى أن هناك لجنة تصفية وضبط في الحركة تعمل بشكل متواصل.
ويكشف أنه تمّ طرد أكثر من 2500 شخص حتى الآن من الحركة، بسبب ارتكابهم المخالفات، مشدّداً على أن طالبان لن تتدخل في الشؤون الشخصية لأي مواطن، بل تعاقب كل من يفعل ذلك.
ويذكّر بوجود مرسوم لزعيم طالبان يمنع جميع المسلحين من التدخل في الشؤون الشخصية للمواطنين.
التناغم مفقود بين قيادة طالبان وعناصرها
ويرى المحلل السياسي عبد الواسع نيازي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التناغم مفقود بين رؤية القيادة السياسية لطالبان والمسلّحين على الأرض، مؤكداً أن الحركة في حاجة إلى بعض الوقت كي تنظّم صفوفها، كونها كحكومة تريد أن تثبت نفسها وتفرض كلمتها وتثبت أن لها سطوة في البلاد، على الرغم من أن الأمر سيضرّ الحركة والبلاد على المدى الطويل.
ويضيف نيازي: نشاهد هروب الناس من أفغانستان، خصوصاً الكوادر التعليمية، بالتالي إن على طالبان أن تتماشى مع متطلبات الزمن، وتصغي للانتقاد البنّاء، لافتاً إلى أنه تمّ اعتقال أحد أساتذة جامعة كابول، يدعى فيض الله جلال، يوم السبت الماضي، وهو من أشدّ منتقدي طالبان.
وبرر المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد الخطوة بالقول إنه لم يتم اعتقال الرجل بسبب انتقاده سياسات طالبان، بل لدفع الناس للوقوف في وجه حكومة الحركة. مع العلم أن كابول شهدت تظاهرة نسائية، أول من أمس الأحد، تنديداً باعتقال جلال.
من جانبه، يرى المحلل السياسي عتيق الله زمن، أن قضية قيود طالبان تم تضخيمها بشكل كبير من قبل بعض المعارضين للحركة، مشيراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن على الشعب الأفغاني أن يعرف طبيعة طالبان، تحديداً كونها حركة عسكرية قاتلت على مدى العقدين الماضيين، لذلك هناك مسلحون على الأرض لا يتماشى سلوكهم مع طبيعة الشعب وأعرافه، والحركة تعد بين الحين والآخر بأنها تعمل على تصفية صفوفها.
وفي ما يتعلق بأعمال وزارة الأمر المعروف والنهي عن المنكر، يرى زمن أن هناك فارقاً كبيراً، ففي التسعينيات كانت الوزارة تنفذ كل شيء بقوة، لكنها الآن تقوم بالأمور بالترغيب، غير أن الإعلام المعارض لطالبان يُضخّم القضايا، فيما إعلام الحركة ضعيف جداً في الردّ.