شكّل المرشح الليبرالي المنتمي لليمين المتطرف في الأرجنتين خافيير ميلي، مفاجأة كبرى في الانتخابات التمهيدية في الأرجنتين، التي أُجريت أول من أمس الأحد. وفرض نفسه مرشحاً رئيسياً لقيادة البلاد في الانتخابات المقررة في 22 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. و
ميلي، المعروف بإعجابه بالرئيسين السابقين، الأميركي دونالد ترامب، والبرازيلي جايير بولسونارو، استفاد من السخط الأرجنتيني على التعثر الاقتصادي في البلاد، المستمر منذ أكثر من ربع قرن، لخطف المركز الأول في هذه الانتخابات، وتحوله إلى منافس أساسي لمرشحين آخرين في الرئاسيات في الخريف.
والنظام الانتخابي الأرجنتيني مغاير للعديد من دول العالم، إذ يخوض المرشحون للانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومجلس الشيوخ انتخابات تمهيدية، يتأهل فيها نسبة من الفائزين للانتخابات النهائية.
الانتخابات التمهيدية
وفي انتخابات الأحد، تنافس 23 مرشحاً للرئاسيات، انتقل 6 منهم إلى انتخابات 22 أكتوبر، وهم بالإضافة إلى ميلي، الذي نال 32 في المائة من الأصوات، مرشحة الائتلاف من يسار الوسط باتريسيا بولريخ التي حصلت على 28 في المائة، ووزير الاقتصاد سيرجيو ماسا الذي نال 26 في المائة، أما مجموع باقي المرشحين الـ20، فلم يتجاوز الـ14 في المائة.
وفي انتخابات 22 أكتوبر، يمكن للمرشح الفوز بالرئاسة من الجولة الأولى، في حال نيله نسبة 45 في المائة من الأصوات، أو حتى إذا نال 40 في المائة، شرط أن يتقدم على ثاني منافسيه بفارق أكثر من 10 نقاط مئوية. وفي حال لم يحصل ذلك، سيخوض المرشحان المتصدران في الجولة الأولى، جولة ثانية في 19 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ميلي مؤيد لتحويل الاقتصاد الأرجنتيني إلى الدولرة
ومع نحو 35.4 مليون ناخب أرجنتيني يحق لهم التصويت، يُعدّ الاقتراع التمهيدي الأحد مؤشراً قوياً على الشخصية التي يمكن أن تفوز في الانتخابات العامة، خصوصاً إذا كان أحد المرشحين خارج السرب. والعامل الشخصي مهم نسبياً في الأرجنتين، أكثر من البرامج الانتخابية.
واكتسب ميلي قوته بفعل عوامل عدة، أبرزها انسحاب الرئيس ألبرتو فرنانديز الذي لا يحظى بشعبية، من الترشح لولاية ثانية، وارتفاع التضخم إلى 115 في المائة على أساس سنوي، وزيادة معدلات الفقر، وتراجع قيمة العملة الرسمية البيزو.
كما فرضت الحكومة التي تعاني من تراجع الاحتياطي الأجنبي، قيوداً صارمة على العملة، ورفعت ضريبة الاستيراد للحصول على مزيد من الدولارات. وفتح الاستياء إزاء الحكومة اليسارية الحالية، الباب أمام مرشحين آخرين من بينهم ميلي.
وخاض ميلي، اليميني صاحب الخطاب الناري المناهض لـ"الطبقة" السياسية، والمُعجب بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، الاقتراع التمهيدي الأحد مرشحاً وحيداً عن حزبه "ليبرتاد أفانزا"، متوجهاً بصورة خاصة للشباب، الذين يبدون الفئة الأكثر ظهوراً في تجمعاته الانتخابية.
وقال ميلي لأنصاره مساء الأحد "تمكنّا من بناء هذا البديل التنافسي الذي من شأنه أن يضع حداً للطبقة السياسية الطفيلية السارقة وعديمة الجدوى". وفي برنامجه، لم يتأخر ميلي في التأكيد على نيته "القضاء على المصرف المركزي، وحظر الإجهاض، وتحرير بيع الأسلحة، وفتح السوق أمام تجارة الأعضاء البشرية"، فضلاً عن رفضه فرض أي ضرائب إضافية.
ولا يعتبر ميلي مجهولاً، فهو متحدر من العاصمة بوينس آيرس، ونائب عنها، وعُرف بإطلالاته التلفزيونية الناقدة للرؤساء السابقين، كريستينا كيرشنر، ماوريسيو ماكري، وألبرتو فرنانديز.
ومال إلى دراسة الاقتصاد بفعل قرار اتخذه حين كان في الـ12 من عمره، إثر مراقبته الإدارة الاقتصادية السلبية لوزير المالية آنذاك، خوسيه الفريدو مارتينيز دي هوز، المنتمي للحكم العسكري الذي قاد بوينس آيرس بين عامي 1976 و1983، وأودت بالأرجنتين إلى التضخم المفرط. بعدها تعمّق ميلي في الاقتصاد، ونال شهادات جامعية عليا.
لاحقاً، أنشأ "فونداسيون أكوردار" في عام 2012، وهي مؤسسة تناقش الدراسات الاقتصادية، بغرض إنقاذ الأرجنتين من أزماتها. وهو من المعجبين بسياسات الرئيس الـ14 للبنك الفيدرالي الأميركي، بين عامي 2006 و2014، بن برنانكي، الذي شهد على أزمة مالية خانقة في واشنطن.
يؤمن ميلي بوجود "مؤامرة ثقافية ماركسية عالمية"
ولميلي نظريات متطرفة، مثل عدم اعتقاده بوجود تغير مناخي أو احتباس حراري، ويرفض حق الإجهاض حتى لو تعرّضت الضحية للاغتصاب، ويؤمن بوجود "مؤامرة ثقافية ماركسية عالمية". ولفرض رؤيته، فاجأ سكان العاصمة بفوزه بمقعد نيابي في عام 2021، تحت شعار: "لم آتِ لأقود الخراف، بل لأوقظ الأسود". وقدم راتبه الشهري كنائب للمواطنين، بحجة أنه "مال الشعب ويعود إليه".
وحول صعوده السياسي، يبدي مسؤول المبيعات فاكوندو كاردوزو، اعتقاده بأن الوضع في بلاده سيئ إلى حد أن نهج ميلي غير التقليدي قد يكون الرهان الأفضل. وقال لوكالة "فرانس برس"، بعد إدلائه بصوته "يتعين تفكيك القطعة المجموعة، ثم إعادة جمع القطع، والبدء من جديد".
فوز ميلي التمهيدي قد لا ينقله إلى المقر الرئاسي
بدوره، يرى خبير العلوم السياسية في جامعة توركواتو دي تيا خوان نيغري أن ميلي "يعكس الاستياء الذي جعل الكثير من الناخبين لا يصدقون الأحزاب السياسية"، خلال حديث لـ"فرانس برس". لكن فوز ميلي التمهيدي قد لا ينقله إلى "كازا روزادا"، المقر الرئاسي، إذ إنه يبقى وارداً اصطفاف الخصوم ضده في 22 أكتوبر المقبل، لمنعه من التحول إلى رئيس يضع الأرجنتين على حافة صدام مع البنك الدولي ومع دول الجوار، خصوصاً البرازيل.
غير أنه في المقابل، نالت الأحزاب التقليدية فرصتها في إنقاذ البلاد، وباتت في مأزق، خصوصاً بعد تفشي وباء كورونا في عام 2020، والغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، والذي ضرب سلاسل التوريد، وزاد من التضخم المالي. ما الحل بالنسبة لميلي؟ بحسب رؤيته، فإن على الأرجنتين تبنّي الدولار الأميركي رسمياً للقضاء على التضخم، لأن "البيزو يذوب كما لو كان ثلجاً في الصحراء الكبرى"، وفقاً لميلي.
وأكد أن التحرك نحو الدولرة سيتم على مدى 18 شهراً، لكن بعده "ستحلّق الأجور". وفي حال فوزه في 22 أكتوبر، أي بمناسبة عيد مولده الـ53، ونفّذ تعهده، ستصبح الأرجنتين أكبر اقتصاد يتجه للدولرة في العالم.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)