استبعد عدد من الخبراء العسكريين المصريين والليبيين، أن يتطوّر التواجد العسكري المصري الذي وصل إلى الشرق الليبي للمساعدة في عمليات الإنقاذ والإغاثة منذ عاصفة "دانيال" التي ضربت خصوصاً مدينة درنة الليبية، أوائل الشهر الحالي، ليصبح وجوداً دائماً حتى ولو كان لضمان استقرار الأوضاع على الحدود بين البلدين.
وكان رئيس أركان حرب الجيش المصري أسامة عسكر، قد وصل الأسبوع الماضي، على رأس وفد عسكري إلى ليبيا، للتنسيق بشأن تقديم الدعم اللوجيستي والإغاثة الإنسانية العاجلة للشعب الليبي بعد الإعصار، وتشمل طائرات عسكرية لنقل مواد طبية وغذائية، وطواقم إنقاذ.
لا مؤشرات على وجود عسكري مصري دائم شرق ليبيا
وفي السياق قال الباحث العسكري والضابط السابق في الجيش المصري، العميد صفوت الزيات، في حديث لـ"العربي الجديد" إن هناك "صعوبات كثيرة وعقبات تمنع أن يتحول الدخول الإنساني للجيش المصري، إلى وجود دائم في الشرق الليبي، فمن الواضح أن ما استعرضه رئيس الدولة (عبد الفتاح السيسي) من أنساق عسكرية متوجهة إلى ليبيا، كانت عبارة عن معدات للنجدة والإغاثة الإنسانية".
وأضاف أنه بالتالي "لم نشاهد أي مؤشر إلى وجود معدات عسكرية مختصة بعملية الأمن أو القتال في المناطق المدنية والحضرية والمسطحات". ولفت إلى أن هناك "مسألة معنوية وأخلاقية، تصيب أي جيش في العالم، إذا ما تحوّل العمل الإنساني إلى عمل عسكري، مهما كانت مبرراته".
صفوت الزيات: البيئة المدنية في شرقي ليبيا يسودها التوتر
وقال: "دائماً الدوافع لدى الجيوش الوطنية، ترتبط بمسائل الأمن القومي العليا للدول"، مشيراً إلى أن "البيئة المدنية في شرقي ليبيا يسودها التوتر، وهناك اتهامات تلقى على الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، بأنه سبب رئيسي في الكارثة الإنسانية الضخمة، حتى أن هناك بعض مظاهر المطالبة الشعبية برحيله عن إدارة شؤون الشرق".
وأوضح الزيات أن "الأوضاع في ليبيا سياسياً وعسكرياً، والمجتمع المدني شرقي ليبيا، غير مؤهلة لتحوّل التدخل المصري من إنساني إلى عسكري، فهناك مخاطر أمنية عدة مثل الخلايا النائمة من الجماعات الجهادية، وربما الإرهابية، والتي ربما عانت من الضغوط الكبيرة من حفتر وعدم القابلية الشعبية".
وأضاف أن "السؤال الكبير هو هل هذه الكارثة والانشغال بالإغاثة والنجدة وفتح الطرق، توفر فرصة مناورة لهذه الجماعات الجهادية والإرهابية؟"، لافتاً إلى أن "أول ما ستفكر فيه هذه الجماعات هو التعامل مع القوات المصرية، للانتقام من أدوار كثيرة ساهم فيها الجيش المصري في تحجيمها على الأرض".
أوضاع معقدة في الداخل الليبي
أما المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير حسين هريدي، فرجّح في حديث لـ"العربي الجديد" عدم تدخل مصر في الشأن الليبي، خصوصاً من الناحية العسكرية. ولفت إلى أن "الأوضاع المعقدة في الداخل الليبي بالإضافة إلى الانقسامات السياسية، مع وجود حكومتين تتصارعان على الشرعية، هي عوامل تجعل مصر تحجم -من باب الحكمة وبعد النظر- عن التدخّل على الأرض في ليبيا".
رخا أحمد حسن: لا يمكن القول إن تقديم مصر المساعدات للشعب الليبي له أهداف أخرى
بدوره، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مصر "تولي اهتماماً خاصاً بالأمن والاستقرار في ليبيا، ولم تنقطع صلاتها مع كل الأطراف الليبية، مع التركيز على مناطق الحدود مع مصر، إذ كانت مصدراً لتهريب الأسلحة وتسلل الجماعات الإرهابية إلى مصر والقيام بعمليات إرهابية".
وأضاف أنه "منذ العملية الإرهابية التي قاموا بها في الواحات المصرية (في أكتوبر/ تشرين الأول 2017)، تدعّمت أواصر التعاون مع شرق ليبيا بصفة خاصة، والقوى الأمنية في ليبيا بصفة عامة لمقاومة هذه العناصر الإرهابية وتأمين الحدود المصرية مع ليبيا، والتعاون مع الجانب الليبي لتأمين المصريين العاملين في ليبيا".
وقال إن ما تقدمه القوات المسلحة المصرية الآن من مساعدات شاملة في درنة وغيرها، "يأتي في إطار علاقات الأخوة الوثيقة مع الشعب الليبي، واستمرار التعاون مصر، والذي لم ينقطع قط". وبالتالي اعتبر حسن أن "لا مجال للقول بأن تقديم مصر المساعدات للشعب الليبي الآن، له أهداف معينة سوى نجدة ومساعدة الشعب الليبي على اجتياز محنته الكبيرة".
هل الهدف حماية حفتر؟
بالمقابل رأى الكاتب والناشط الحقوقي الليبي نبيل السوكني، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "الدخول الهائل للقوات المصرية إلى الحدود الليبية، بمباركة من حفتر، يختلف تماماً مع ما أكده رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، بأننا نريد مساعدات لوجستية، وفرق إنقاذ، وكلاباً بوليسية، وأجهزة متطورة، ولا نريد جيشاً جراراً على غرار ما دخل به حفتر".
وأضاف أن "التغيير الذي يحدث الآن في ليبيا، والمطالبة بتوطين قواعد للجيش المصري، عليه علامة استفهام كبرى"، لافتاً إلى أنه يشاهد لأول مرة "سيارات عسكرية عليها أسلحة، وحاويات 40 قدماً غير معروف ما بداخلها من مئات الأطنان، وأكثر من 150 آلية حفر ومسح، وحاملة طائرات تأتي إلى الشواطئ الليبية أمام مدينة منكوبة".
وتساءل: "هل الهدف حماية حفتر، من حدوث ثورة بالمنطقة الشرقية على ما حدث من إهمال وفساد؟" معتبراً أن "الأمر غامض".
من جهته، قال السياسي الليبي ورئيس مجموعة "منحنى الأزمة الليبية" سعد سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الدور الإنساني المصري في ليبيا، سيظل في هذا الإطار، ولا مؤشرات لتحوله إلى وجود عسكري"، موضحاً أن "الوجود العسكري، سيظل مرهوناً بردود أفعال بقية الدول المعنية بالملف الليبي، كأميركا والإمارات والجزائر وتركيا".
وأضاف أن "الأوضاع الداخلية في مصر، وانشغالاتها بالأزمة الاقتصادية والسودان والملف الفلسطيني وسد النهضة، تجعلها لا تستطيع تحمّل أعباء جديدة كالوجود العسكري في ليبيا، غير أن الأطراف في الشرق الليبي، قد تقبل بوجود مصري دائم لكن بمقدار محدد ومعلوم".