على الرغم من حالة اللامبالاة التي سادت لدى القيادة الروسية عند متابعتها حملة انتخابات الرئاسة الأميركية، إلا أن تقديرات المحللين السياسيين الروس بعد فوز المرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب أمام منافسته الديمقراطية، كامالا هاريس، غلب عليها التفاؤل الحذر، نظرا لما رأوا فيه من امتداد للتيار المناهض للعولمة وانشغال الولايات المتحدة بقضاياها الداخلية.
وأقر المحلل السياسي الروسي البارز المقرب من الكرملين، رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، فيودور لوكيانوف، بأن "نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة لن تغير العالم"، معتبرا في الوقت نفسه أن التصويت الأميركي شكل مؤشرا هاما لتغيرات طويلة الأجل.
وفي مقال له بموقع صحيفة روسيسكايا غازيتا الرسمية، الأربعاء، أوضح لوكيانوف أن فوز ترامب الحالي يختلف عن نجاحه الأول قبل ثماني سنوات من جهة تقدمه ليس فقط من حيث عدد أصوات المجمع الانتخابي، وإنما أيضا في ما يعرف بـ"التصويت الشعبي"، أي أغلبية سكان البلاد، بعد فشل رهان الديمقراطيين على عزوف الناخبين عن التصويت له بعد ما شهدته ولايته الأولى من الفوضى العارمة.
واعتبر أن قصة انسحاب الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، من سباق الرئاسة ساهمت في تسهيل مهمة الجمهوريين، وسط ما رآه من زيادة لوعي الناخبين الأميركيين المنشغلين بمشكلات تخص حياتهم هم بشكل مباشر، مخلصاً إلى "عهد ثقة واشنطن في ضرورة تحكمها في الشؤون العالمية يوشك على الانتهاء".
من جهته، اعتبر مسؤول البرامج بنادي فالداي الدولي للنقاشات، تيموفيه بورداتشوف، أن فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية يزيد من احتمال نشوب أزمات واضطرابات صغيرة سيقابله تراجع احتمال حرب شاملة ذات عواقب خطيرة على البشرية بأسرها، واصفا ذلك بأنه "خبر جيد".
وفي مقال بعنوان "ماذا يعني فوز ترامب لباقي العالم؟" نشر بصحيفة فزغلياد الإلكترونية الموالية للكرملين، أقر بورداتشوف بأن صداما عسكريا مباشرا بين روسيا والولايات المتحدة لن يحدث اليوم إلا نتيجة لـ"الحماقة البشرية"، معتبرا أن هذا الاحتمال كان أكبر في حال ظل بالبيت الأبيض ديمقراطيون ينحدرون من "عهد الهيمنة الأميركية الكاملة في تسعينيات القرن الماضي".
ومع ذلك، جزم كاتب المقال بأن ترامب وفريقه ليسا "هدية"، بل قد يزيدان من صعوبة تحقيق خطط روسيا وغيرها من الدول، مقرا بأن ذلك قد يشكل مشكلة أمام السياسة الخارجية الروسية في بعض الحالات. وخلص بورداتشوف إلى أن الولايات المتحدة لم تتبلور فيها حتى الساعة أي تأملات بشأن إمكانية التخلي عن "ضرورة جني فائدة من كل ما يجري في الاقتصاد والسياسة العالمية"، آملا أن يدرك جيل السياسيين الشباب الذين يقفون وراء ترامب، كيفية نجاة بلادهم وتطورها.
وعلى الرغم من القراءات المتفائلة لفوز ترامب على مستوى الخبراء ووسائل الإعلام، إلا أن الكرملين جدد تمسكه بالتوجه لعدم تهنئة ترامب، إذ اعتبر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن عزوف بوتين عن تهنئة ترامب لن يؤدي إلى مزيد من تدهور العلاقات بين البلدين. وقال بيسكوف في تصريحات صحافية في أعقاب تقدم ترامب على منافسته بالولايات المتأرجحة: "يكاد لا يكون هناك مجال لمزيد من التدهور، فالعلاقات بأدنى نقطة تاريخيا".
وأضاف: "في ما يتعلق بالتهنئة، فليس لي علم بخطط الرئيس لتهنئة ترامب، دعانا أن لا ننسى أن الحديث يجري عن دولة غير صديقة تشارك بصورتين مباشرة وغير مباشرة في الحرب ضد بلادنا". وأقر بأن الانتخابات الرئاسية التي جرت في الولايات المتحدة أول أمس الثلاثاء، هي شأن داخلي أميركي، داعيا إلى ترقب تنصيب ترامب.
يذكر أن المقاربة الروسية حيال حملة الانتخابات الأميركية هذا العام اختلفت كثيرا عن تعاطي موسكو مع الملف ذاته في عام 2016، حين كان الانحياز الروسي لترامب واضحا، دون أن يتوج فوزه بتطبيع العلاقات خلال ولايته الأولى في أعوام 2017 - 2021، مما زاد من حذر الكرملين هذه المرة، على ما يبدو.