أدلى اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر بتصريحات جديدة تُضاف إلى المشهد السياسي الذي يعاني تعقيدات التوافق على إجراء الانتخابات، اتهم خلالها العديد من الأطراف المحلية بالفساد المالي والسياسي، والخارجية بخلق الفتن والأزمات في البلاد.
واتهم حفتر، خلال كلمة في لقائه بقيادات عسكرية وأمنية تابعة لقيادته ليل الاثنين، محافظ البنك المركزي الصديق عمر الكبير باقتراف جرائم مالية، ملمحا إلى قيام حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة بإهدار الأموال وعدم الإنصاف في توزيع المشاريع التنموية، وكذلك إلى فشل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في قيادة البلاد نحو إجراء الانتخابات.
كما اتهم أيضا سفراء الدول الأجنبية بالمساهمة في تعميق الخلافات بين الليبيين، من دون أن يسمي أي واحد منهم باستثناء السفير الأميركي ريتشارد نورلاند، حيث طالبهم بالابتعاد "عن ليبيا والليبيين وعدم تجاوز حدودكم، لأنكم من صنعتم الأزمة وزرعتم الفتن بين الليبيين".
وأعطى حفتر مهلة أقصاها نهاية أغسطس/ آب المقبل لتشكل لجنة عليا لتوزيع الإيرادات النفطية بشكل عادل، مهدداً بأنه في حال تعذر تشكيل اللجنة "سيكون أبناء الشعب الليبي في الموعد للمطالبة بتحقيق طلباتهم المشروعة في الثروة". وقال إن قواته "ستكون على أهبة الاستعداد للقيام بالمهام المنوطة بها في الوقت المحدد"، في إشارة لتدخل محتمل لإغلاق مواقع إنتاج النفط.
وعلى الرغم من أن تركيز حفتر في كلمته على تشكيل لجنة للنظر في موارد النفط وتوزيعه يأتي في سياق مساعي الحكومة المكلفة من مجلس النواب اللجوء إلى القضاء لاستصدار أحكام للحجز على واردات النفط، التي تذهب إلى المصرف المركزي في طرابلس المتحالف مع حكومة الوحدة الوطنية، إلا أنها جاءت أيضا بعد دعوة نورلاند "الفاعلين السياسيين الليبيين إلى الابتعاد عن التهديد بإغلاق النفط، الذي من شأنه أن تكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد الليبي وستضر بكل الليبيين"، وفق تغريدة على حسابه الجمعة الماضية.
انهيار الاتصالات
ويرى الباحث في الشأن السياسي فتحي الشهوبي أن كلمة حفتر تتضمن العديد من الرسائل، وتعكس أوضاع حفتر ومعسكره "المتهاوية وضعفه الكبير" على حد وصفه.
وقال الشهوبي لـ"العربي الجديد": "أهم رسالة ضمنها حفتر خطابه كانت موجهة لحكومة الوحدة في طرابلس، للضغط عليها لتسمح له بالحصول على أموال لإنقاذ وضعه المالي الصعب، وقد يكون ذلك مؤشرا أيضا على انهيار الاتصالات غير المباشرة التي كانت تجرى بينه وبين الدبيبة لعقد صفقة لتقاسم السلطة، ولم يعد أمامه سوى تهديد الحكومة بإغلاق الموارد النفطية".
ووفق الشهوبي، فإن مواقف حفتر المتضاربة خلال الفترة الأخيرة تعكس وضعا مرتبكا يعيش وسطه، وقال: "قبل أيام دعا مجلسي النواب والدولة لتشكيل حكومة جديدة، إذا فما الداعي لتشكيل لجنة للنظر في توزيع الثروة إذا كانت الحكومة الحالية التي يتهمها بالفساد سوف تحل محلها؟".
وأضاف: "مجلس النواب الذي دعاه لتشكيل حكومة جديدة قبل أيام فقط يبدو أن علاقته برئيسه عقيلة صالح رجعت إلى مستوى الخلافات، فأي لجنة يريدها حفتر، وعقيلة شكل قبل أيام لجنة لذات الغرض والهدف برئاسة فرحات بن قدارة، رئيس مؤسسة النفط، وهو المقرب من حفتر؟".
وتابع الشهوبي "لو كان حفتر يمتلك قوة عسكرية كافية لتنفيذ تهديداته، لما تأخر حتى الآن، وباعتقادي أن دعوته قواته للتأهب هدفها الآخر هو رفع معنويات مقاتليه المنهارة، خصوصا مع الضيق المالي الذي يعاني منه وعدم قدرته على دفع رواتبهم، واستهداف قاعدة الخروبة قبل أيام، وهي حادثة بكل تأكيد لها وقعها السيئ على نفسية ومعنويات مقاتليه".
رسالة للخارج
في المقابل، يرى الناشط السياسي مالك هراسة أن حفتر حمّل كلمته رسائل أخرى، مرجحا أن "يقدم فعليا على وقف تدفق النفط، في رسالة للخارج الذي ركز في جزء من كلمته عليه، خصوصا نقده وتهجمه على السفراء الأجانب، والرسالة مفادها أنه لا يزال يمتلك أوراق مؤثرة". وأشار هراسة في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن كلمة حفتر جاءت بعد ساعات من ترحيب السفير الأميركي بتقدم في المداولات بين مؤسسات ليبية حول مسألة توزيع موارد النفط.
والاثنين، نشرت السفارة الأميركية، على حسابها بتويتر، تصريحات لنورلاند، قال فيها: "مسألة كيفية توزيع إيرادات نفط ليبيا المهمة هي إحدى المسائل المتسببة في الصراع في ليبيا، وبالتالي، يسعدني أن تعليقاتي الأخيرة قد أثارت نقاشاً بمثل هذه الفائدة بين القادة الليبيين".
وتابع نورلاند: "كنا ولا نزال دائماً نؤمن ونصرّح بأن الليبيين وحدهم القادرون على تقرير هذا الموضوع، وأنه لا ينبغي لأي جهات أجنبية السيطرة عليه"، مضيفا: "لقد لاحظنا تقدماً حقيقياً في هذه المسألة في الأيام الأخيرة بين المؤسسات ذات الصلة، ونحن نشجع القادة على التوصل إلى اتفاق".
المبعوث الخاص السفير نورلاند: "مسألة كيفية توزيع إيرادات نفط ليبيا المهمة هي احدى المسائل المتسببة في الصراع في ليبيا. وبالتالي يسعدني أن تعليقاتي الأخيرة قد أثارت نقاشا بمثل هذه الفائدة بين القادة الليبيين. لا تزال الولايات المتحدة تدعم باستمرار جهود المجلس الرئاسي ومجلس النواب… pic.twitter.com/zIrRUIjl3C
— U.S. Embassy - Libya (@USEmbassyLibya) July 3, 2023
واعتبر المتحدث ذاته أن دعوة حفتر لتشكيل لجنة لتوزيع موارد النفط، بعد حديث نورلاند عن تقدم المداولات بين المؤسسات المعنية بالنفط وموارده في شأن توزيع الثروة، "يهدف ربما لمحاولة قطع الطريق أمام مساعي نورلاند، التي يبدو أنها تتجه للضغط على الأطراف والمؤسسات الليبية للحد من استخدام موارد النفط لتقوية مواقع".
وبخصوص المهلة التي وضعها حفتر قبل تنفيذ تهديده، قال هراسة: "حفتر يدرك جيدا أنه لن يتمكن من قفل النفط في الوقت الحالي لتنفيذ تهديداته للوصول الى هدفه بلفت أنظار المجتمع الدولي لأوراق قوته، لكنه يستطيع ذلك ما بعد أغسطس/ آب".
وتابع موضحا: "السعودية وروسيا أعلنتا أنهما سيستمران في إنتاج النفط بالمستوى المنخفض الحالي الذي لا يتجاوز مليوناً و500 ألف برميل حتى أغسطس، ولذا يدرك حفتر أن قفل النفط حاليا سيزيد من انخفاض الإنتاج العالمي للنفط ويحدث أزمة لا يقدر هو على مواجهتها مع الدول الكبرى، ولذا ربما قد ينفذ تهديده بعد أغسطس، حيث لن يؤثر توقف تدفق النفط الليبي بعد رفع السعودية إنتاجها، وكذلك روسيا".
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد هراسة أن ملف النفط في ليبيا "مهم وحساس بالنسبة للكثير من الدول المتنفذة في الشأن الليبي"، معتبراً أن "استغلال حفتر ملف النفط هو ورقة ضاغطة على الأطراف الخارجية، وإغلاق الحقول لن يتعدى بضعة أيام".