يبدو المشهد الفلسطيني غامضاً ومرتبكاً، وكأن الشاشة السياسية الفلسطينية انقسمت إلى ثلاث مشاهد، تعكس مقدار التناقض وضياع البوصلة. يتصدر المشهد الأول، التصريحات السياسية المتناقضة للقيادة الفلسطينية. ففي حين صرح أمين سر المجلس الثوري لـ"فتح"، أمين مقبول، بأنّ خطاب الرئيس تاريخي وحاسم، يشير عضو اللجنة المركزية لـ"فتح"، عباس زكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ لا شيء جديداً سيتضمنه.
وينسف مستشار الرئيس للشؤون الدينية، والشخصية المقربة منه، محمود الهباش، كل ما سبق وقيل عن هذا الخطاب، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا يوجد ما يفاجئ به الرئيس عباس، أحد، وقد أطلع الأخير جميع الأطراف على مضمون خطابه"، ما يعني أنّ خطاب أبو مازن، سيكون منزوع الفتيل بعدما أخبر العرب والغرب بمضمون خطابه.
وتقلّل أوساط قيادية أخرى من مضمون خطاب الرئيس، الذي لن يقدم على إلغاء اتفاقية "أوسلو" أو أنّه "سيقرر وقف العمل بـ22 بنداً من بنودها"، بحسب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حنا عميرة لـ"العربي الجديد". كما يؤكّد عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، أحمد المجدلاني لـ"العربي الجديد"، أنّ "عباس لن يقدّم استقالته أمام الأمم المتحدة". وتذهب أوساط أخرى إلى اعتبار الخطاب، "جردة حساب للوضع الفلسطيني وسط مطالبات دبلوماسية للمجتمع الدولي بإقناع إسرائيل الوقوف عند التزاماتها بالاتفاقيات، والعودة إلى المفاوضات على أرضية سياسية جديدة، لا تهدر الوقت الذي بات عدواً آخر للفلسطينيين، وحليفاً لدولة الاحتلال، من خلال قضم الأراضي الفلسطينية والسيطرة على المقدسات وفرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى، بشكل يومي".
أمّا المشهد الثاني الذي لا يقل أهمية عن غيره، فهو دعم فتحاوي للرئيس قبيل إلقائه خطابه، إذ نظّمت حركة "فتح"، أمس الثلاثاء، مسيرات غاضبة لنصرة المسجد الأقصى، أصرّت أن تكون هذه المسيرات على نقاط التماس مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو أمر نادر وغريب. وازداد غرابة، عندما قام مسلحو "الحركة" بالظهور ملثمين وسط رام الله، وأطلقوا نيران رشاشاتهم في الهواء، وهم يدعون الجماهير للانضمام إليهم لإشعال المواجهات ضد الاحتلال قرب مستوطنة "بيت إيل" المقامة على أراضي رام الله. ووُصفت هذه المواجهات بـ"العادية" وأقل من التوقعات بسخونتها، ومرّت مرور الكرام، على الرغم من معارضة الأجهزة الأمنية الشديدة لها.
ويتلخص المشهد الثالث، في حالة الفتور الشعبي بترقب خطاب الرئيس "التاريخي". فعلى الرغم من إصدار رئيس الوزراء، رامي الحمدالله، تعميماً يفيد "بضرورة المشاركة في مسيرة نصرة المسجد الأقصى"، إلّا أنّ هذا التعميم قوبل بفتور وعزوف من قبل الموظفين وطلبة المدارس والجامعات. كما لم يمتثل المواطن العادي لبيان القوى والفصائل وحركة "فتح" بضرورة الاستجابة للإضراب التجاري الجزئي الذي لم يتجاوز الساعتين من بعد ظهر أمس الثلاثاء. أمام هذه المشاهد، احتكرت "فتح" الاهتمام بخطاب الرئيس، الذي خصّصت له دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي، وعرضت الخطاب على شاشات عملاقة وسط المدن الفلسطينية.
اقرأ أيضاً: سورية و"داعش" وفلسطين محور مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة
ولعلّ أصعب المعطيات التي يجمع عليها العديد من المحللين والسياسيين، هو أن الرئيس موجود في الأمم المتحدة بشرعية وشعبية أقل من أي وقت مضى، إذ مضى عشر سنوات على انتخابه، وانتهت مدة ولايته من دون عقد انتخابات رئاسية أو تشريعية جديدة، في ربط بأن قوة الموقف تأتي من قوة الشرعية.
وعلى صعيد منفصل، أفاد استطلاع للرأي، أصدره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله، منذ أسبوع، وحازت نتائجه على اهتمام المحللين السياسيين، والتي أظهرت تراجع شعبية الرئيس وحركة "فتح"، وتقدم شعبية حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ونائب رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، إسماعيل هنية.
ويظهر الاستطلاع تراجع شعبية الرئيس من 47 في المائة إلى 44 في المائة عن الاستطلاع السابق. بينما تقدمت شعبية هنية من 46 في المائة إلى 49. أما حركة "فتح"، فقد تراجعت شعبيتها من 39 في المائة إلى 35. وتقدمت "حماس" بعد العدوان على غزّة من 32 في المائة إلى 35، وحافظت على هذه النسبة في آخر استطلاعين.
ولعلّ المفاجئ في الاستطلاع، أن 65 في المائة ممن استطلعت آراؤهم، طالبوا الرئيس بالاستقالة، وجزم ثلثا الجمهور بأن استقالة الرئيس من رئاسة اللجنة التنفيذية للمنظمة غير حقيقية. كما أكّد 42 في المائة من عينة الاستطلاع، أن العمل المسلح هو الطريق الأكثر نجاحاً لقيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، فيما اعتبر 29 في المائة منهم، أنّ المفاوضات هي الطريق الأنجح، و24 في المائة، أن المقاومة الشعبية السلمية هي الأنجح، في نتائج تعكس ارتفاع نسبة المؤمنين بالعمل المسلح مقارنة باستطلاع أجري قبل ثلاثة أشهر فقط، كانت نسبة المؤيدين للعمل المسلح لا تتجاوز 36 في المائة، ونسبة المؤيدين لخيار المفاوضات 32 في المائة.
ويرى رئيس المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية، "مسارات"، الكاتب هاني المصري، أنّ "استطلاعات الرأي في فلسطين تكتسب أهمية خاصة، لأنها إحدى المؤشرات القليلة المتوفرة في ظل غياب الانتخابات التي لم تُجر منذ عشر سنوات للرئاسة، ومنذ تسع سنوات للتشريع".
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، الكاتب أحمد عزم، أنّه "لم يعد هناك حديث عن اعتراف دولي بدولة فلسطين (بعد الحصول على وضعية دولة غير عضو)، كما لم يعد هناك حديث عن موعد تحدده الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال. هناك فقط حديث غامض عن مفاوضات، بغض النظر عن مرجعيتها وشكلها".
اقرأ أيضاً عباس للغرب: مفاوضات السلام وإلا انتفاضة لا أريدها