خطة التحالف الإنسانية لليمن: تمهيد لعودة المفاوضات؟

23 يناير 2018
الصراع أدى لتحويل اليمن لأسوأ أزمة إنسانية (Getty)
+ الخط -
خلافاً للهجة التصعيد التي سادت الشهر الماضي في اليمن، عاد التحالف الذي تقوده السعودية، للإعلان عن خطط للاستجابة الإنسانية، بالترافق مع تكثيف المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، جهوده الرامية لإعادة الأطراف اليمنية إلى طاولة المفاوضات، الأمر الذي يثير شكوكاً في بعض الأوساط اليمنية، في ظلّ تعقيدات الأزمة المتداخلة، عسكرياً وأمنياً وسياسياً، وتجارب جولات المفاوضات، التي ما كادت أن تنتهي في مراحل سابقة حتى تعود الحرب بوتيرة أشدّ.

وبعد يوم واحد من اجتماع جدة لوزراء خارجية دول "منظمة التعاون الإسلامي" لبحث استهداف جماعة أنصار الله (الحوثيين)، للأراضي السعودية بصواريخ بالستية، استضافت الرياض، أمس الإثنين، اجتماعاً لوزراء خارجية دول التحالف الذي تقوده الرياض. وقالت مصادر قريبة من الحكومة الشرعية لـ"العربي الجديد"، إن الاجتماع جرت الدعوة إليه كغطاء للإعلان عن خطة إنسانية شاملة في اليمن، كتجاوب سريع ولافت مع الدعوة التي أطلقتها الأمم المتحدة لتمويل خطة إنسانية بمبلغ 2.96 مليار دولار أميركي.

وأعلنت السعودية، أمس، عن "مساعدة إنسانية جديدة" تبلغ 1.5 مليار دولار وعن عملية لزيادة قدرة مرافئ اليمن الذي يشهد حرباً ويخضع لحصار. وأعلن التحالف، في بيان عقب اجتماع لوزراء خارجيته، إقامة جسر جوي بين الرياض ومحافظة مأرب (وسط اليمن)، يتمثّل برحلات يومية لطائرات النقل العسكري "سي 130" التي ستنقل المساعدة الإنسانية.

وكانت الرياض أعلنت للمرة الأولى، عن خطة للاستجابة الإنسانية في اليمن، خلال زيارة السفير السعودي في اليمن، ومسؤول ملف الإعمار، محمد آل جابر، إلى مدينة عدن، جنوبي البلاد، أواخر الأسبوع الماضي، بعد يوم واحد من الإعلان عن وديعة سعودية في البنك المركزي اليمني بملياري دولار لإنقاذ العملة المحلية، وبالتزامن مع تراجع لهجة الحديث عن "الحسم العسكري" ضد الحوثيين، والتي كانت سائدة خلال الأشهر الماضية، وخصوصاً بعد استهداف الجماعة للرياض بصاروخين بالستيين، في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول الماضيين. 

وجاء الاجتماع الذي انعقد في الرياض بعد يوم واحد من إطلاق الأمم المتحدة وشركاء العمل الإنساني "خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام 2018". وقال مكتب الأمم المتحدة في صنعاء، في بيان حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، إن الخطة تتطلب 2.96 مليار دولار أميركي لتقديم مساعدات منقذة للأرواح تصل إلى 13.1 مليون شخص. وأضاف البيان أن الصراع المتصاعد منذ ثلاث سنوات أدى إلى تحويل اليمن إلى أسوأ أزمة إنسانية من صنع البشر في العصر الحالي، وأنّ ثلاثة أرباع السكان (22.2 مليون يمني)، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بمن فيهم 11.3 مليون شخص يحتاجون لمساعدة عاجلة للبقاء على قيد الحياة.


وهذه ليست المرة الأولى التي تطلق فيها الأمم المتحدة خطة للاستجابة الإنسانية، إذ أعلنت في إبريل/ نيسان 2017 عن خطة مماثلة بما يصل إلى ملياري دولار. لكن استجابة التحالف الذي تقوده السعودية جاءت سريعة هذه المرّة بعقد اجتماع في الرياض، الأمر الذي تُطرح معه العديد من التساؤلات عما وراء التجاوب، الذي تزامن أيضاً مع إعلان مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، اختتام زيارة إلى الرياض استمرت أياماً.

وفي السياق، أعلن ولد الشيخ أن جميع الأطراف اليمنية استجابت بشكل إيجابي للجهود الرامية لاستئناف العملية السياسية في البلاد، ودعاها إلى "اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان الظروف السانحة للانخراط بشكل تام في العملية السياسية وبنوايا حسنة"، وذلك في ختام زيارته للرياض، والتي التقى خلالها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ومسؤولين في حكومته، بالإضافة إلى دبلوماسيي الدول الـ19 المعتمدين لدى اليمن بما فيها الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ولقاءات أخرى، أبرزها مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبداللطيف الزياني.

وأكّدت مصادر قريبة من الحكومة الشرعية لـ"العربي الجديد"، أن الجانب الحكومي وخلال اللقاءات مع ولد الشيخ، رحّب بجهود السلام كموقف ثابت، من حيث المبدأ، لكنه تمسّك بموقفه بأن أي عملية سياسية يجب أن تقوم على أساس المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار الوطني، قرار مجلس الأمن 2216)، واستبعد أن يكون هناك قبول بالعودة إلى طاولة التفاوض، ما لم تكن هناك خطوات جدية من الحوثيين بالقبول بالمرجعيات وتنفيذها، كشرط أساسي لـ"بناء الثقة" والعودة إلى المفاوضات.

ويثير الحديث عن استئناف المفاوضات شكوكاً في الأوساط اليمنية، التي ترى أن المعطيات الميدانية والسياسية في البلاد لا تنبي بأي توجه قريب نحو السلام، خصوصاً بعد الأحداث التي شهدتها صنعاء مطلع ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، وقتل خلالها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، كما جعلت من الحوثيين مسيطراً وحيداً على مركز الدولة اليمنية، وفي ظل حالة عدم الثقة بين الأطراف، والتي تجسدها على الأقل حملة التجنيد المستمرة من قبل الحوثيين، في مقابل الأنباء عن استعدادات الشرعية والتحالف لموجة من العمليات العسكرية ضد الحوثيين.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يمكن فصل التغيير الذي طرأ في التصريحات السعودية، من لغة التصعيد العسكري والحسم ضد الحوثيين إلى التركيز على "الاستجابة الإنسانية"، وكذا تصريحات ولد الشيخ، عن نتائج الزيارة التي قام بها معين شريم، نائب المبعوث الأممي، إلى صنعاء، مطلع الشهر الجاري، ولقي خلالها ترحيباً وتشجيعاً واضحاً من قبل الحوثيين. ومن غير المستبعد أن يكون قد حمل إشارة إيجابية للتحالف، من قبل الجماعة، بما في ذلك ما تردّد عن إبدائها تجاوباً مع المقترح الخاص بميناء الحديدة، والذي يتضمّن تسلميه إلى طرف ثالث تحت إشراف الأمم المتحدة، مقابل وقف تصعيد التحالف في الساحل الغربي للبلاد.

الجدير بالذكر أن وتيرة المواجهات الميدانية بين قوات الشرعية والحوثيين تراجعت في أغلب الجبهات، منذ أسبوعين على الأقل، بالتزامن مع عودة جهود الأمم المتحدة الرامية لاستئناف عملية السلام. ومع ذلك، تبقى فرص توجه البلاد نحو عملية تفاوضية تنهي الحرب المأساوية المستمرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، هي الأضعف حظاً، على الأقل مقارنة بمحطات سياسية سابقة، أبرزها مشاورات الكويت خلال العام 2016، والتي ما كادت تنتهي، حتى عادت الحرب بوتيرة أكبر من ذي قبل.