"خطة الجنرالات"... لتفريغ محافظتي غزة والشمال

20 سبتمبر 2024
من الدمار في مخيم جباليا، 31 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -

تصاعد الحديث في الأوساط الإسرائيلية أخيراً، عن "خطة الجنرالات" لاحتلال محافظتي غزة والشمال في القطاع، وإفراغهما من السكان، وشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف من تبقّى في المنطقتين من عناصر المقاومة الفلسطينية وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة يمنع الوصول إليها أو البقاء فيها. ويُقدّر عدد السكان المتبقين في مدينة غزة وشمالها حالياً بنحو 300 ألف مواطن بعد أن رفضوا مغادرتها مراراً، على الرغم من ضراوة القصف الإسرائيلي والعمليات البرية التي طاولت مختلف تلك المناطق منذ بداية حرب الإبادة على القطاع، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما تبعه من عملية برية بدأت في 27 أكتوبر، وعمليات التجويع والترهيب المستمرة.

"خطة الجنرالات" تعود للواجهة

ومع تداول "خطة الجنرالات" بشكل كبير عبر تسريبات إعلامية إسرائيلية وتصريحات "للجنرالات" السابقين في المؤسسة العسكرية للاحتلال، وجّه 27 وزيراً وعضواً في الكنيست الإسرائيلي، أول من أمس الأربعاء، رسالة إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مطالبين بعقد المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (كابينت) لتبنّي خطة الجنرالات التي تشمل إخلاء شمال غزة ومنع وصول المساعدات الإنسانية إليه، والإعلان عنه منطقة عسكرية مغلقة.

رفض 300 ألف مواطن مغادرة مدينة غزة وشمال القطاع رغم حرب الإبادة

وتشمل الخطة مراحل عدة، منها إخلاء ما تبقّى من السكان في شمال قطاع غزة إلى الجنوب (جنوب محور نتساريم ووادي غزة)، وتطويق المنطقة التي يُجلى المواطنون منها وإعلانها منطقة عسكرية مغلقة، ومنع الإمدادات عنها إلى "تطهيرها وهزيمة الإرهابيين المتبقين في المنطقة المُخلاة، في موازاة ممارسة ضغط عسكري مكثّف. وبعد تنفيذ الخطة في هذه المنطقة، يمكن التوجّه وتنفيذها في أجزاء أخرى من القطاع".

وتعيد الخطة من جديد إمكانية تهجير أهالي القطاع منه، في ظل تصاعد الأصوات اليمينية والمحسوبة على الائتلاف الحاكم المطالب بتنفيذها، حيث تتركز غالبية سكان القطاع في المنطقة من الزوايدة (وسط) حتى مواصي رفح (جنوباً)، في ظل عمليات النزوح المستمرة التي عاشتها غالبية أهالي غزة منذ بداية الإبادة.

وتعتبر منطقة شمالي القطاع ومدينة غزة من المناطق التي تعرضت لأساليب عدة من الإبادة الجماعية، كان أبرزها سلاح التجويع ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، علاوة عن عمليات الاعتقال التي كانت تترافق مع العمليات البرية، إلى جانب تدمير المستشفيات والبنية التحتية وعمليات القصف الجوي المركزة. واعتمد الاحتلال منذ بداية الحرب على أسلوب القصف العشوائي أو ما يعرف بـ"السجادي" لتدمير الأحياء، وتسهيل حركة قواته البرية، وإحباط أي مقاومة في الأمتار الأولى من العمليات البرّية للمقاومة، وهو ما أفضى إلى حركة دائمة للسكان وعمليات نزوح متكررة سواء شمالي القطاع ومدينة غزة أو بقية مدن القطاع.

وقال المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الأفكار غالبيتها مطروحة منذ عام 1948، والاحتلال مارس التهجير على مدار عقود الصراع، غير أن الشعب الفلسطيني يتصدى لها". وبحسب المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الاحتلال سيفشل تماماً، لا سيما مع وجود قرارات أممية جديدة بإنهاء الوجود الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وهو أمر سيعزز من تراجع الاحتلال في ضوء حالة الصمود الفلسطيني وفاتورة الدم التي يدفعها الفلسطينيون دفاعاً عن أرضهم. وأشار إلى أن الاحتلال حاول منذ عام كامل إفراغ محافظتي غزة والشمال من السكان عبر الإبادة التي ارتكبها علاوة عن دعوته أهالي هاتين المنطقتين للتهجير خلال تلك الفترة ومغادرة أحيائهم ومنازلهم التي كانوا يتواجدون بها، غير أن النتيجة كانت أن 700 ألف نسمة رفضوا هذه الدعوة وبقوا لفترة طويلة بها.

تتركز غالبية سكان القطاع في المنطقة من الزوايدة وسط القطاع، حتى مواصي رفح جنوباً

وشنّ الاحتلال الإسرائيلي عمليات برّية استهدفت محافظتي غزة والشمال، كان أبرزها معركتي جباليا والزيتون وتل الهوى والشيخ رضوان، غير أنه سرعان ما انسحب من تلك المناطق بعد أسابيع عدة، في ظل المقاومة الشرسة التي كانت تطاوله وتكبده خسائر كبيرة في الجنود والضباط المشاركين في تلك المعارك.

رؤيتان للجيش ونتنياهو

من جهته، قال المدير العام لمركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، أحمد الطناني، إن جزءاً من الخطط التي يتم الإفصاح عنها مرتبط بحالة المناكفة بين المستويين السياسي والأمني في دولة الاحتلال الإسرائيلي، فالجيش له رؤية مختلفة تماماً وفي أجزاء كبيرة تتناقض مع رؤية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحكومته لمستقبل الحرب في قطاع غزة وترتيب الأولويات، والشكل الأجدى لهندسة اليوم التالي، وحتى عناوين الانسحاب من القطاع والتمسك بالبقاء في محور صلاح الدين (فيلادلفي) من عدمه.

إسماعيل الثوابتة: الاحتلال سيفشل في خططه، لا سيما مع وجود قرارات أممية جديدة بإنهاء وجوده على الأراضي الفلسطينية

وأضاف الطناني لـ"العربي الجديد"، أن أحد عناوين الخلاف هو عنوان التعامل مع شمال قطاع غزة والخطط المستقبلية له، في الوقت الذي يريد نتنياهو من الجيش أن يتولى التواصل المباشر مع السكان وتوزيع المساعدات، يرى الجيش في هذه الخطوة مخاطرة كبيرة، إضافة إلى تكلفة مضاعفة، وهروباً من الحكومة من الاستحقاق الحقيقي لليوم التالي، والذي يتطلب من وجهة نظر الجيش أن تُنجز ترتيباته بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، وهو ما ينسجم مع الرؤية الأميركية والدول الحليفة في الإقليم. وأشار إلى أن هذا الخلاف يؤدي إلى حالة من السجالات بين المستويين العسكري والسياسي، مضافة إلى الترويج الدائم من قبل الصهيونية الدينية لأفكار حول إعادة الاستيطان إلى القطاع، بداية من شمال غزة، وهي أفكار بعيدة كل البعد عن الواقع.

وبحسب الطناني، فإن الاحتلال يرى في شمال القطاع المكان الأمثل لتطبيق نماذج عملية حول إمكانية بناء نظام محلي متعاون مع الاحتلال، سواء عبر خطط الفقاعات الإنسانية، أو غيرها، إذ إن تمرير نموذج مشابه على عدد يتراوح حول الـ500 ألف شخص تعرضوا لشتى أنواع الدمار والقتل والحصار في بقعة جغرافية محددة تعرضت فيها كل أشكال السيطرة الحكومية والفصائلية لضربات مركزة وكبيرة، سيكون أسهل وأسلس من محاولة تطبيق مثل هذا النموذج على مليون و700 ألف شخص في جنوب القطاع. ولفت الطناني إلى أن الاحتلال يحتاج لأن يبقى سكان الشمال في مكانهم، ليستكمل محاولات تمرير صيغ تعطي نموذجاً يمكن البناء عليه لشكل "اليوم التالي" وفق محددات نتنياهو وهو ما يتناقض مع كل ما يروج من خطة الجنرالات أو خطط كبرى لإعادة الضغط الأقصى لتهجير من تبقى من سكان شمال قطاع غزة إلى جنوبه، واستكمال عمليات التدمير الواسعة لهذه البقعة الجغرافية.

المساهمون