في ظل تحذيرات من خطورة إسهامها في زيادة فرص محاسبة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، أعلن وزير العدل الإسرائيلي الجديد يريف ليفين خطته الهادفة إلى إعادة صياغة الجهاز القضائي عبر تقليص صلاحيات المحكمة العليا وزيادة تأثير الحكومة على توجهات المؤسسات القضائية.
وفي مؤتمر صحافي عقده مساء أمس، أكد ليفين أن خطته تتضمن تمرير قانون "التغلب"، الذي يمنع المحكمة العليا من إلغاء القوانين التي يسنها الكنيست ويجردها من قدرتها على إبطال القرارات الحكومية عبر استخدام "حجة عدم المعقولية".
ويسمح قانون "التغلب" للمحكمة العليا بإلغاء القوانين التي يسنها "الكنيست" فقط في حالة صدور القرار بعد اجتماع المحكمة، التي تضم 15 قاضيا، بكامل هيئاتها، وحصل القرار على أغلبية خاصة؛ حيث قدرت محافل سياسية أن "الأغلبية الخاصة" تعني أن يصوت 12 قاضيا لصالح القرار.
وتتضمن خطة ليفين "الإصلاحية" اضطلاع الحكومة بدور حاسم في اختيار القضاة عبر إعادة تشكيل اللجنة المسؤولة عن اختيارهم، من خلال منح الحكومة والكنيست تمثيلا مساويا لتمثيل الجهاز القضائي في اللجنة.
وترمي إعادة تشكيل اللجنة المسؤولة عن اختيار القضاة إلى منح المستوى السياسي القدرة على تحديد هوية القضاة، من أعضاء هيئة المحكمة العليا وهئيات المحاكم الأخرى.
إلى جانب ذلك، فإن "إصلاحات" ليفين تتضمن أن يتولى السياسيون اختيار المستشارين القضائيين للحكومة والكنيست والهيئات الحكومية.
وأوضح ليفين أن المستشارين القضائيين، وتحديداً المستشار القضائي للحكومة، يجب أن يعبّر أمام المحافل القضائية عن رأي الحكومة وليس اجتهاده الشخصي.
وتحظى "إصلاحات" ليفين بدعم الأحزاب المشاركة في الحكومة الإسرائيلية الجديدة لأنها تخدم التوجهات الأيديولوجية والمصالح السياسية لهذه الأحزاب والاعتبارات الشخصية لقادتها.
وتراهن قوى اليمين الديني على تجريد المحكمة العليا من صلاحية إبطال القوانين التي يصدرها الكنيست في تمكينه من سن قوانين عنصرية ضد فلسطينيي الداخل وقوانين تحسن من قدرة إسرائيل على إحكام سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتولي الأحزاب الدينية الحريدية بشكل خاص اهتماماً بتجريد المحكمة من صلاحية إلغاء القوانين التي يسنها الكنيست، على اعتبار أن هذا التطور يسمح لهذه الأحزاب بسن المزيد من القوانين التي تغلب الطابع الديني على الطابع "الديمقراطي للدولة.
وتخدم "الإصلاحات" الجديدة المصالح الشخصية لكبار المسؤولين في الحكومة الجديدة، وتحديداً رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والقائم بأعماله ووزير الداخلية والصحة الحاخام آريي درعي، فحرمان المحكمة العليا من إبطال قوانين الكنيست يعني تمهيد الطريق أمام سن مشروع القانون "الفرنسي"، وهو مشروع القانون الذي ينص على إعفاء رئيس الحكومة والوزراء والنواب من المحاكمة طالما كانوا يمارسون مهامهم الشخصية.
ويعد تمرير القانون "الفرنسي" فرصة نتنياهو، الذي يحاكم في قضايا فساد خطيرة، الوحيدة للإفلات من السجن.
في الوقت ذاته، فإن إلغاء حق المحكمة العليا في إبطال قرارات الحكومة عبر استخدام "حجة عدم المعقولية" سيسمح بتحييد تأثير قرار المستشارة القضائية للحكومة جالي ميارا التي اعتبرت أن تعيين درعي وزيرا في الحكومة الجديدة باطلا من ناحية قانونية لأنه صدر بحقه حكم بالسجن مع وقف التنفيذ بعد إدانته بالتهرب الضريبي.
وحسب ليفين، فإنه سيكون بوسع الكنيست تمرير قانون "التغلب" الذي سيكون قانونا "أساسيا" بأغلبية 61 نائباً فقط من أصل 120 نائباً، هم العدد الإجمالي لنواب الكنيست.
من ناحية ثانية، نقلت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية "كان" الليلة الماضية عن محافل حكومية إسرائيلية قولها إن المس بصلاحيات المحكمة العليا يمكن أن يزيد من فرص محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في التهم التي توجه لها بممارسة جرائم حرب.
وحذرت هذه المحافل من أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير بتفويض محكمة العدل الدولية النظر في تحديد مكانة الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة سيزيد من خطورة "إصلاحات" ليفين.
وأبرزت القناة حقيقة أن إسرائيل كانت دائما تعترض على تدخل المحافل القضائية الدولية في سلوكها في الأراضي المحتلة، بزعم أن لديها جهازا قضائيا مستقلا يمكنه "إصلاح الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الجيش".
وعدّت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر اليوم الخميس خطة "ليفين" تمثل "انقلابا على نظام الحكم".
ووصف رئيس الوزراء السابق يئير لبيد خطة ليفين بأنها "تمثل رسالة تهديد للجهاز القضائي"، لإجباره على التوافق مع قرارات الحكومة.
وبحسب "ذا غارديان" البريطانية، إن الإصلاح المخطط له أثار بالفعل انتقادات شديدة من المدعي العام الإسرائيلي والمعارضة الإسرائيلية، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانا سيتمكنان من منع الحكومة اليمينية المتطرفة من المضي به قدما.
رئيس الوزراء السابق ورئيس المعارضة، يئير لبيد، أكد أنه سيحارب التغييرات "بكل طريقة ممكنة"، متعهداً بإلغائها إن عاد إلى السلطة. وقال: "أولئك الذين ينفذون انقلاباً أحادي الجانب في إسرائيل يحتاجون إلى معرفة أننا لسنا ملزمين به بأي شكل من الأشكال".
وتقول "ذا غارديان" إنه إذا تم تمرير "بند الاستثناء" الذي اقترحه ليفين، فإنه يخدم حلفاء نتنياهو المتطرفين الذين يأملون إلغاء أحكام المحكمة العليا التي تحظر البؤر الاستيطانية الإسرائيلية على أراض فلسطينية "خاصة" في الضفة الغربية المحتلة، ويتطلعون إلى السماح بالاحتجاز المطول لطالبي اللجوء الأفارقة، وجعل استبعاد المتدينين المتشددين من الخدمة العسكرية الإلزامية رسمياً.
في إسرائيل، يتم تعيين قضاة المحكمة العليا وعزلهم من قبل لجنة مكونة من مهنيين ومشرعين وبعض القضاة، وتسعى خطة ليفين إلى منح المشرعين أغلبية في اللجنة، حيث يأتي معظمهم من الائتلاف الحاكم اليميني والمحافظ دينياً.
وتنقل "ذا غارديان" عن الباحث في معهد إسرائيل للديمقراطية في القدس (مؤسسة فكرية) أمير فوكس، قوله: "ستكون ديمقراطية فارغة". "عندما تتمتع الحكومة بالسلطة المطلقة، فإنها ستستخدم هذه القوة ليس فقط في قضايا حقوق المثليين وطالبي اللجوء، ولكن أيضاً في الانتخابات وحرية التعبير وأي شيء تريده".
ولفتت الصحيفة، في تقرير، إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أجراها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، بيّنت أن غالبية المستطلعين يعتقدون أن المحكمة العليا يجب أن تتمتع بسلطة إلغاء القوانين التي تتعارض مع القانون الأساسي لإسرائيل.
وفي خطاب ألقاه، يوم الأربعاء، قبل إعلان ليفين، بدا أن نتنياهو يدعم وزير العدل من خلال تعهده بـ "تنفيذ إصلاحات من شأنها ضمان التوازن المناسب بين السلطات الثلاث للحكومة".
وأوضحت "ذا غارديان" أنه منذ توجيه اتهامات بالفساد، شن نتنياهو حملة ضد "نظام العدالة". وهو ينفي جميع التهم، قائلا إنه ضحية مطاردة ساحرة دبرتها وسائل إعلام معادية وشرطة ومدّعون عامون، ونقلت عن ليفين قوله إن خطته "ليست مرتبطة بأي شكل من الأشكال" بمحاكمة نتنياهو.
وقبل ساعات من خطاب ليفين، أعلنت المدعية العامة، غالي باهراف ميارا، المستهدفة بشكل رئيسي من الحكومة الجديدة، معارضتها للتعيين الوزاري لأحد شركاء نتنياهو الرئيسيين في الائتلاف الذي أدين بارتكاب جرائم ضريبية. ومن المتوقع أن تنظر المحكمة العليا، اليوم الخميس، في التماسات ضد شغل أرييه درعي منصب وزير.
وبعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، وأسابيع من المفاوضات مع الأحزاب الدينية المتشددة واليمينية المتطرفة، شكل نتنياهو الأسبوع الماضي الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ البلاد.