يعيش الليبيون على وقع ترقب لما تحمله الأيام المقبلة لبلادهم، خصوصاً مع ارتفاع فرص تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في ظل جهود لافتة تقوم بها المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة للشأن الليبي ستيفاني وليامز، بانتظار أن تعلن عن خطتها حول العملية الانتخابية، يوم الاثنين المقبل، بحسب ما كشف عنه رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في تصريحات تلفزيونية ليل الجمعة الماضي.
وأشار المشري إلى أنها تتبنى رؤية، ملخصها تأجيل الانتخابات إلى أقصى حدّ ممكن، "لكن لا يتجاوز يوم 21 يونيو/ حزيران المقبل".
عادت المحادثات واللقاءات بين محافظي البنك المركزي في طرابلس والبيضاء بشكل مفاجئ
وبعد لقاءات كثيفة في طرابلس جمعتها مع أغلب مسؤوليها، مروراً بمصراتة وسرت، للقاء قادة سياسيين وعسكريين، وصلت وليامز إلى بنغازي، أمس الأول الجمعة، والتقت فيها عدداً من المسؤولين أيضاً، لتلخص نتيجتها بقولها، عبر تغريدة على حسابها، إنها ناقشت العملية الانتخابية، واستمعت لمقترحات حول الإصلاحات الاقتصادية، والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية.
تفكيك مسار الحل في ليبيا
وما من شك في أن وليامز تهدف من خلال حملة زياراتها الكثيفة لكل الأطراف، إلى طرح رؤيتها للعملية الانتخابية، التي ترتفع فرص تأجيلها. لكن بات جلياً أن خطتها أشمل من موضوع الانتخابات، وتهدف إلى تفكيك مسار الحل الليبي، وإرجاعه إلى مساراته الثلاثة، بإحياء المسارين الاقتصادي والعسكري إلى جانب السياسي لـ"تخفيف العبء على المسار السياسي"، وفقاً لدبلوماسي ليبي تحدث في وقت سابق لـ"العربي الجديد".
وأشار الدبلوماسي إلى أن تفعيل المسارين العسكري والاقتصادي "سيدفع بالمؤثرين الخارجيين الحاليين في المسار الانتخابي إلى الانشغال بالبحث عن تموضعات جديدة، في مستجدات المسارين، بدلاً من التعويل على التموضع عبر حلفائهم في المسار الانتخابي".
ويبدو أن جهود تمرير خطة وليامز تسير بصمت في خلفيات كواليس الأحداث. فبالإضافة إلى ثنائها على اللقاء الذي جمع رئيس أركان الجيش التابع للحكومة الفريق محمد الحداد بالفريق عبد الرزاق الناظوري، القائد المكلف بقيادة مليشيات خليفة حفتر، ومطالبتها لعدد من القادة العسكريين في مصراتة بالبناء على هذه الخطوة من أجل توحيد المؤسسة العسكرية، يبدو أن انعكاس تنشيط المسار العسكري ظهر أيضاً في الجنوب، وتحديداً مدينة سبها، بعدما عاشت توتراً واشتباكات بين قوة عسكرية بالمدينة تتبع وزارة الداخلية بالحكومة ومليشيات حفتر.
وأُعلن، خلال الساعات الماضية، عن توصل الطرفين إلى اتفاق يقضي بتسليم الكتيبة 116، التابعة لمديرية أمن سبها، آلياتها ومعداتها لمليشيات حفتر، وخروج قادتها من المدينة، تجنباً لتصعيد عسكري أكبر.
وعلى الرغم من أن الإعلان عن الاتفاق في سبها جاء من جانب قيادة حفتر، وأنه تم "بتدخل أعيان وحكماء القبائل بسبها"، وانتهى ببدء تسليم الكتيبة 116 معداتها وأسلحتها لمليشيات حفتر ومغادرة قادتها للمدينة، إلا أن عدم وضوح موقف الحكومة من الاتفاق في سبها يشي بإمكانية انخراطها فيه بشكل غير معلن.
ولم يصدر عن الحكومة أي بيان حيال تسليم الكتيبة، التابعة لها، لمعداتها وأسلحتها لمليشيات حفتر، التي كانت قبل أيام تستنكر اعتداءها المسلح على بعض العربات التي أرسلتها لمديرية أمن سبها.
محادثات بشأن المسار الاقتصادي
وفي سياق المسار الاقتصادي، عادت المحادثات واللقاءات بين محافظي البنك المركزي في طرابلس، الصديق الكبير، وفي البيضاء شرق البلاد، علي الحبري، بشكل مفاجئ بعد تراجعها لعدة أشهر.
الجيلاني ازهيمة: عمل وليامز في إعادة تفكيك مسارات الحل وتنشيطها يلقى قبولاً في الخارج
فقد صرح الحبري، لوسائل إعلام ليبية الخميس الماضي، عن اجتماعات أجراها مع الصديق الكبير، بمشاركة وليامز، "لبحث سير عملية توحيد مصرف ليبيا المركزي". ويوم أمس الأول أصدرت مجموعة العمل الاقتصادية الدولية، المنبثقة عن المسار الاقتصادي، بياناً كشفت فيه عن مشاركة وليامز في اجتماع للمجموعة، بشأن بحث رؤية المجموعة في المسار الحاصل بشأن توحيد المصرف المركزي.
ومن المتوقع أن يعلن قريباً عن المزيد من الخطوات في المسارين، مقابل جمود واضح في المسار السياسي، وخصوصاً في ملف الانتخابات. إلا أن الباحث الليبي في الشأن السياسي الجيلاني ازهيمة، لفت إلى جانب آخر يتعلق بصمت الأطراف الخارجية المتنافسة في ملف الانتخابات، ما يشعر، بحسب رأيه، بأن عمل وليامز في إعادة تفكيك مسارات الحل وتنشيطها يلقى قبولاً في الخارج.
وأضاف ازهيمة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يبدو أن عملها هذا خلق براحاً (مساحة) جديداً لإمكانية حصول الأطراف الخارجية على ضمانات لمصالحها، لم تكن لتحصل عليها عبر الانتخابات، من خلال إعادة ترتيب المشهد، سواء عبر دفع المسار العسكري لتحقيق تقدم أكثر عسكري أو اقتصادي قبل الحسم السياسي من خلال الانتخابات". وأشار إلى أن هذا ما عناه المشري، في تصريحاته ليل الجمعة، بوجود "تسويات إقليمية" تهدف إلى حل المختنقات الليبية.
عودة المسارين العسكري والاقتصادي
ورأى ازهيمة أن عودة المسارين، العسكري والاقتصادي، للنشاط والحركة مهم في هذه المرحلة. وأضاف أنه "من المهم الوصول إلى نتائج في المسار الاقتصادي، بالنسبة لذوي المصلحة من الخارج في ملفين مهمين، وهما النفط وإعادة إعمار البلاد، وهو ما يستدعي حصول ضمانات على وجود توازن عسكري".
واعتبر أن الاهتمام الخارجي بالانتخابات، وإنتاج سلطة جديدة، يهدف إلى الحصول على مكاسب على الصعيد الاقتصادي. وقال: "لذا كان هناك ترحيب، وإقبال على المقاربة الاقتصادية للحل في ليبيا التي انتهجها رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، لكنها فشلت بسبب عدم قدرته على التعامل مع معسكر حفتر كونه أمراً واقعاً".
لكن رئيس حزب الائتلاف الإصلاحي، شعبان بن نور، رأى أن وليامز تهدف إلى خلط المسارات وليس تفكيكها. واعتبر أنه "لو وافقت الأطراف على تمديد فترة الانتخابات حتى يونيو المقبل، فهو وقت ضيق لتحقيق خطوات في المسارين العسكري والاقتصادي. وبالتالي فهي تسير في هذا الاتجاه لإرسال تطمينات للجوار الليبي الإقليمي، وفي الوقت نفسه ستمرر ما تهدف إليه العواصم التي تقف وراءها من خلال الانتخابات، بداعي أن يونيو آخر أجل في خريطة الطريق".
شعبان بن نور: وليامز تهدف إلى خلط المسارات وليس تفكيكها
واعتبر بن نور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن صعوبات جمّة تواجه جهود وليامز، وعلى رأسها وضوح أنها تمثّل مصالح الغرب، وتحديداً واشنطن، تحت غطاء أممي. وقال: "سيكون عليها توقع مفاجآت ليبية اعتاد عليها الجميع. فهدف الغرب وواشنطن تحجيم الوجود الروسي في المنطقة. ولا يخفى أن موسكو لديها أوراقها في ليبيا التي يمكن أن تعرقل بها مثل هذه الخطط. وبالتالي فإن فشل العملية الانتخابية متوقع تبعاً لفشل خطط وليامز".
منع سيف الإسلام القذافي من بناء جبهة عسكرية
ورجح بن نور أن الأحداث في الجنوب تقع وسط توافق أغلب الأطراف الليبية مع عواصم غربية على ضرورة إقصاء وإبعاد سيف الإسلام القذافي، ومنعه من بناء جبهة عسكرية في الجنوب، الذي يمثل حاضنة قبلية كبيرة له.
وقال إن "أحداث سبها، والاتفاق فيها، جاء بسبب توحد المصالح، على الرغم من الخلافات الكبيرة بين معسكر غرب البلاد ومعسكر حفتر". وأضاف: "هنا أتحدث عن موسكو، الطرف الهام في المعادلة الليبية بالنسبة للخارج، والتي تمكنت من خلق وضع مغاير في الجنوب، من خلال الدفع بسيف الإسلام القذافي ومفاجأة الجميع به، خصوصاً أن الداخل والخارج لا يمتلكون استراتيجية للتعامل معه ويرفضونه".
وعلّق بن نور على تصريحات المشري بشأن وجود تسويات إقليمية تدفع باتجاه إنقاذ العملية الانتخابية. وقال إن "المشري اتهم سفارات أجنبية بالتدخل السافر في العملية الانتخابية، وفي ذات الوقت يتحدث عن تسوية إقليمية لإنقاذ الانتخابات".
وأضاف: "تصريحه ليس متناقضاً بقدر ما يعكس شكل التنفذ الخارجي. ففي مقابل تقاربات إقليمية بين بعض الأطراف تستثمرها وليامز لتنفيذ خططها، يوجد تأثير مباشر في الملف الليبي للتنافس الحاصل في ملفات كبرى يتصادم فيها الغرب مع روسيا، كملف أوكرانيا". وأعرب عن اعتقاده بفشل مساعي وليامز.
وأوضح أنه "بفعل هذا الصراع الخارجي ستفشل مساعي وليامز، حتى وإن وافقت الأطراف الليبية على آجال جديدة للانتخابات. فالوقت ما يزال طويلاً لتتغير فيه الكثير من الأحداث الدولية المتسارعة قبل أن نصل إلى يونيو".