خرجت الصراعات داخل هيئة الانتخابات في تونس، أخيراً، إلى العلن، كاشفة عن خلافات تدور حول علاقة أعضائها بالرئيس قيس سعيد، واتهامات بالبحث عن موالاته والتقرب إليه، وذلك مع انطلاق حملة الاستفتاء على الدستور الجديد، في 25 يوليو/تموز الحالي، والذي يراهن عليه سعيد لتثبيت حكمه.
وانطلق أمس، الأحد، أول أيام الحملة الدعائية للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، الذي نشر نصّه بالرائد الرسمي للجمهورية التونسيّة مساء الخميس الماضي. وتستمر الحملة حتى 23 يوليو، ووصف مراقبو الشأن الانتخابي انطلاقتها بالباهتة والمتعثرة.
في السياق، نشر عضو الهيئة سامي بن سلامة سلسلة من التدوينات على "فيسبوك"، قبل يومين، اتهم فيها رئيس الهيئة فاروق بوعسكر وأربعة من أعضائها بالسعي لعزله بعد كشفه تعمّد تعطيل المدير التنفيذي للهيئة عملية التسجيل عن بعد والقيام بالتسجيل الآلي للناخبين في مراكز بعيدة.
واتهم بن سلامة رئيس الهيئة والأعضاء بالسعي إلى إفشال الاستفتاء، من خلال هذه الخطوة، وفق تقديره.
وأوضح بن سلامة أنّ هذه الخطوة تأتي بعد كشف ذلك في اجتماع وفرضه إصلاح الوضع، مشيراً إلى أنّهم يريدون التستّر على هذا الموضوع بدعوى أنّه من أسرار الهيئة، رغم خطورته، حسب نصّ التدوينة.
وأكّد أنّهم "بهذا التصرّف فتحوا باب المواجهة ورفعوا عنه الحرج"، مشيراً إلى أنّه لا يخشى ''التهديد'' ولا يخاف ضياع الامتيازات، على عكسهم، حسب تقديره.
وقال إنّه ليس مثلهم فهم يعوّلون على ''أصحاب في السلطة''، في إشارة للرئيس قيس سعيّد، الذي يعتقد أنّه لا يمكن أن يساند تخريب المسار، ولا على من هم في المعارضة، معتبراً أنّ لهم صلات بها، وفق ما جاء في التدوينة.
وفي تدوينة أخرى، وجّه بن سلامة اتهامات مباشرة لبوعسكر وعضو الهيئة التليلي المنصري، بتعيينهما من حزب "النهضة" في المجلس السابق، معتبراً أن "غالبية المعينين لا كفاءة لهم، وأن سعيد غير مسؤول عن تعيينهم".
وقال إن "الرئيس اختاره هو فقط بشكل مباشر، والبقية مقترحون من جهات أخرى".
وتعمل هيئة الانتخابات (6 أعضاء فقط) منقوصة من عضو بعد استقالة القاضي الحبيب الربعي في 13 يونيو/حزيران تضامناًَ مع القضاة المعفيين.
وتعمل الهيئة وسط ضغط عال وغير مسبوق بسبب ضغط آجال الاستفتاء بعد 3 أسابيع ودقة الوضع السياسي المتأزم ووسط اتهامات لها من قبل المعارضين للانقلاب بأنها هيئة غير مستقلة وموالية لسعيد.
ورأى عضو الهيئة الحالية، الرئيس الأسبق لهيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما صدر عن بن سلامة يسيء للهيئة ويمس صورتها في عمق مسار الاستفتاء، وهي تصريحات من شأنها أن تربك عمل الهيئة في هذه المرحلة الدقيقة".
وقال المنصري إن "هذه التصريحات صادرة عن عضو مطالب باحترام زملائه وبواجب التحفظ وبالحياد والاستقلالية".
وفي رده على اتهامات بن سلامة له بالولاء لحزب "النهضة"، قال المنصري "أنا عضو منتخب منذ 2017 من طرف كل الكتل النيابية، وشاركت في كامل المحطات الانتخابية وأشرفت على الانتخابات المحلية البلدية كرئيس للهيئة سنة 2018، وكل الأعمال والتقارير وقبول النتائج تثبت الحيادية والاستقلالية والنزاهة"، بحسب تعبيره.
وشدد المنصري على "ضرورة تحمل العضو سامي بن سلامة كامل المسؤولية القانونية عن الاتهامات الباطلة وعن الإشاعات والمغالطات التي صرح بها تجاه رئيس وأعضاء المجلس وتجاه الإدارة وتجاه كامل المسار".
وفي السياق، قال الخبير الدولي في الشأن الانتخابي، الرئيس السابق لمنظمة مراقبون الانتخابية محمد مرزوق، في تعليق لـ"العربي الجديد"، إن "الخلاف داخل الهيئات المتعاقبة أمر طبيعي فليس هناك هيئة لم تعرف خلافات داخلية منذ 2011".
وبين مرزوق أن "الاختلاف بين خلافات الهيئات السابقة والهيئة اليوم، أن المواقف والكواليس لم تكن منشورة، بينما اختار سامي بن سلامة اليوم نشرها"، مشيراً إلى أنه في "السابق كانت الخلافات شخصية أو حول أراء تقنية، وأما اليوم فنحن إزاء شكل جديد من الخلافات بين أعضاء تتمثل أساسا في مساندة توجيهات الرئيس أو مخالفتها".
وأوضح مرزوق أنه "سابقاً كانت هناك خلافات سياسية، وكانت الخلافات بسبب المرجعية الفكرية أو الولاء السياسي غالباً في الهيئات السابقة أكثر من اليوم، فكان هناك من يريد ديمقراطية على الطريقة الفرنسية والآخر على الطريقة الإنكليزية، وهناك ولاء للسلطة، ولكن السلطة مشتتة بين الرئيس والبرلمان والحكومة وكذلك تأثيرات الأحزاب المتنوعة خلقت توازناً بسبب تنوع واختلاف المؤثرات".
وأشار إلى أن "هذا التوازن فقد اليوم باعتبار العملية تدور حول الرئيس لانفراده بالسلطة، فهناك من يبحث عن الحياد داخل الهيئة، والحياد نسبي كما نعلم، وهناك من يتفادى الوقوع في صدام مع الماسك بالحكم الواحد".
وبين أن "التوازن الذي كان موجوداً سابقاً فُقد، والاختلافات التقنية والبحث عن توافقات داخل الهيئة انتهى"، مشيراً إلى أن "تأثيرات هذا كله على الهيئة ستكون على أدائها ومآلاته على الاستفتاء، ومدى النجاح في العمل التقني الذي تقوم به هو المهم".
وطفت صراعات هيئة الانتخابات على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال عضو هيئة منظمة "أنا يقظ" الرقابية مهاب القروي، على حسابه بفسبوك: "إن ما يحدث في هيئة الانتخابات يؤكد مرة أخرى قناعتنا بأن هذه الهيئة فاقدة للاستقلالية والنزاهة وخاصة الكفاءة، والهيئة بتركيبتها الحالية خطر على مصداقية أي مسار انتخابي".
بدوره، تساءل المتحدث باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري قائلاً "ما معنى التكتل ضد سامي بن سلامة عضو هيئة الانتخابات؟ إنها محاولة لعزله لأنه يكافح الجمود والتكلس والسلبية والنوايا المبيتة".
وقال عضو البرلمان المنحل راشد الخياري، على صفحته على "فيسبوك"، إن هناك "معركة كبيرة داخل مجلس هيئة الانتخابات المشرفة على استفتاء الانقلاب، بعض الجلسات شهدت تشابكاً بالأيدي ونية بعض الأعضاء تتجه نحو الاستقالة".
حزب العمال: مشروع الدستور الجديد جاء على مقاس قيس سعيد
في شأن آخر، قال حزب العمال اليساري في تونس، اليوم الإثنين، إن "مشروع دستور قيس سعيد الجديد جاء كما أراد وعلى قياسه (مقاسه)، وليس لتونس وشعبها"، مشيرًا إلى أن سعيد نسف الأسس المدنية للدولة بإلغاء الفصل الثاني من دستور 2014.
وبحسب ما بين الحزب في بيان، فإن سعيد نزع الضمانات عن ممارسة الحرّيات الفردية والعامة المنصوص عليها في دستور 2014 التي تظاهر بتضمين أغلبها في دستوره، كما قيدها بما "يضبطه القانون"، مع حذف ما جاء في دستور 2014 الذي اشترط ألّا تنال الضوابط القانونية "من جوهر تلك الحريات والحقوق" وألا توضع هذه الضوابط "إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية"، وهو ما يفتح الباب أمام كل التأويلات المعادية للحريات والحقوق ولمبدأ المساواة بين الجنسين.
وشدد الحزب على أن "قيس سعيد نسف أسس الجمهورية كذلك. لقد جعل نفسه فوق كل المؤسسات وصاحب اليد الطولى على كل السلطات بعد أن حولها إلى وظائف وألغى الفصل بينها وجرّدها من أدوارها الرقابية ليفرض عليها هو سطوته ورقابته، كما في الدول الفاشية والدكتاتورية، دون أن يخضع للمساءلة أو المراقبة أو المحاسبة، بل إنه مكّن نفسه من الحصانة أثناء حكمه وبعده".
وقال الحزب إنه بحسب هذا الدستور، فإن "سعيد هو الذي يحدد الخيارات العامة للبلاد، وهو الذي يعيّن الحكومات غير المسؤولة إلا أمامه ولا رقابة عليها إلا من طرفه، وهي محصنة من سحب الثقة إلا منه هو".
وأضاف أن سعيد بات يتولى التشريع بعدما حوّل السلطة التشريعية إلى وظيفة وقسّمها إلى غرفتين مسلوبتي الإرادة، تكرّسان ما يريده، دون معرفة خاصة بدور الغرفة الثانية المتعلقة بالجهات والأقاليم، ودون تحديد كيفية انتخابهما.
وأشار إلى أن القضاء تحوّل إلى وظيفة بعدما جرده سعيد من استقلاليته ومن دوره في حماية الحريات وضمان حقوق الناس، موضحًا أن سعيد هو الذي يعيّن القضاة كما أنه هو الذي يعيّن بصورة غير مباشرة مجلسهم الأعلى، عدا عن إلغائه دسترة المحاماة كركن أساسي في منظومة العدالة.
وخلص الحزب بالقول إن "قيس سعيد لا هو مع مدنية الدولة ولا هو مع الجمهورية وإنما هو مع نظام استبدادي ربّما وجد حرجا في إعلانه سلطنة أو خلافة أو إمارة"، واعتبر أن "مشروع دستور سعيد هو مشروع لتقنين الدكتاتورية والحكم الفردي المطلق، وهو استعادة لفلسفة دستور 1959 ونسف لكل ما هو إيجابي في دستور 2014".
ودعا كل القوى التقدمية السياسية والمدنية والاجتماعية والشخصيات والمثقفين والمبدعين والنساء والشباب لتوحيد الجهود في مواجهة الاستبداد واستعادة الديمقراطية.