كما كان منتظرا، أثار تأجيل موعد القمة الفرنكوفونية التي كان يُفترض انعقادها الشهر القادم في تونس ردود فعل عديدة، وخلّف جدلا بشأن أسبابها الحقيقية ودوافعها، وتداعياتها الممكنة على المشهد التونسي، وأُضيف إليه مساء أمس الأربعاء نبأ تعليق عضوية تونس وتشاد وغينيا من الجمعية البرلمانية الفرنكوفونية بسبب الأوضاع في هذه البلدان.
وكان بيان للمنظمة الفرنكوفونية ذكر، مساء الثلاثاء، أن جلسة غير اعتيادية لمجلسها الدائم انعقدت بعد أسبوعين من مشاورات أجرتها الأمينة العامة، لويز موشيكيوابو، مع السلطات التونسية ودول أخرى حول القمة.
وتوصل المشاركون إلى اتفاق حول ضرورة تأجيل القمة سنة كاملة حتى يسمح لتونس بالإعداد لهذا الموعد في ظروف مثالية، على أن يتم رفع هذه التوصية للاجتماع الوزاري غير الاعتيادي للمنظمة الفرنكوفونية للمصادقة على القرار النهائي.
وأوضحت الخارجية التونسية، مساء أمس الأربعاء، أنها "عبرت في العديد من المناسبات عن جاهزيتها التامة لاحتضان القمة الـ18 للفرنكوفونية بجزيرة جربة خلال هذه السنة، وبذلت جهودا استثنائية على مستوى الإعداد المادي واللوجستي والبنية التحتية لضمان كل مقومات النجاح لهذا الاستحقاق الدولي الهام، وشرعت في بلورة مضامين القمة ومخرجاتها واقتراح ذلك على الدول الأعضاء للتداول في شأنها وفقا للمحاورالمتفق عليها".
ويشير بيان الخارجية التونسية إلى أن أسباب تأجيل القمة لم تكن لوجستية إذاً، وإنما تتعداها إلى تأويلات أخرى من بينها الأوضاع السياسية.
تفسيرات خلفيات التأجيل جاءت من كندا، حيث ذكرت وزارة الخارجية الكندية: "نبقى منشغلين بالوضع السياسي في تونس، خاصة بسبب غياب سقف زمني للعودة السريعة لإطار مؤسساتي يكون للبرلمان دور مهم فيه، وسبق لكندا أن أعربت عن انشغالها لحالة تعليق المؤسسات الديمقراطية".
وأوضحت، في تغريدة نشرها على حسابه بموقع "تويتر" أن "لا علاقة لجائحة كورونا أو التأخير في الاستعدادات بذلك"، وأن "الديمقراطية ودولة القانون وحقوق الأفراد من القيم الأساسية في منظمتنا ورؤساء دولنا وحكوماتنا ملتزمون بالدفاع عنها مثلما تذكرنا بذلك معاهدة باماكو".
وأكدت الخارجية الكندية أنها "ستواصل النظر في هذه المسألة مع شركائها الدوليين، بما في ذلك النظر في خيارات أخرى لمصلحة كل أعضاء الأسرة الفرنكوفونية".
وفي جانب آخر، كان الرئيس الشرفي للمنظمة الفرنكوفونية جان لويس روا، قد كتب مقالاً، منذ أربعة أيام، تم نشره على أعمدة صحيفة "لو دوفوار" الكندية، الذي سبق له أن أدارها، وضح فيه أسباب القرار، وقال إن "هناك جائحة أخرى أصابت تونس في الأشهر الثلاثة الماضية هاجم فيها فيروس الاستبداد قيم الديمقراطية وسيادة القانون والفصل بين السلطات وحقوق الإنسان في تونس... وهناك حرج كبير".
وأضاف: "في القمة سيتم اقتراح قرارات ونصوص وبيانات تحتفي بحرية الإنسان، والقيم الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، وسيتمّ اتخاذ قرارات أخرى تدين مغتصبي السلطة في مالي وغينيا، وتدين كل من يحاول إسقاط الحكومات المنتخبة".
وإلى حد الآن، لم تتحدث السلطات الفرنسية عن موقفها من هذا الملف، وهو ما يبدو غريبا لفرنسا التي تقود الفرنكوفونية، ولكن الثابت أن الموقف الفرنسي متضارب بشأن تطور الأحداث في تونس.
وكان مدير مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي، عدنان منصر، قال، الثلاثاء، لـ"العربي الجديد"، قبل صدور قرار التأجيل: "القمة الفرنكوفونية إن لم تنعقد، فسيكون ذلك نتيجة موقف فرنسي بالأساس"، مبينًا أنه "في السياق الانتخابي الحالي، يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غير متحمس لأن يبقى المساند الوحيد لقيس سعيّد".
واعتبر المحلل السياسي، عبد المنعم المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تأجيل القمة الفرنكوفونية "أجج جدلا بين التونسيين، بين من يعتبره اتفاقا دبلوماسيا لسياسة خارجية متعثرة يقودها الرئيس سعيد، ومن يعتبرها إجراء طبيعيا نظرا للظروف التي تمر بها البلاد، بل إن موقف المنظمين كشف احتراما لسيادة تونس ودبلوماسيتها".
واستدرك بالقول إن "السلبي في الأمر هو تقسيم هذا الحدث للرأي العام الوطني، من خلال تغذية روح التجييش بين مناهضي الفرنكوفونية الذين يعتبرونها وصما وتركة حقبة استعمارية بل وشكلا من أشكال الاستعمار الثقافي للبلاد، ومن جهة أخرى الصف المعادي للموروث الثقافي والحضاري العربي الإسلامي ممن يعتبرون الغرب ملاذهم الوحيد".
وأشار المحلل بالقول: "بعيدا عن مسألة حرب اللغات والمؤامرة الفرنسية للسيطرة على المستعمرات القديمة وجب الوقوف على المكاسب التي يحققها انعقاد القمة على أرض تونس بما يعزز مكانتها ومصداقيتها ويوسع دائرة مصالحها وعلاقاتها مع شركائها، فإن تداعيات إلغاء هذا الحدث على الدبلوماسية التونسية ستكون في مستويات عدة منها جانب اقتصادي مالي وجانب علائقي دبلوماسي".
وتابع المؤدب أن "تونس المثقلة بالديون والمعتمدة على المساعدات الدولية والمعونات الأممية لمجابهة أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة فاقمتها جائحة كورونا، بحاجة ماسة لاحتضان هذا الحدث ولاحتضان أحداث دبلوماسية أخرى، وهي محتاجة لتوطيد علاقاتها مع الجميع دون أن تعلق في محور دون غيره أو تنساق وراء إغراء مقايضة سيادتها".