أعلنت حسابات على موقع "تويتر" قريبة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مسؤولية التنظيم عن الاعتداء، ما يربط تفجير الضاحية بسابقيه اللذين وقعا الأسبوع الفائت في بلدة عرسال، عند الحدود الشرقية بين لبنان سورية. المشترك بين التفجيرات الثلاثة هو استخدام دراجة نارية مفخخة، وهو ما أكده المدعي العام التمييزي في لبنان سمير حمود. وقد استخدم الأسلوب عينه استهداف اجتماع "هيئة علماء القلمون" وآلية للجيش اللبناني.
اقرأ أيضاً: تفجيران انتحاريان إرهابيان في بيروت.. و"داعش" يتبنى
إلا أنّ ما جاء في بيان (المفترض) تبني "داعش" مخالف لكل المعلومات التي عمّمتها مصادر القوى الأمنية اللبنانية، إذ أشار بيان "داعش" إلى أنّ تفجيري برج البراجنة ناجمان عن انتحاري ركن دراجة وفجّرها ثم عاد وفجّر نفسه بين الناس ليلحق أكبر عدد ممكن من الضحايا. أما بيان الجيش فأشار إلى تفجير انتحاريين لنفسيهما في المنطقة بوقت متفاوت، ومقتل انتحاري ثالث بعصف أحد الانفجارين، مع إشارة مصادر أخرى إلى إلقاء القبض على انتحاري رابع كان يحاول الفرار من المكان. في حين أكد المدعي العام التمييزي، القاضي سمير حمود، ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي صقر صقر، أنّ العملية "مزدوجة ناتجة عن انتحاريين اثنين، عبر تفجير دراجة نارية بـ7 كيلوغرامات من المتفجرات، وحزام ناسف مزوّد بـ8 كيلوغرامات من المتفجرات فجره انتحاري بنفسه".
تضارُب الروايات الثلاث يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، وخصوصاً أنّ التنظيمات الإسلامية المتشددة عادة ما تتبنى انتحارييها حتى ولو فشلت مهمّتهم. لكن الأكيد أنّ "داعش" أدخل ثقافة تفخيخ الدراجات إلى قاموس عملياته الأمنية، مع ما في ذلك من خطر متعاظم نتيجة وجود آلاف الدراجات النارية التي تجوب ضواحي الفقر، أكان في بيروت أو الشمال أو أي منطقة أخرى. بالإضافة إلى سرعة حركة هذه الدراجات وتمكّنها من تجاوز العوائق التي توضع عادة أمام السيارات.
اقرأ أيضاً: حكومة لبنان تعلن الحداد.. و"العربي الجديد" يرصد "ساحة المجزرة"
وفي الوقت نفسه، أكد القاضي صقر بعد تفقده مكان التفجير في الضاحية، أنّ "فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي أوقف صباح الخميس شخصاً يحمل حزاماً ناسفاً في طرابلس، شمالي لبنان، فنجت طرابلس من تفجير انتجاري أيضاً"، مشيراً إلى احتمال ارتباطه بتفجير برج البراجنة. على الرغم من أنّ التحقيقات لا تزال أوليّة في ربط الحادثتين، إلا أنّ المغزى السياسي والاجتماعي من هذا الربط واضح، وهو إعادة توتير الساحتين السنية (في الشمال) والشيعية (في الضاحية). فجّر عدد من الشبان غضبهم بعدد من العمال السوريين وكالوا الشتائم للاجئين الفلسطينيين ومخيّم برج البراجنة الذي يعيش فيه أكثر من 22 ألف لاجئ فلسطيني وثمانية آلاف آخرين هربوا من مخيمات سورية إلى المخيّم بعد حصار مخيّم اليرموك. حتى إنّ المعلومات التي بثّتها وسائل الإعلام عن وجود انتحاريين آخرين في المكان، ساهمت في رفع التوتر في نفوس أهالي المنطقة الذين اعتقلوا شابين سوريين على الأقل تم الاشتباه بهما رغم أنّ صدريهما كانا عاريين لحظة الانقضاض عليهما، فتأكّد أنهما لا يحملان أحزمة ناسفة ولا عبوات، إلا أنّ الاعتداءات استمرّت وسط إطلاق نار في الهواء بهدف تفريق المحتشدين.. فتحوّلت برج البراجنة إلى ساحة لاعتداء أبناء الأحياء الفقيرة على لاجئين فقراء أيضاً، لأسباب مذهبية وطائفية وبدوافع عنصرية أيضاً، ولو أن جزءاً من المشهد كان ردّة فعل يراها البعض "منطقية" تحت وطأة الصدمة والتوتر الموجود أصلاً.
اقرأ أيضاً: الضاحية الجنوبيّة: قلق أقوى من التفجيرات
إذاً، عاد مشهد التفجيرات والموت إلى ضاحية بيروت الجنوبية بعد أن غاب عنها لأكثر من عام، إذ كان التفجير الأخير استهدف حاجزاً للقوى الأمنية على مدخل الضاحية في منطقة الشياح (يونيو/حزيران 2014). وقبل ذلك تمكّن انتحاريون ومخططون لتفجيرات من اختراق الحزام الأمني المفروض حول الضاحية، من تنفيذ سلسلة تفجيرات في عمق المربع الأمني والبشري للحزب، بالإضافة إلى ضرب السفارة الإيرانية في لبنان ومبنى المستشارية الثقافية فيها. بين عامي 2013 و2014، عاش أهالي ضاحية بيروت الجنوبية أجواء قلق مستمر من شبح السيارات المفخخة والموت المجّاني الذي قد ينقضّ عليهم بأي لحظة. انتشرت ظاهرة نزوح من الضاحية في تلك الفترة، بحيث تركت مئات العائلات منازلها في المنطقة وعادت إلى قراها في الجنوب والبقاع، أو خرجت إلى ما خلف الأسوار الأمنية بحثاً عن مناطق أكثر سلامة وأماناً.
على المستوى السياسي، أنتج استهداف الضاحية وحدة صف على مستوى القوى اللبنانية بمختلف توجّهاتها، وكان التضامن كاملا وشاملاً مع الضحايا وسكان المنطقة، لكن هذه "الوحدة" شوّهها وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي قال إنّ "الأمور ستتسهل بالمعنى السياسي بعد جريمة برج البراجنة والدليل سيظهر في الجلسة التشريعية". وكأنّ الأحزاب والسياسيين كانوا ينتظرون دماء الضحايا ودمار المنازل والأرزاق في الضاحية للاتفاق على الحدّ الأدنى الممكن لحماية المواطنين والحفاظ على أمنهم وسلامتهم.. وصحتهم الضائعة بين أكياس النفايات في بيروت وضواحيها. لكن التفجير، يُثبت أن ما كان يقوله رئيس الحكومة تمام سلام في الفترة الأخيرة، من أن الغطاء الدولي لحماية استقرار لبنان، لم يعد بالمتانة التي كان عليها في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة. وهنا بيت القصيد: هل عاد لبنان ساحةً للصراعات الإقليمية ولتبادل الرسائل على وقع الحرب السورية التي يُشارك فيها حزب الله إلى جانب النظام، والمفاوضات لإيجاد حلول سياسية.