يقضم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المنطقة تلو الأخرى في سورية ليصبح على بُعد كيلومترات من الأوتوستراد الدولي دمشق ـ حلب، ويقترب أكثر من مطار الشعيرات ومدينة حمص من جهة الشمال والطريق المؤدي إلى منطقة القلمون الغربي، حيث توجد مناطق جبلية يسيطر عليها التنظيم، ما قد يعني وصل قواته في الشرق بالغرب.
واستطاع التنظيم السيطرة على بلدة مهين في ريف حمص، الواقعة غربي مدينة القريتين بنحو 16 كيلومتراً، وبدأ هجوماً في بلدة صدد القريبة من الأوتوستراد الدولي جنوبي مدينة حمص، وذلك بعد سيطرته على مدينة كباجب الواقعة بين دير الزور شرقاً وحمص غرباً، ثم مدينة السخنة في ريف حمص الشرقي، وبعد ذلك مدينة تدمر الأثرية ثم مدينة القريتين.
وجاءت سيطرة "داعش" بعد هجوم واسع بدأه مقاتلان تابعان للتنظيم، يدعى أحدهما أبو ناصر الشامي، عبر سيارتين مفخختين فجراهما في حاجز الأعلاف على أطراف البلدة، ليدخل بعدها مسلحو التنظيم ويسيطروا على المدينة الاستراتيجية بشكل كامل، ويتجهوا إلى خوض معارك أخرى مع قوات النظام في بلدة صدد، وسط خسائر قُدّرت بنحو 50 عنصراً بين قتيل وجريح من قوات النظام ومليشيات الدفاع الوطني، على الرغم من غارات عديدة شنها طيران النظام الحربي والطيران الروسي على مواقع هجوم التنظيم.
وتبعد مدينة مهين عن مدينة حمص 85 كيلومتراً، ويبلغ عدد سكانها نحو 25 ألفاً، تحدها من الشرق مدينة القريتين على بعد 16 كيلومتراً، ومن الغرب صدد ومن الشمال حوارين، ومن الجنوب سلسلة جبال تمتد حتى جبال القلمون، وتشمل خليطاً دينياً بين مسلمين ومسيحيين. كما يقع شمال مهين على بعد كيلومترات من مدينة حسية الصناعية، التي يسيطر عليها النظام. وللمنطقة أهمية إضافية، لقربها من مطار الشعيرات العسكري، الذي يقع شمالها بنحو 30 كيلومتراً.
وكانت البلدة قد شهدت أعنف المعارك بين قوات النظام وقوات المعارضة السورية في نوفمبر/ تشرين الثاني قبل عامين، إذ سيطرت حينها فصائل المعارضة على مستودعات ذخيرة تعتبر من أهم مخازن الأسلحة في سورية، قبل ان تنسحب منها أواخر العام نفسه.
وتعيد السيطرة الأخيرة على بلدة مهين سيناريو المناطق التي خسرتها قوات النظام وسط البلاد في قتالها مع "داعش"، لجهة انسحابها من دون مقاومة تذكر، في مؤشرات تقول إن النظام يستفيد إعلامياً من سيطرة "داعش" على بعض المناطق، كتدمر الأثرية، وكذلك السيطرة على القريتين لكون غالبية سكانها من المسيحيين، وكذلك تدخل في السياق نفسه بلدة مهين، ما قد يعطي النظام فرصة للنجاح في محاولاته تسويق خططه في الانضمام للتحالف الدولي ضد "داعش".
اقرأ أيضاً: كرّ وفرّ جنوبيّ حلب وقتلى مدنيون في قصف روسيّ
في سياقٍ موازٍ، يقول قائد جبهة حمص سابقاً في المعارضة، العقيد فاتح حسون، حول هجوم التنظيم الأخير، إنه "في ظل العدوان الروسي وعدم توجيه ضربات مؤثرة على داعش، فهذا يعني أن الروس والنظام يعملون على تمدد داعش في عدة مناطق كما حصل في حلب، لينحسر وجود الجيش الحر والتشكيلات الأخرى".
ويوضح حسون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "النظام وروسيا يسهلان لداعش الاقتراب من مناطق سيطرة الثوار ليفتح جبهات قتالية ضدهم، وتتشتت جهودهم فتخف مقاومتهم في وجه محاولات السيطرة الفاشلة على الريف الشمالي لحمص، وطبعاً هناك من الثوار من هو منتبه لهذا المخطط، وسيكون لهم بالمرصاد".
وتفتح سيطرة "داعش" الأخيرة على بلدة مهين، باب السيناريوهات واسعاً سياسياً وميدانياً خلال المرحلة المقبلة. فمن الصعب مثلاً تطبيق أي وقف لإطلاق النار يتم الاتفاق عليه في محادثات فيينا، لأن أول من قد يعرقل وقف إطلاق النار هو التنظيم الذي لا يعترف بالمنظومة الدولية. كما أن سيطرة "داعش" على بلدة مهين ثم على بلدة صدد في حال تمت، ستمنحه أفضلية كبيرة، إذ سيكون قد سيطر على معظم مكامن النفط والطاقة حتى في وسط البلاد، وكذلك سيقترب من الأوتوستراد الدولي دمشق ـ حلب، الذي لا يبعد عن بلدة صدد سوى 14 كيلومتراً.
كذلك تعني سيطرة التنظيم على القريتين المذكورتين، فتح المجال أمامه لمعركة جديدة باتجاه السيطرة على مطار الشعيرات شمالاً، والذي هاجمه التنظيم في وقت سابق من دون أن يتمكّن من السيطرة عليه، والاقتراب أكثر من مدينة حمص، المدينة الثالثة من حيث عدد السكان في سورية، والعقدة الأكبر للمواصلات في البلاد بحكم موقعها، في حين سيتطلع في الجنوب للسيطرة على الطريق المؤدي إلى القلمون الغربي، في مسعى لوصل قواته في الشرق بقواته في الغرب، وسيكون بإمكان التنظيم قطع سكة الحديد بين شمال سورية وجنوبها.
على أن هذه السيناريوهات عسكرياً لن تكون بهذه السهولة، نظراً لكثافة الثكنات والقطع العسكرية للنظام شمال وجنوب هذه المناطق، يضاف إلى ذلك أن سهولة سيطرة "داعش" على تدمر والقريتين، بسبب تركيز النظام على وضع قوات من الدفاع الوطني مع الأفرع الأمنية، في حين أن محيط المناطق التي سيطر عليها التنظيم تحوي قطعات تتمركز فيها قوات النظام.
ويرى عضو الائتلاف الوطني السوري يحيى عقاب، أن "هجوم التنظيم الأخير يُخشى منه تكريس التقسيم كأمر واقع حين يحدث هذا التمدد المفتوح، مع مواصلة حزب الاتحاد الديمقراطي تعزيز وجوده المستقل، بينما يحاول النظام استعادة مناطق بات يُحكى عنها أنها جزء من سورية المفيدة".
ويقول عقاب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك انفصاماً بين ما يحصل في فيينا وما يجري على الأرض، فالشعارات المرفوعة لا تستقيم مع الوقائع وما يفعلون، خصوصاً إيران وروسيا"، مشيراً إلى أنه "بعد أشهر من تدخّل التحالف الدولي، ومن بعده الروسي، ثبت أن القصف وحده لا يمكن أن ينهي الإرهاب ما لم يتجهوا إلى صُلبه ومسبباته، ومنها دور النظام الإرهابي، وما تقوم به إيران"، معتبراً أن "التدخلات الخارجية توسّع الحاضنة الشعبية لداعش من جهة، وتُجبر الكثيرين من المعرّضين للقتل إلى الالتحاق به كملجأ".
ويشير إلى أنه "وعلى قاعدة ذلك الفشل، يأتي توسّع داعش للسيطرة على مناطق استراتيجية، ومنها طريق دمشق ـ الجزيرة، كجزء من ترسيخ كيانه والانطلاق منه لقضم مزيد من المناطق السورية"، مبيّناً أن لـ"تواطؤ النظام مع تمدد داعش أسباب متعددة، منها تصوير نفسه محارباً للإرهاب، واستجلاب القبول لاستمراره".
اقرأ أيضاً: لواء "ثوار الرقة": معركة تحرير المدينة من "داعش" قريبة