داعش يعود علناً في شرق سورية... ترهيب وابتزاز

26 فبراير 2022
منزل زعيم "داعش" بعد قصفه (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -

تكشف مؤشرات متقاطعة عن تنامي نشاط تنظيم "داعش" في مناطق الشرق السوري، من دون أن يتأثر بمقتل زعيمه أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في 3 فبراير/شباط الحالي، على يد القوات الأميركية، ولا بنتائج هجومه الواسع نهاية الشهر الماضي على سجن الصناعة في حي غويران بمدينة الحسكة.

وتشير التقارير إلى أن المدنيين في مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) بريف دير الزور، تلقوا خلال الأيام الماضية رسائل تهديد من تنظيم "داعش" تطالبهم بعدم التعاون مع "قسد" ودفع أموال للتنظيم.

وتستهدف هذه الرسائل أشخاصاً محددين على نحو يوحي أن تنظيم "داعش" موجود في المنطقة، ويستعد لشن هجمات جديدة في ظل خشية لدى السكان من عودة التنظيم لحكم مناطقهم، تحديداً في ريف دير الزور، حيث استطاع التنظيم خلال الفترة الماضية ابتزاز شركات وأشخاص مالياً، ممن قبلوا بالتعاون معه.

وفي موازاة ذلك، عمد "داعش" إلى اغتيال العديد من القادة المحليين، والشرطة وأعضاء البلدية ممن يشكلون عقبة في طريق انتشاره، بغية ترهيب المجتمع المحلي من عواقب عدم هذا التعاون.

استغلال "داعش" الضائقة الاقتصادية

وتعود هذه الجرأة التي يظهر فيها التنظيم بشكل علني أحياناً، إلى تمكنه من تجنيد العديد من السكان المحليين بسبب حالة الفقر والضائقة الاقتصادية المتفشية في تلك المناطق، والتي تدفع السكان إلى الخروج بشكل متكرر بتظاهرات واحتجاجات ضد حكم "قسد" وتفشي الفساد في جهازها الإداري.

ولا توجد معلومات مؤكدة عن أعداد عناصر تنظيم "داعش"، فيما أبلغ مسؤول الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف مجلس الأمن الدولي في الشهر الحالي، أن هناك ما يصل إلى 10 آلاف عضو نشط في العراق وسورية، من دون أن يؤثر مقتل زعيم التنظيم على نشاطه.

ويُعرف عن "داعش" قدرته على إعادة تنظيم صفوفه وتكثيف أنشطته، حتى بعد فقدان قياداته العليا، إذ نظم نفسه للعمل بطريقة غير مركزية، وفقاً لظروف كل منطقة.


لا توجد معلومات مؤكدة عن أعداد عناصر تنظيم "داعش" في الشرق السوري

وكان التنظيم قد شنّ في 20 يناير/كانون الثاني الماضي هجوماً على سجن الصناعة في حي غويران في الحسكة، الذي كان يضم الآلاف من عناصر التنظيم، ما مكن عشرات السجناء من الهرب قبل أن تتمكن "قسد" من إعادة السيطرة على السجن بدعم من التحالف الدولي.

ولا يعرف حتى الآن عدد من نجح بالفرار، وما إذا كان من بينهم قادة بارزون في التنظيم. ويؤكد ناشطون أن "داعش" يجني ملايين الدولارات شهرياً، من فرض إتاوات على المستثمرين في حقول النفط في شمال شرقي سورية، وأصحاب المصانع والمحلات التجارية في العراق، كأحد مصادر دخله الأساسية، بعد فقدانه مناطق سيطرته على الأراضي في هاتين الدولتين منذ ثلاث سنوات.

وفي السياق، يقول الناشط محمد العجيلي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن عناصر التنظيم يعترضون معظم شاحنات الوقود في مناطق شمال شرقي سورية الغنية بالنفط، ويتقاضون من أصحابها الإتاوات.

وهو ما يحصل في بعض المناطق في العراق أيضاً، إضافة إلى تحصيل الأموال من أصحاب الأعمال التجارية والمصانع ومن أصحاب السيارات.

ويوضح العجيلي أن عناصر "داعش" يبلغون أصحاب الفعاليات الاقتصادية بشكل علني بأن عليهم دفع مبلغ شهري أو نسبة محددة من الأرباح بين 10 و20 في المائة مقابل الحماية، مشيراً إلى أن التنظيم كان يفعل ذلك تحت مسمى "الزكاة" أثناء سيطرته على هذه الأراضي، وعدم الاستجابة لهذه الطلب قد تؤدي إلى حرق المصنع أو اغتيال صاحب العمل التجاري، الذي لا يغامر بإبلاغ قوات الأمن حتى لا يتهم من التنظيم بالعمالة لها ما يعرضه لحكم القتل.

ويكشف إلى أنه في إحدى الحالات، اقتحم عناصر من التنظيم محطة الصبيحان النفطية في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور، وهددوا بقتل عمال المحطة إذا لم يدفع المستثمرون "غرامة إنتاج النفط".

ويرى العجيلي أن "داعش" يوسع نفوذه بهدوء في تلك المناطق، مستغلاً تدهور الأوضاع المعيشية، وحالة عدم الثقة القائمة بين "قسد" والسكان المحليين، مع معرفته بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في تلك المناطق التي كان يحكمها سابقاً.

تمويل "داعش" عبر الإتاوات 

ويقدر متابعون وتقارير استخبارية أن "داعش" يملك تمويلا بعشرات ملايين الدولارات، أغلبها من الإتاوات التي يفرضها على كل صهريج نفط أو غاز يمر في مناطق انتشاره.

من جهته، قال القيادي في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، في حديثٍ مع "العربي الجديد" إن نشاط التنظيم لم يتوقف يوماً، لكنه يخف أو يتصاعد تبعاً للواقع الميداني، وقد شن أكثر من 1500 هجوم في سورية والعراق العام الماضي، وضمنهم هجمات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والألغام والعربات المفخخة.

وكانت المتحدثة الإقليمية للخارجية الأميركية، جيرالدين غريفيث قد ذكرت في تصريحات صحافية أن التحالف يعمل على جميع الأصعدة لتجفيف منابع تمويل "داعش" وبناء شبكة دولية لمكافحة الفروع الناشطة للتنظيم في كل أنحاء العالم، بالإضافة إلى محاربة الأفكار المتطرفة.


عناصر "داعش" يفرضون الإتاوات على الوقود وأصحاب الأعمال

وينظر بعضهم إلى مخيم "الهول"، الواقع على بعد 45 كيلومتراً شرقي مدينة الحسكة، على أنه خزان كبير لتفريخ الموالين لتنظيم "داعش" بالنظر إلى ما شهده المخيم من محاولات إعادة تنظيم النساء وتدريب الأطفال على فكر التنظيم المتطرف.

ويضم المخيم حوالي 60 ألف شخص معظمهم من عائلات مقاتلي "داعش"، وغالبيتهم من النساء والأطفال، يشكل السوريون والعراقيون النسبة الكبرى بينهم.

ومنذ خسارته آخر معاقله في الباغوز بريف دير الزور الشرقي على الحدود مع العراق في مارس/ آذار 2019، أعاد "داعش" بناء استراتيجياته القتالية وفق المتغيرات الجديدة، وبات يركز على جعل مناطق بادية الشام، غربي الفرات في ريف دير الزور مركزاً لتجميع مقاتليه. وهي مناطق تضعف فيها السيطرة الأمنية لأطراف الحرب السورية.