يطمح المغرب إلى استثمار ارتفاع الطلب العالمي على الأسمدة الزراعية جراء تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، لتعزيز قوته الناعمة على الصعيد الدبلوماسي ودعم قضاياه الأساسية عبر تقوية حضوره الاقتصادي في عدد من البلدان، مستفيداً من احتياطاته الضخمة من الفوسفات التي يحوّلها إلى أسمدة زراعية.
وفي ظل التغييرات الجيواستراتيجية التي يعرفها العالم، لا سيما المتعلقة بأزمة الطاقة والغاز والتغييرات المناخية، بدا لافتاً في الفترة الأخيرة توجّه مغربي نحو نهج بات يُعرف بـ"دبلوماسية الفوسفات"، باعتبار تلك الثروة المعدنية باتت تذكرة عبور إلى العديد من المناطق والبلدان، خصوصاً في أفريقيا، وورقة دبلوماسية مهمة لدفع العديد من البلدان لاتخاذ مواقف تتماشى مع مصالح الرباط العليا وقضاياها المهمة.
وفي السياق، يبرز رهان المغرب على الفوسفات خلال العام الحالي، لاستهداف أربعين دولة أفريقية، من خلال رفع صادراته من الأسمدة بنسبة تفوق 90 في المائة، وهو ما سيوفر 4 ملايين طن لدعم الأمن الغذائي بالقارة، وذلك بعدما منح نحو 500 ألف طن إلى دول أفريقية العام الماضي مجاناً أو بأسعار مخفضة.
يبرز رهان المغرب على الفوسفات خلال العام الحالي، لاستهداف أربعين دولة أفريقية
عائدات قياسية من الفوسفات
وللعام الثاني على التوالي، سجل المغرب عائدات قياسية من صادرات الفوسفات، مستفيداً من ارتفاع الطلب على الأسمدة، في وقت تشير فيه تقديرات رسمية إلى أن البلد يراهن على الاستفادة من احتياطه الضخم لزيادة إنتاجه من الأسمدة، ليبلغ 15 مليون طن عند نهاية عام 2023.
وبحسب بيانات هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية، يمتلك المغرب 70 في المائة من احتياطات الفوسفات عالمياً، وهو ما يجعله لاعباً مهماً في السياسة الزراعية في العالم، ويمنحه ورقة دبلوماسية مهمة لدفع العديد من البلدان لاتخاذ مواقف تتماشى مع مصالحه العليا وقضاياه المهمة.
ولئن كان المغرب قد دشن منذ عام 2015 توجهاً يقوم على الانفتاح على مختلف الدول مهما كان موقفها من نزاع الصحراء، وتنويع الشراكات السياسية والاقتصادية والثقافية، فإن الملفت للانتباه هو محاولة السلطات المغربية من خلال ذراعها الاقتصادي "المجمع الشريف للفوسفات"، تحقيق مكاسب اقتصادية وأخرى جيوسياسية ودبلوماسية. وتمكّن المجمع من تأمين حضور وازن في القارة الأفريقية، وتحوّل إلى مقصد للعديد من القوى الدولية الباحثة عن تأمين حاجياتها المتزايدة من الأسمدة.
وبحسب إحصائيات رسمية، يهيمن "المجمع الشريف للفوسفات" المملوك للدولة المغربية على حصة تبلغ قيمتها 54 في المائة في الأسواق الأفريقية من منتجات الفوسفور في 2020، ويمتلك فروعاً في 16 دولة، منها غانا ورواندا والكاميرون والكونغو وإثيوبيا.
وتعد نيجيريا أكبر دولة أفريقية مستفيدة من الشراكة مع المغرب، إذ يوفر المجمع أكثر من 90 من المائة من الطلب السنوي على الأسمدة. وفضلاً عن تصدير الأسمدة، ضخّ المجمع استثمارات ضخمة في الدول الأفريقية من أجل مساعدتها على تحسين قدرات إنتاج الأسمدة، مع تقديم برامج للتدريب وبناء قدرات المزارعين في 35 دولة.
وبالموازاة مع حضور المغرب في أفريقيا عبر ورقة الفوسفات، كان مثيراً للانتباه انفتاح العديد من القوى الدولية، خلال الأشهر الماضية، على الرباط من أجل تأمين حاجياتها من الأسمدة.
وبرز إيفاد البرازيل وزير الزراعة السابق ماركوس مونتيس، في مايو/ أيار الماضي، إلى الرباط، في سياق ما سماها، في مقابلة مع وكالة "رويترز"، "دبلوماسية الأسمدة"، وهي الزيارة التي انتهت بإعلان الجانب المغربي عن مشروع مصنع لمعالجة الفوسفات في البرازيل.
وفي الشهر نفسه، بدا لافتاً تطلع اليابان، في سياق عالمي يتسم بارتفاع الأسعار جراء انقطاع الإمدادات الناجم عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إلى المغرب لتعزيز أمنها الغذائي. وأكد نائب وزير الزراعة الياباني تاكيب أراتا، في تصريح صحافي، خلال زيارته إلى العاصمة الرباط، أن بلاده "تسعى إلى استيراد كميات أكبر من الأسمدة والفوسفات من المغرب".
وتبقى من أبرز الإشارات على حضور الفوسفات في سياق تحركات الرباط الدبلوماسية، ما تضمّنه البيان المشترك الذي أصدره وزيرا خارجية المغرب ناصر بوريطة وغواتيمالا ماريو بوكارو فلوريس في سبتمبر/ أيلول الماضي، من "تركيز على الزراعة والأسمدة في التعاون بين البلدين"، مع تجديد الأخير "التأكيد على دعم الموقف المغربي من النزاع".
وفي الشهر ذاته، استدعى المغرب شحنة 50 ألف طن من الأسمدة كانت متجهة إلى دولة البيرو، بحسب وسائل إعلام مغربية، بعد أن أعاد هذا البلد العلاقات مع جبهة "البوليساريو".
ورقة لاختراق دول كبرى
يقول مدير "مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية"، خالد الشرقاوي السموني، إن "المغرب أصبح نموذجاً رائداً في ما يسمى بدبلوماسية الفوسفات، اعتباراً للأدوار الكبرى التي بات يضطلع بها على مستوى تحقيق الأمن الغذائي في الدول الذي تشهد أزمات الغذاء، خصوصاً في القارة الأفريقية".
ويشير السموني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المجمع الشريف للفوسفات "مؤسسة عمومية (حكومية) استراتيجية، أصبحت فاعلاً أساسياً في السياسة الخارجية المغربية، وذراعاً اقتصادية مهمة للمملكة، ومؤثرة في علاقتها مع دول العالم، ما يوجب على الدولة المزيد من الاهتمام بها وتمتين وضعها القانوني وتطوير هيكلتها الإدارية واستراتيجيتها".
من جهته، يرى مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، عبد الفتاح الفاتحي، أن ورقة الأسمدة غدت ذات تأثير كبير لاختراق دول كبرى، كما أن قوتها في القارة الأفريقية لا تقاوم لا سيما بعدما استفحلت تأثيرات التغييرات المناخية وما تلاها من ندرة وارتفاع أسعار الغذاء. ويلفت إلى أن مختلف الدول الأفريقية تجعل من أولوياتها تحقيق أمنها الغذائي والذي لا يتأتى إلا عبر توفير السماد الضروري للرفع من الإنتاج.
الفاتحي: ورقة الفوسفات هي التي حسمت تطبيع العلاقات المغربية النيجيرية، والعلاقات المغربية الإثيوبية
ويوضح الفاتحي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ورقة الفوسفات هي التي حسمت تطبيع العلاقات المغربية النيجيرية، والعلاقات المغربية الإثيوبية، والذي تلاه إنشاء مصنعين عملاقين لإنتاج الأمونيا والأسمدة في البلدين، مشيراً إلى أن المغرب لا يزال يحقق بفضل هذه الورقة الكثير مادياً ودبلوماسياً كما هو الحال بالنسبة لعلاقاته مع الهند والصين وباقي الدول الأوروبية.
ويعتبر الفاتحي أن تلك الورقة باتت حاسمة جداً غداة ولوج المغرب إلى تصنيع الفوسفات بدل تصديره خاماً، وأنها قادرة على تطويع مواقف العديد من الدول بشأن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.
ويلفت إلى أن ارتفاع لهجة الدبلوماسية المغربية تجاه عدد من الدول التي لم توضح موقفها من نزاع الصحراء، تزايدت عقب ارتفاع ثمن الفوسفات وتأكيد العديد من الدراسات أن معركة الإنسان في المستقبل هي توفير الغذاء، موضحاً أن المغرب زاد من قوة تأثير هذه الورقة بالانطلاق في مشاريع التصنيع عقب شراكة كبيرة مع كوريا الجنوبية.