تعددت دعوات النزول إلى الشارع والاحتجاج يوم الأحد 6 فبراير/شباط من الفرقاء السياسيين في تونس، رافعين مطالب مختلفة، وسط أزمة سياسية واقتصادية خانقة، تتزامن مع مرور أكثر من 6 أشهر على الإجراءات الانقلابية على الدستور التونسي وانفراد الرئيس التونسي قيس سعيّد بالسلطات.
وتختلف هذه الدعوات عن سابقاتها بنزول الفرقاء السياسيين من مشارب فكرية متنوعة إلى الشارع في ذات اليوم بمطالب مختلفة.
وللمرة الأولى، تنزل حركة "النهضة" إلى الشارع منذ أشهر بدعوة مستقلة للتظاهر يوم 6 فبراير/شباط، تضامناً مع البرلماني ونائب رئيس الحركة ووزير العدل الأسبق، نور الدين البحيري، الموضوع قيد الإقامة الجبرية منذ 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي بقرار من وزير الداخلية توفيق شرف الدين.
ودعت "النهضة" السلطات إلى الإفراج الفوري عن البحيري، مشددة، في بيان، على "تضامنها مع كل المحتجزين قسرياً، ورفضها للانتهاكات التي طاولت الحقوق والحريات منذ الانقلاب على الدستور".
وتتهم الحركة سعيّد وشرف الدين باختطاف البحيري واحتجازه قسرياً، وبالتنكيل به وتعريض حياته للخطر. في مقابل ذلك، تؤكّد وزارة الداخلية أنّ البحيري وضع قيد الإقامة الجبرية وفقاً للإجراءات القانونية، ويتمتع بكل ظروف المتابعة الصحية منذ خياره الدخول في إضراب جوع.
تتهم "النهضة" سعيّد وشرف الدين باختطاف البحيري واحتجازه قسريا
من جهة أخرى، دعا نحو 14 منظمة وجمعية، و8 أحزاب يسارية وقومية، من بينها الاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، وأحزاب الوطد (الوطنيين الديمقراطيين الموحد) الذي كان يتزعمه شكري بلعيد، وحزب التيار الشعبي الذي أسسه المعارض محمد البراهمي، الذي اغتيل منذ 9 سنوات، وحركة الشعب المساندة للرئيس قيس سعيّد، لوقفة احتجاجية بساحة حقوق الإنسان بشارع محمد الخامس بالعاصمة إحياءً لذكرى اغتيال بلعيد.
وتطالب المنظمات والأحزاب بالكشف عن الحقيقة ومحاسبة المتورطين في مقتل بلعيد والبراهمي و"كل من شاركوا في طمس الملف، وطمس الحقائق منذ 9 سنوات".
وتزعم "هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي" ضلوع حزب "النهضة" في الاغتيالات السياسية، مطالبة بكشف ما تسميه "ملف الجهاز السري لـ"النهضة" والقيادات التي تقف وراءه".
وقال الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد زياد لخضر، في تصريح صحافي: "نحن منذ البداية لم نكن ننتظر كشف الحقيقة في ظرف وجيز، لأننا واجهنا العراقيل"، مثمّناً في المقابل ما توصلت إليه هيئة الدفاع في جرائم الاغتيالات السياسية من معطيات وحقائق.
دعوات لحل القضاء
في مقابل ذلك، تحشد صفحات مناصرة للرئيس سعيد على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل النزول إلى الشارع في 6 فبراير/شباط، داعية إلى حل المجلس الأعلى للقضاء، متهمة المنظومة القضائية بالتورط في "طمس حقيقة الاغتيالات السياسية وملفات الفساد".
وبالتوازي، دعت حملة "مواطنون ضد الانقلاب" إلى وقفة احتجاجية في شارع الثورة (الحبيب بورقيبة) في ذات اليوم، رفضاً لـ"الانتهاكات الجسيمة للحقوق والحريات، وتصدياً للاحتجاز القسري الذي تعرض له النائب والوزير السابق والقيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري".
وتأتي هذه الوقفة "رفضاً للانقلاب وتنديداً بالملاحقات الأمنية والإيقافات التي تستهدف النشطاء والمدونين".
وشددت حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، في بيان، على "ضرورة كشف حقيقة كل الجرائم الإرهابية التي مثلت استهدافاً واضحاً للثورة ومسار البناء الديمقراطي"، وذلك بمناسبة الذكرى السادسة لاغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد.
وأكد "مواطنون ضد الانقلاب" دعمه للمجلس الأعلى للقضاء وتنديده باستهداف القضاء و"محاولة تركيعه واستهداف مسار استقلاليته".
وقال عضو تنفيذية "حراك مواطنون ضد الانقلاب"، أحمد الغيلوفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنها "مناسبة لتأكيد أن "مواطنون ضد الانقلاب" أوفياء لما أطلقوه من تسمية على هذا الحراك المواطني، فهم يعبّرون عن مشاغل كل التونسيين على اختلاف مشاربهم، وهذا التنوع نعكسه في بنيتنا الداخلية المركزية والجهوية للحراك".
وتابع: "نحن معنيون بكل قضايا التونسيين، وكل ما يحصل لهم باختلاف حساسياتهم، وبالتالي إن الخروج يوم 6 شباط/ فبراير هو التزام منا بالدفاع عن حق عائلة الشهيد بلعيد وحق كل التونسيين في كشف حقيقة الاغتيال الذي نراه اغتيالاً إرهابياً مدبراً، سواء كان مدبراً من قوى داخلية أو خارجية، لاستهداف وتدمير التجربة الديمقراطية التونسية وتسميمها والإلقاء بها في أتون الصراعات الإيديولوجية، ما عطل هذا المسار".
وشدد على أن "الخروج للدفاع، بدافع المواطنة مهما كان الإنسان الذي هُضم حقه، سواء الأستاذ البحيري أو المدونون أو سجناء الرأي الموقوفون، أو الموضوعون قيد الإقامة الجبرية".
وأكد الغيلوفي: "نحن ضد أن يحتكر أي فصيل معين عملية النضال لكشف حقيقة الاغتيال، وضد أن يستعمل ملف الاغتيالات بشكل وظيفي ضد فصيل سياسي معين".
الغيلوفي: نحن ضد أن يحتكر أي فصيل معين عملية النضال لكشف حقيقة الاغتيال
وبين أنه "طوال عشر سنوات استعملت الاغتيالات كقميص عثمان للمزايدات والصراع السياسي، في وقت أنه طوال حكم "النداء" و"النهضة"، بينما كان الرؤساء الثلاثة وغالبية المسؤولين منتمين إلى "نداء تونس"، لم يقع الكشف عن حقيقة الاغتيالات".
وتابع: "قيس سعيّد يحكم لطوال أكثر من نصف سنة ويمسك بكل السلطات، وهي سلطات إمبراطورية، ومع ذلك لم يكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية واغتيالات الجنود".
وشدد الغيلوفي بالقول: "أصبح هناك يقين بأن قضية الاغتيالات لا يراد الكشف عن حقيقتها لمزيد استثمارها في الصراع السياسي وللمحافظة على هذه الأسرار السيئة واستعمالها سلاحاً لتفجير التجربة الديمقراطية التونسية".