صور تجمهر الناس في قلب العاصمة السورية دمشق، وعند سجن صيدنايا، بحثاً عن أحبتهم المغيبين منذ سنوات طويلة، لا تضاهيها سوى مشاهد ساحات وشوارع الثورة السورية بين 2011 و2012.
قرر حاكم دمشق بشار الأسد، أن حفرة مجزرة التضامن تحتاج لمشهدين مسرحيين: هتاف "بالروح بالدم نفديك..."، ولا بأس أن يكون في صلاة العيد في مسجد "الحسن" في حي الميدان بدمشق، الذي أخبرتنا قنواته ذات يوم أنه لم يتظاهر، بل خرج ناسه "يشكرون الله على نعمة المطر"، و"عفو رئاسي" عن المخفيين قسراً.
في الحالتين فضحت الحقائق الوجه الحقيقي للديكتاتور "الإنساني والمتنور الحداثي". فصور آلاف البشر الهائمين على وجوههم، على أمل العثور على "أشباه" أبنائهم، تعني كسراً لتابوهات معادلة القمع: "لا تسأل عمن نخفيه وإلا لحقت به".
ومنذ عهد الأسد الأب، والمعادلة تقوم على صمت، وبنصيحة "خبراء"، تحت رعب "لا تستفز مخابرات النظام فيأخذوك"، وهو ما خبره السوري والفلسطيني-السوري طيلة عقود.
إذاً، ما شهدته شوارع دمشق، بتقاطر من كل المدن السورية، يضع النظام أمام معضلة: سورية لن تعود إلى ما قبل 2011. لم يعد بمقدور أجهزة القمع القول إن الصور "مفبركة".
وقد تكون مفاجأة له أن يكتشف السوريون حجم كارثة التهمة الجماعية بـ"الإرهاب"، وأن المصير لم يعد فردياً، بل يمس كل المجتمع، الذي يعيش كارثة حكم بلادهم وفق عقيدة عصابات وقطاع طرق يبتزون جيوب أفقر الناس، بحثاً عن مصير أبنائهم، بعيداً عن حفر المحرقة وصور "قيصر" المسربة.
على حواف التجويع والظلام، وانتفاء شروط الحياة الكريمة، بإمعان أسرة الحكم في الإمساك بالسلطة، باعتبار البلاد مزرعة مملوكة لها منذ أكثر من 5 عقود، لم يعد للناس ما يخسرونه. وتلك معادلة جديدة تُراكم كسر مزيد من المحظورات.
سيكتشف السوريون أن "العفو الرئاسي" لن يعيد لهم مئات آلاف المغيبين قسراً، وأن تهمة "الإرهاب" التي طاولتهم كمجتمع أسست لوضاعة وإجرام المجازر، ولشعارات التطهير تحت بند: "سورية أنحف... سورية أحلى"، تهجيراً وقتلاً وحرقاً.
صحيح أن رياح السياسة الدولية، ورغبة دولة الاحتلال الإسرائيلي ببقاء النظام، لم تكن في مصلحة شعب سورية. لكن، في نهاية المطاف، ومهما تعمق الاستبداد والقمع، تبقى إرادة الحياة والحرية قاسماً مشتركاً يجمع الناس على مستقبل يزيل ركام الدمار، وكل أهداف الجرائم لتدمير نسيج مجتمعها. والجرائم لا تسقط أبداً بالتقادم.