تكثف السلطات الجزائرية جهودها للتنسيق مع المرجعيات الدينية ذات التأثير الشعبي في دول الساحل، مالي والنيجر، للمساعدة على منع التوترات الأمنية في المنطقة، وإسناد جهود محاربة الفكر المتطرف، ودعوة المسلحين في الساحل إلى إنهاء النشاط الإرهابي، خاصة في ظل عودة لافتة لنشاط المجموعات الإرهابية في المنطقة.
ويزور الجزائر أحد أبرز المرجعيات الدينية في مالي، وقائد الحراك الشعبي المناوئ للوجود الفرنسي، الإمام محمود ديكو، الذي قاد المظاهرات الشعبية في العاصمة بماكو ضد الرئيس السابق أبو بكر كايتا، والتي أدت الى الإطاحة به لاحقا عبر انقلاب عسكري. وكان في استقباله، الثلاثاء، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ومدير جهاز الاستخبارات الخارجية اللواء جبار مهنا.
وقال إمام الطريقة الكنتية لجمهورية مالي محمود ديكو، في تصريح صحافي، إن "الجزائر وقفت مع مالي في كل المراحل والأزمات التي مرت بها ومالي، وهما ليسا جارين فقط، بل بلد واحد وكل لا يتجزأ"، وعبر عن أمله في أن "تتجاوز مالي الصعوبات التي تعاني منها، ويتحقق التصالح والتعايش السلمي بين كل شعوب منطقة الساحل".
وتنسق الجزائر مع مرجعيات دينية في منطقة دول الساحل، ضمن رابطة علماء وأئمة ودعاة دول الساحل، لدفع هذه المرجعيات لتوظيف ثقلها ولعب دور في محاربة الفكر المتطرف، والتاثير في مجتمعات دول الساحل، لتعزيز الأمن والسلم الأهلي وإقناع المجموعات المسلحة بالتوقف عن ممارسة الإرهاب.
وقال رئيس الرابطة أبو بكر والر مدو، قبل يومين، في تصريح صحافي في الجزائر، إن الرابطة ستعقد لقاء في العاصمة التشادية أنجمينا للإعلان عن دعم الجهود الجزائرية في استتباب السلام والأمن، وتعميم المصالحات في منطقة دول الساحل الأفريقي، عبر موقف رسمي وعلني إدانة لمساعي بعض القوى الخارجية لتقويض الثقة بين الجزائر وشعوب منطقة دول الساحل.
وأشار إلى استعداد المرجعيات الدينية للعب دور في السياق السياسي، فقال: "الرابطة تتابع عن قرب وبالمزيد من الانشغال محاولات بعض القوى الخارجية زعزعة الاستقرار وإثارة الفتن في المنطقة، والتي لا يمكن للعلماء السكوت عنها ويجب توعية و تنوير شعوبنا و نحثها على عدم الانجرار إلى مناورات ومخططات أعداء منطقة الساحل".
وكانت الحكومة الجزائرية قد عقدت قبل أشهر مؤتمرا حول "استقرار المجتمعات الأفريقية ووحدتها" شارك فيه عدد من المرجعيات الدينية في دول الساحل، استقبلها الرئيس الجزائري.
تهديد للاستقرار في دول الساحل
تشير هذه التحركات الجزائرية الأخيرة بشأن مالي، إلى وجود مخاوف جدية من تفاقم الأوضاع الأمنية في دول الساحل، وعودة التوتر خاصة إلى شمال مالي، بعد سيطرة جيشها رفقة قوات من "فاغنر" على مدن وبلدات في شمال مالي، ما سيفرز بالنسبة للجزائر تداعيات أمنية خاصة في ظل محاولات تمركز تنظيم أنصار الدين ومجموعات مسلحة أخرى في الشمال، في حال ازداد التوتر بين حركات الأزواد التوارق والجيش المالي.
والأسبوع الماضي دعت الجزائر كافة الأطراف في مالي؛ الحكومة المركزية في بماكو، وحركات الطوارق التي تمثل سكان الشمال القريبة من الحدود مع الجزائر، إلى التمسك بتنفيذ تدابير اتفاق السلام الموقع في الجزائر في مايو 2015، حتى "تحقيق السلم والمصالحة استجابة للتطلعات المشروعة لجميع مكونات الشعب المالي في ترسيخ السلم والاستقرار بصفة دائمة ومستدامة".
واعتبرت أن "التحديات التي تهدد استقرارها ووحدتها وسلامتها لا يمكن مواجهتها إلا من خلال إعلاء قيم الحوار والتفاهم والمصالحة". وينص اتفاق مايو 2015، على حزمة تدابير ومراحل لتثبيت السلام في منطقة دول الساحل، وتخصيص مشاريع للتنمية في المنطقة، وتحسين الخدمات المعيشية، وينتهي بادماج قوات الحركات المسلحة في الجيش المالي.
والاثنين، أعلن وزير الخارجية أحمد عطاف أن منطقة دول الساحل الأفريقي تواجه مخاطر جدية، تتعلق "بتفشي آفتي الإرهاب والجريمة المنظمة التي باتت تلقي بكل ثقلها على مقومات السلم والأمن والتنمية"، مشيرا إلى أن "هذه التحديات الأمنية أخذت في الفترة الأخيرة أبعاداً خطيرة ومقلقة للغاية في الآونة الأخيرة وخلفت تردياً غير مسبوق في حالة السلم والأمن.
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية حساين عيسى، في تصريح لـ" العربي الجديد"، إن "هذا القلق يعبر عنه من قبل المسؤوليين العسكريين والسياسيين، بسبب تفاقم انتشار عدد من المجموعات والتنظيمات الإرهابية في مالي ومنطقة الساحل، المتاخمة للجزائر، وفي غربي أفريقيا في الوقت الحالي، على غرار تنظيم داعش وخلايا تتبع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم أنصار الدين، ما أدى إلى عودة العمليات الإرهابية في شمال مالي، ووسط النيجر خاصة، والمثلث الذي يجمع بين مالي والنيجر وبوركينافاسو".
وأضاف، إنها تنظيمات "تقترب شيئا فشيئا من الحدود الجزائرية، وهذا مصدر قلق بالنسبة للجزائر من جهة، ومن جهة ثانية هناك التداعيات التي يمكن ان تشمل الجزائر من نشاط هذه التنظيمات، بما فيها دفع السكان في كل من النيجر ومالي للنزوح الى الجزائر".