استمع إلى الملخص
- تحديات قانونية وسياسية تواجه ترامب: رغم الملاحقات القضائية والاتهامات، يظل ترامب شخصية مؤثرة في الحزب الجمهوري، مما أضعف فرص بروز منافسين جديين واستمر في التأثير على الأجندة السياسية.
- سياسات ترامب المثيرة للجدل وتأثيرها: يتبنى ترامب سردية يمينية متطرفة، مستغلًا إخفاقات إدارة بايدن، ويروج لنفسه كرئيس قادر على إبرام السلام، مع سياسات اقتصادية مثيرة للجدل ومواقف عنصرية تجاه المهاجرين.
لم يغب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن المشهد ليعود إليه، إذا ما فاز بانتخابات الرئاسة الأميركية التي تجرى اليوم الثلاثاء في مواجهة الديمقراطية كامالا هاريس. فبعد ثماني سنوات ظلّ فيها في صلب الحدث، نصفها في البيت الأبيض ونصفها الثاني متظلماً من "سرقة انتخابات 2020 منه"، قد يعود ترامب إلى البيت الأبيض رئيساً للمرة الثانية، أو قد لا يعود. ولكن في كلتا الحالتين، يسود انطباع عام بأن هناك ما لا يبشّر بخير، سواء في العودة المحتملة أو خسارته الانتخابات مرة ثانية، والتي قد ينقلب عليها. ففي عالم تتجه فيه كلّ الأنظار اليوم إلى الاسم الذي سيتبوأ منصب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، أصبح دونالد ترامب اسماً يُعتمد "علامةً سياسيةً" تثير التوجس والحذر، وخصوصاً بعدما أصبح له "جيش" من المؤيدين، يساوون نصف الشعب الأميركي تقريباً، فيما خططه للعودة المحتملة لا تخلو من إثارة للجدل، لا سيما بعد ما اكتسبه وفريقه من تمرس في الحكم.
لم تحل الملاحقات القضائية دون ترشح ترامب للرئاسة للمرة الثالثة
دونالد ترامب... نسخة 2024 أكثر شراسة
ويبشّر دونالد ترامب بعودة محتملة إلى البيت الأبيض بنسخة أشدّ شراسة مما كان عليه وضعه حين اقتحم المكتب البيضاوي في واشنطن في 2016،"دخيلاً" تربع على قمّة العمل السياسي في الولايات المتحدة، قادماً من عالم تجارة العقارات والترفيه، ما يجعل سيرته الذاتية تتطلب تنقيحاً مستفيضاً، مقارنة بسيرته حين كتبت في 2016، أو في 2020. فبعيداً عن امبراطورية الأعمال والتجارة وتلفزيون الواقع ولعبة الغولف، ونشأته في منطقة كوينز بمدينة نيويورك، والتي أسّست كلّها لشخصيته السابقة، شكّلت سنوات ترامب الأربع في البيت الأبيض منعطفاً للحزب الجمهوري والسياسة الأميركية بشكل عام، تكرّس فيه الانقسام الحزبي والشعبي. بعدها، ظلّ ترامب حاضراً في المشهد رئيساً سابقاً خسر أمام الديمقراطي جو بايدن في 2020، وعازماً على "الانتقام"، لتخيّم رغبته في خوض السباق الرئاسي للمرة الثالثة، على كلّ ما عداها من منافسات، وذلك منذ اليوم الأول لخسارته في ذلك العام، ما قضى أولاً على أي إمكانية لبروز منافسين جمهوريين جدّيين، وأضعف الرهان الديمقراطي على التعويل على أجندة حزبية غير "التحذير من ترامب".
ولم تحل الملاحقات في الكونغرس بحقّه حين كان رئيساً، أو الملاحقات القضائية اللاحقة التي حاصرته، والإدانة بتهم التحرش ودفع المال لممثلة إباحية، والدعاوى ضدّه بمحاولة الانقلاب على الدستور، أو الاحتفاظ بوثائق سرّية، دون معاودة دونالد ترامب التجربة، والترشح مجدداً للرئاسة، وهو ما حاول حتى حزبه مقاومته بمرشحين آخرين، تبخرت "نجوميتهم" المفترضة سريعاً أمام سطوة الرئيس السابق.
ومنذ فوزه بالرئاسة في 2016، تعامل خصوم ترامب السياسيون في البلاد مع مجيئه إلى السلطة بـ"ازدراء"، وهم لا يزالون على حالهم، فيما أسّس الرجل لأعداء له في الخارج، وكارهين، وأصدقاء، بل حتى استنسخ أشباهاً له، لدرجة التطبيع مع الوضع، حيث يبدو تيار اليمين المتطرف، أو الفاشية، عالمياً، في ازدهار. ويحلم الرئيس الجمهوري السابق، بعد ثماني سنوات مليئة بالمتغيرات التي أرساها، والانتكاسات، أن يفضي، اليوم الثلاثاء، إلى عودته "منتصراً" إلى البيت الأبيض، وسط تكهنات وسيناريوهات خطيرة بدأت تُرسم لهذه العودة المحتملة، أو حتى للخسارة التي لم يعترف بها قبل أربعة أعوام، لدرجة أنه كان المحرض على اقتحام أنصاره الدموي للكونغرس الأميركي، الأول في تاريخ البلاد.
قاعدة شعبية غاضبة
لكن لا يبدو أن تشبث دونالد ترامب بالسلطة يأتي من فراغ. فخلف الرجل قاعدة شعبية محافظة وصلبة وعتيقة في غضبها، تمثل في الداخل نصف الأميركيين تقريباً الذين يرون أنفسهم "أناساً عاديين"، يعلنون الحرب على الدولة العميقة والإعلام النمطي ووول ستريت والمهاجرين والملونين، وأيضاً الصين وروسيا والمناخ، وكل ما يمنعهم، بنظرهم، من بلوغ "الحلم الأميركي". وتحمل السياسة الأميركية بعض المفارقات. إذ بينما خسر ترامب جزءاً بسيطاً من شعبيته الجمهورية على مرّ السنوات الماضية، وواجه انتقاد قياديين في الحزب، إلا أن أي انشقاق عن الحزب لم يحصل، بل شهد تطبيعاً واندماجاً متصاعداً للترامبيين. والأخطر صاغه الديمقراطيون بأنفسهم، في عهد ولاية جو بايدن، التي حاصر نهايتها سؤال شهير مستعاد للرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان، طرحه قبل عقود حين نافس الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر قائلاً للأميركيين: "هل كنتم أفضل حالاً خلال السنوات الأربع الماضية؟".
تبنى ترامب في حملته الانتخابية الثالثة سردية أكثر تطرفاً
ولهذا السبب، سمح دونالد ترامب لنفسه، في حملته الانتخابية الثالثة، أن يذهب بعيداً في تبني السردية اليمينية المتطرفة، مع مغازلة طارئة للفئات المتردّدة والساخطة من إدارة بايدن، وتلك التي تريد معاقبتها، لاعباً كذلك على خطاب ذكوري في منافسة كامالا هاريس. واستغل ترامب إخفاق الإدارة الأميركية في كل الملفات تقريباً، من الاقتصاد إلى الهجرة غير النظامية (وصف المهاجرين بالحيوانات)، إلى الحروب المستعرة حول عالم، مروجاً نفسه رئيساً قادراً على إبرام السلام، لكنه جاهز بمصطلحاته "الحربية" لـ"تحرير الولايات المتحدة المحتلة" من قبل المهاجرين. ويعتمد ترامب على سياسة اقتصادية خلال عهده قلّصت نسبة التضخم، وشهدت تحسيناً للسياسة الضرائبية، استفادت منها الطبقة الوسطى، فيما لم يحد خلال حملته، بعدما كان في عهده قد انسحب من معاهدات المناخ، عن سياسة الجمهوري الداعمة لتعزيز استخراج النفط.
ويفهم ترامب جيداً لغة الشارع الذي يصوّت له، هو الشعبوي بامتياز، ولا يوارب في مشاكسته مفاهيمَ "الديمقراطية" و"حرية الرأي" و"حقوق الإنسان" و"التنوع" الأميركي، وهو على عكس تملّق العام الأول من الحكم في 2017، أصبح أكثر ميلاً للحديث عن "ديكتاتورية منذ اليوم الأول"، إذا ما عاد إلى الحكم، عازماً على تنفيذ عملية "ترحيل ضخمة" للمهاجرين غير النظاميين، بعدما كان سبق ذلك منعه في ولايته الأولى مواطنين من سبع بلدان، غالبيتها من المسلمين، من دخول البلاد.
لكن عنصرية ترامب المكشوفة لم تردعه عن محاولة إقناع الناخبين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، وخصوصاً في ولاية ميشيغين المتأرجحة والمهمة للفوز بالرئاسة، بالتصويت له، مستغلاً سخط هؤلاء من سياسة بايدن في الشرق الأوسط، التي أدخلت المنطقة في عام ثان من العدوان الإسرائيلي، رغم أن ترامب نفسه كان عرّاب ما يعرف بصفقة القرن، التي لم تمرّ في عهده، وعنوانها الأساسي تصفية القضية الفلسطينية (ترامب ذهب أبعد من ذلك في نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة والاعتراف بضمّ إسرائيل الجولان السوري المحتل). ويستغل ترامب السخط الأميركي من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، متعهداً بإنهائها، في نهج يتبناه الحزب الجمهوري، بابتعاد جذري عن الديمقراطيين في هذا الشق بالمرتبط بالعداء لروسيا، ومن دون خشية من تفاقم نعته بصديق الديكتاتوريين حول العالم، حين تقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال ولايته السابقة، وتبادل عبارات الود مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. كما استعاد ترامب، في حملته، تعهدات مطابقة لنهجه خلال ولايته السابقة، حيث "السلام" مرادف للازدهار الاقتصادي الذي يعد به "الدول المطيعة" لسياسات أميركا، فيما الحروب تقوم بشكل أساسي على "تكثيف العقوبات".
وقد ترتبط أي ولاية جديدة محتملة لترامب بمشروع لا يزال الرئيس السابق ينأى بنفسه عنه، لكنه يعكس نموذجاً لتفكيره وفريقه، وقد يشكّل مرحلة لا تقلّ خطورة عن ولايته الأولى، التي اتسمت بالانكفاء الأميركي، والانسحاب من اتفاقيات ومعاهدات دولية، والتشكيك بأهمية حلف شمال الأطلسي وتحالفات أخرى تقودها الولايات المتحدة. الحديث هنا هو عن "مشروع 2025"، الذي نسّقته "مؤسسة هيريتاج"، ويشكّل خطة طريق لانتقال للسلطة في الولايات المتحدة، تركّز على إعادة هيكلة السلطات الفيدرالية، وتركيزها في يد البيت الأبيض. ومن أهداف المشروع تأمين الحدود وترحيل المهاجرين غير الشرعيين ودعم إنتاج الطاقة الأميركي وزيادة مساءلة المسؤولين الفيدراليين أمام الرئيس والكونغرس المنتخبين، بالإضافة إلى نقل صلاحيات التعليم إلى الحكومات المحلية. كما للمشروع رأي مناهض للإجهاض، ويعتبر أنه من أكثر المشاريع محافظة، وشارك في صياغته باحثون وأفراد من فريق ترامب.
في إبريل/نيسان الماضي، تساءلت مجلة "تايم" عن "أي مدى قد يصل إليه ترامب" إذا ما عاد للسلطة؟ حينها، أجاب الرئيس السابق بأنه يعتقد أنه كان "لطيفاً جداً" في ولايته الأولى، مضيفاً "أرى اليوم أني سأطلق النار". وقد يعود ترامب فعلاً بحلّة أكثر شراسة، حيث أكد أنه "لن يهمّ إلى نجدة أي حليف"، و"سيطرد" كل من يعاكسه الرأي في الداخل. وبينما تكثر الأقاويل عن شكل الولاية الثانية المحتملة للرئيس السابق السبعيني، تكمن المشكلة في أنه نجح في إحداث بصمة متطرفة، يصعب محوها، وأصبح له تلامذة كثر، سواء فاز أو خسر المعركة الحالية، في شكل الولايات المتحدة التي يريدها تياره.