شكّلت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التركية التي أُجريت في 14 مايو/ أيار الحالي، مفاجأة غير متوقعة لتحالف الشعب أو ما يسمى الطاولة السداسية المعارض. وكانت استطلاعات الرأي تشير إلى تفوق مرشحها كمال كلجدار أوغلو في مواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان، وكذلك الأمر في الانتخابات البرلمانية.
لكن تحالف المعارضة لم يحقق هذا التفوق المتوقع، كما حسم التحالف الجمهوري الحاكم الانتخابات البرلمانية لصالحه، بتحقيق 323 مقعداً من أصل 600 وفق النتائج الأولية المعلنة.
وحقق مرشح المعارضة، زعيم حزب الشعب الجمهوري كلجدار أوغلو، 44.88 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات، فيما حصل أردوغان على 49.52 في المائة وفق النتائج المعلنة لدى الهيئة العليا للانتخابات، فيما حقق المرشح الرئاسي الثالث سنان أوغان 5.17 في المائة. وفي ظلّ عجز أي طرف عن تجاوز حاجز الـ50 في المائة، انتقلت الانتخابات الرئاسية للجولة الثانية، المقررة في 28 مايو الحالي.
وعملت المعارضة في الأيام السابقة على استيعاب صدمة النتائج والتحضير لاستراتيجية الجولة الثانية بعد محاولة معالجة الأخطاء، وهو ما دفع قادة أحزاب تحالف الشعب الممثلة بالطاولة السداسية للاجتماع وإقرار استراتيجية جديدة الأربعاء الماضي.
وتضم الطاولة السداسية بالإضافة إلى كلجدار أوغلو، كلاً من زعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو، وزعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنر، وزعيم حزب السعادة تمل قره موللا أوغلو، وزعيم حزب دواء علي باباجان، وزعيم الحزب الديمقراطي غولتكين أويصال.
كايا: الأجواء إيجابية جداً لأن الحزب الحاكم تراجع على الرغم من كل الإمكانيات لديه
ولم يصدر أي بيان عن اجتماع الأربعاء، لكن بولنت كايا، نائب رئيس حزب السعادة، المنتخب في البرلمان الجديد، قال لـ"العربي الجديد" بعد الاجتماع، إن "اللقاء كان يتمحور حول الجولة الثانية للانتخابات، وتم تبادل الأفكار والآراء والتوافق على الاستراتيجية الجديدة العامة للجولة الثانية والتوافق على الحملة"، مؤكداً أن "الاجتماع كان مثمراً".
ولفت كايا إلى أن "حملة الجولة الجديدة انطلقت، وتمت طباعة المنشورات والشعارات الجديدة، وبدلاً من التجمعات الانتخابية، سيكون عنوان المرحلة المقبلة هو اللقاءات المباشرة الميدانية والتركيز على الإعلام بشكل كبير".
وأضاف: "كان هناك تقييم لما حصل في الجولة الأولى، وسيكون هناك توجه لتشجيع جميع الناخبين في الجولة الأولى للذهاب إلى الجولة الثانية وحث من لم يذهب على المشاركة". وأكد أن المرحلة المقبلة ستشهد "عمل جميع القادة والنواب ورؤساء البلديات ميدانياً وإجراء لقاءات مباشرة مع الناخبين".
وشرح كايا أن الأجواء إيجابية لدى تحالف الشعب، قائلاً: "الأجواء إيجابية جداً لأن الحزب الحاكم، على الرغم من إمكانيات الدولة والإعلام التي لديه إلا أنه تراجع، وهناك انخفاض بما يعادل 8 في المائة لدى التحالف الجمهوري، أي العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية".
وختم بالقول: "هناك انخفاض بنحو 30 نائباً برلمانياً لدى التحالف الجمهوري، وهذا الانخفاض مستمر، وعلى عكس ذلك فإن أصوات تحالف الشعب مستمرة في التصاعد، وهو ما يعني أن الشعب لا يرغب باستمرار السلطة الحالية، وهو ما يزيد قناعتنا في الفوز بالجولة الثانية".
خطاب قومي متشدد للمعارضة
في المقابل، ذكرت وسائل إعلام تركية، من بينها قناة "خبر تورك"، أن تحالف الشعب المعارض ذهب باتجاه تبني خطاب قومي أكثر تشدداً بعدما لاحظ فقدانه أصوات القوميين بسبب الدعم الذي تلقاه كلجدار أوغلو من حزب "الشعوب الديمقراطي" المرتبط بحزب "العمال الكردستاني" المحظور في البلاد، إذ عمل أردوغان على إظهار مشاهد من هذا الدعم والارتباط ما أثّر على الناخبين.
توجّه المعارضة إلى الناخبين القوميين سببه أيضاً الأصوات التي حصل عليها المرشح الرئاسي الثالث سنان أوغان، وهو الذي تبنى خطاباً قومياً عنصرياً مركزاً على اللاجئين.
وكانت أولى مؤشرات هذا التبدل استبدال كلجدار أوغلو خطابه حول مهلة عامين لإعادة السوريين لبلادهم، بحديثه في فيديو بثه عقب الانتخابات عبر "تويتر" عن "ضرورة حماية البلاد وإرسال 10 ملايين لاجئ فوراً لبلدانهم".
وبذلك اقترب كلجدار أوغلو من الأرقام التي يعلنها أوغان عن اللاجئين، إذ كان يقول إن عدد اللاجئين في البلاد 13 مليون لاجئ، فيما الأرقام الرسمية تفيد بأنهم أكثر من 3.5 ملايين يتمتعون بالحماية المؤقتة.
ومن الواضح أن لدى كلجدار أوغلو هدفين من هذا الخطاب، استمالة الناخبين القوميين، واستمالة أوغان إلى تحالفه وتلقي دعمه، وبالتالي الحصول على أصواته في الجولة الثانية من الانتخابات.
وكشف كلجدار أوغلو عن أهداف الحملة في تصريح، أول من أمس الخميس، من مقر الحزب بأنقرة، وبدا أنه يحدد 3 أهداف أساسية لها، هي اعتماد خطاب عنصري تجاه اللاجئين، والتركيز على الفساد والاقتصاد، وعلاقة الحكومة وأردوغان بـ"الإرهاب".
وقال كلجدار أوغلو في كلمته: "لو بقيت الأمور للحكومة سيأتي إلينا 10 ملايين لاجئ جديد، وسيرتفع الدولار إلى ما يعادل 30 ليرة، وستبدأ عمليات السرقة من أجل كسرة خبز"، مضيفاً: "ستتحكم المافيا واللاجئون بالمدن، وستزيد الجرائم بحق النساء، ولن تتمكن الفتيات من الخروج للشارع، وسيقتلون الناس بربطهم، وسيدخل الإرهابيون من كل مشرب إلى البلاد. لكن نحن لن نسمح بهذا".
وشدّد مخاطباً أردوغان: "لم تحمِ شرف الحدود يا أردوغان، جلبت 10 ملايين لاجئ، وللحصول على أصوات انتخابية بعت الجنسية، عندما آتي للحكم سأرسل اللاجئين إلى بيوتهم جميعاً".
كلجدار أوغلو: لو بقيت الأمور للحكومة سيأتي إلينا 10 ملايين لاجئ جديد، وسيرتفع الدولار إلى ما يعادل 30 ليرة
وتحدث المرشح الرئاسي عن قضية الإرهاب، نافياً أي تواصل له مع المنظمات الارهابية، قائلاً في معرض الرد على أردوغان: "ألم تكن أنت من جلس على طاولة الإرهاب، وتتهمنا بالعلاقة معه؟"، مضيفاً: "ألست أنتَ من ساوم الإرهابيين بالسر. أؤكد أني لم أجلس قط على طاولة واحدة مع الإرهابيين، ولن أجلس أبداً، ولن أسلك طريقك السياسي".
ويمكن إضافة حملة موازية لهذه الأهداف تتمثل في حث الناخبين على المشاركة المكثفة في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، في ظل مؤشرات إلى عزوف ناخبين عن المشاركة نتيجة الإحباط، ولهذا تهدف المعارضة للحفاظ على الكتلة الناخبة وإضافة ناخبين جدد إليها، والتغلب على حالة الإحباط هذه.
ودعا كلجدار أوغلو الناخبين للذهاب إلى صناديق الاقتراع بكثافة والدفاع عن الوطن، مستخدماً أسلوباً جديداً وصوتاً مرتفعاً. وعنون حملته الانتخابية الجديدة بـ"قرار من أجل تركيا"، فيما استخدم بالجولة الأولى كلمة "وعد لكم". وقال: "سنذهب لانتخابات مهمة، مرشحان بمفهومين مختلفين، في انتخابات لم تشهدها البلاد من قبل، وسنشارك بها من الصفر".
وتوجه كلجدار أوغلو للناخبين، وقال إنه فهم رسالتهم، إذ إن "قسماً منهم لم يشارك بالتصويت، وقسم آخر صوت لأردوغان من دون قناعة"، مضيفاً "خلال الأيام العشرة الباقية للانتخابات سأعمل بكل طاقتي"، مؤكداً أنّه "ستجري مراقبة الانتخابات بشكل جيد، وسيكون على كل صندوق خمسة شهود"، وتشكل مسألة أمن الانتخابات نقطة خلافية بين الحكومة والمعارضة.
استراتيجية المعارضة
وحول استراتيجية المعارضة، قال الصحافي يوسف سعيد أوغلو، لـ"العربي الجديد": "من الواضح أن المعارضة ستعمل على حملة مضادة لما فعله أردوغان في ظل شكوك في جدوى ذلك خلال المدة القليلة المتبقية للانتخابات، فهناك قرابة أسبوع فقط، فهل سيتمكن من تغيير القناعات لدى الناخبين؟ هذا هو التحدي الكبير لدى تحالف المعارضة".
وأردف: "الخطوة الأولى كانت التركيز على إعادة كسب ثقة الناخبين القوميين، وهذا ينبع من التركيز على مسائل وقضايا الإرهاب، ولهذا وجدنا رفع الخطاب الموجه ضد اللاجئين"، مضيفاً: "بدلاً من حديث كلجدار أوغلو عن إرسال السوريين بالطبل والزمر خلال عامين، بدأ يقول يجب إرسالهم فوراً".
يوسف سعيد أوغلو: تبني خطاب القومية سيتطلب تضحيات في العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطي
وشدّد سعيد أوغلو على أن "تبني خطاب القومية سيتطلب بالتأكيد تضحيات في العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطي الذي وجّه ناخبيه للتصويت لصالح كلجدار أوغلو في الجولة الأولى، وهذه الجزئية مرتبطة بالخطوة الثانية وهي حث الناخبين للتصويت مجدداً في الانتخابات المقبلة".
وأضاف: "تعتقد المعارضة أن ثمة إحباطاً لدى الناخبين يدفعهم للعزوف عن التصويت، فيجب المحافظة على المصوتين في الجولة الأولى وكسب أصوات في الجولة الثانية".
وأكد سعيد أوغلو أن هناك "خطوة ثالثة تتعلق باستهداف الحكومة، عبر الحديث عن الفساد وهو حديث شائع لدى المعارضة بأن أردوغان ومن حوله وعائلته كوّنوا ثروات طائلة مستخدمين إمكانيات الدولة، وهو حديث ربما سيتكرر بشكل دائم خلال الأيام المتبقية للجولة الثانية".
وختم بالقول: "النقطة الأخيرة مرتبطة بالعلاقة مع الإرهاب، إذ سيدافع كلجدار أوغلو عن نفسه وعدم علاقته بالإرهاب من خلال توجيه الأمر لحوار الحكومة بتعليمات من أردوغان قبل سنوات مع قيادات تابعة للعمال الكردستاني من أجل حل المسألة الكردية، وهو ما يعني علاقة الحكومة مع الإرهاب، ومن المؤكد كل هذه المسائل سيتم تكثيف التركيز عليها إعلامياً في الفترة المقبلة".
وأمس التقى كلجدار أوغلو زعيم حزب النصر القومي المتشدد أوميت أوزداغ، في مسعى لكسب دعم أصوات المرشح الرئاسي سنان أوغان بالجولة الثانية للانتخابات الرئاسية. وجرى اللقاء في مقر حزب النصر في العاصمة أنقرة، في ظل اهتمام إعلامي كبير، إذ إن كلجدار أوغلو قدّم خطابات تقارب وعود تحالف "أتا" الذي رشّح أوغان في الانتخابات الرئاسية بالجولة الأولى للانتخابات.
وقبل اللقاء امتدح أوزداغ كلام كلجدار أوغلو الجديد. وعقب اللقاء قال كلجدار أوغلو: "قدمت له وجهات نظر قيادات تحالف الشعب وجهودنا وأفكارنا في السياسات المشتركة وفي ما يتعلق بتعديل الدستور، وكانت هناك أسئلة وجهت لنا قدمت لها أجوبة تفصيلية قدر الإمكان".
من ناحيته، أكد أوزداغ أنه "كانت لدينا أسئلة سألناها وحصلنا على أجوبة تفصيلية بحقها، وبناء عليها سنلتقي مع الجهات المسؤولة ونقيّمها في التحالف وبقية الأحزاب ومع المرشح سنان أوغان". وكان أوغان قد نال 5.17 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ولم يحسم قراره بدعم أي من المرشحين، أردوغان وكلجدار أوغلو، في الجولة الثانية في 28 مايو الحالي.