يتوجه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لإجراء تعديلات على الدستور خلال المرحلة المقبلة، لمنع تكرار حالة "الانسداد السياسي" عقب إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة الماضية، والتي استمرت أكثر من عام، وأسفرت عن صدام مسلح ما بين أنصار "التيار الصدري" والفصائل المسلحة المحسوبة على طهران، الأمر الذي دفع زعيم "التيار"، مقتدى الصدر، للعزلة السياسية.
وشكل مجلس النواب العراقي في عام 2019 لجنة لتعديل الدستور على خلفية الاحتجاجات الشعبية، إلا أن اللجنة لم تحقق أي تقدم باتجاه التعديلات، بسبب وجود رفض سياسي لذلك.
وذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، اليوم الأحد، أن "السوداني، قرر تكليف حسن الياسري مستشاراً لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الدستورية، وسيبدأ الياسري مهام عمله بعقد اجتماعاتٍ ولقاءاتٍ وتباحث مع ممثلي الرئاسات التنفيذية والتشريعية، فضلاً عن التداول مع السلطة القضائية بغية رسم ملامح خريطة طريق لإجراء التعديلات الدستورية المطلوبة".
وأضاف البيان: "تأتي هذه الخطوة التزاماً من الحكومة بتنفيذ بعض مضامين المنهاج الوزاري الذي صادق عليه مجلس النواب في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وعملاً باتفاق الكتل السياسية حول الحاجة إلى إجراء تعديلاتٍ دستوريةٍ يُتفق عليها، وتجنباً لتكرار حالات الانسداد السياسي التي حصلت في مراحل مختلفة، خصوصاً في الفترة الأخيرة".
وتابع: "كما يأتي هذا الإجراء سعياً من الحكومة لتحقيق الانسيابية المطلوبة للعمل في مفاصل الدولة، بما يتوافق مع قراراتٍ سابقةٍ للمحكمة الاتحادية العليا ومواقف لمجلس القضاء الأعلى، انطوت على الدعوة لإجراء التعديلات الدستورية، فضلاً عن كون هذه الخطوة تمثل تأييداً من الحكومة للرأي العام في العراق حول الحاجة الفعلية لإجراء تلك التعديلات".
تعليقا على ذلك، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي ماهر جودة، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "تحرك رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حول تعديلات بعض الفقرات الدستورية لن يكون سهلاً، خصوصاً أن هذا التحرك سوف يصطدم برفض سياسي كبير من قبل أطراف سياسية مختلفة، خصوصاً مع وجود نية لهذا التعديل منذ سنة 2019، لكن حتى الساعة، لا يوجد أي شيء يذكر في هذا الملف طيلة السنوات الماضية".
وبين جودة أن "تحرك السوداني جاء من أجل مغازلة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي كان من ضمن مطالبه تعديل فقرات في الدستور إضافة الى إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، وهذه المغازلة ربما ستبقى إعلامية فقط، ولن يجرى تعديل أي شيء من فقرات الدستور، بسبب وجود معارضة سياسية لذلك، خصوصاً من قبل بعض أطراف الإطار التنسيقي".
وأضاف الخبير في الشأن السياسي أن "تعديل فقرات الدستور العراقي يتطلب قضايا مهمة بعيدة عن التوافق السياسي، وهو إجراء استفتاء شعبي على هذه التعديلات، وهذا الأمر يتطلب وقتاً وأموالاً وإجراءات فنية كبيرة، وهذا الأمر لا يمكن حسمه من خلال حكومة عمرها فقط سنة ونصف".
وتختلف وجهات النظر السياسية من ناحية المواد التي تحتاج إلى تعديل، مثل قانون المحكمة الاتحادية، وهي أعلى محكمة في العراق، وتتخصص في الفصل في النزاعات الدستورية، إضافة إلى تعديل فقرة "نظام الحكم" في الدستور، وتحويله إلى "رئاسي أو شبه رئاسي"، وكذلك "قانون المساءلة والعدالة"، فضلاً عن الفقرات المرتبطة بالمحافظات، ومنها إنهاء الجدل حول عدد أعضاء مجلس النواب، فهناك مطالبات سياسية بخفض العدد، ناهيك عن قوانين النفط والغاز، والمادة 140 من الدستور، المتعلقة بملف المناطق المتنازع عليها بين سلطتي بغداد وإقليم كردستان العراق، وقانون الهيئات المستقلة، والصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء باختيار وزرائه وإقالتهم والمحافظين.
وأقرّ الدستور عام 2005، في استفتاء شعبي قاطعه طيف واسع من العراقيين، بنوداً وفقرات ما زالت مثيرة للجدل، تبدأ من ديباجة الدستور الأولى التي استبدلت عبارة أن العراق دولة عربية، والموجودة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، إلى عبارة أن العراق دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب وعضو مؤسس وفعّال في جامعة الدول العربية، مروراً بمادة المناطق المتنازع عليها.
كما تم ذكر وترسيخ مفردة المكونات التي أسست للمحاصصة الطائفية في العراق، وانتهاء بقانون البرلمان والنظام الفيدرالي الذي أعطى الحق لأي محافظة، أو عدة محافظات مجتمعة، في اختيار الذهاب نحو إقليم مستقل إدارياً على غرار إقليم كردستان العراق.