تفاقمت أزمة بلدية الخليل جنوبيّ الضفة الغربية بين رئيس البلدية، تيسير أبو سنينة، وأعضاء كتلة "البناء والتحرير"، التابعة لحركة "فتح"، الذين قدموا استقالتهم من المجلس، الخميس الماضي، مطالبين بإجراء انتخابات جديدة لمنصب رئيس البلدية قبل عودتهم.
واعتبر أبو سنينة طلب كتلة "فتح" غير منطقي وغير قانوني، وقال لـ"العربي الجديد": "أنا جئت عبر الصندوق والانتخابات والنهج الديمقراطي ولا أقبل المساومة في عملي، لأني رئيس بشكل قانوني، وإذا أرادوا إزاحتي من منصبي، فلن أقبل إلا بالطرق القانونية التي يختارها الشعب، أما أن يكون الأمر أشبه بالابتزاز، فهو مرفوض".
واعتبر أبو سنينة أن استقالة كتلة البناء والتحرير جاءت بدوافع وضغوط سياسية من أمين سر إقليم فتح في الخليل، عماد خرواط، وأنها قُدمت عبر الإعلام بعيداً عن الطرق القانونية بتوجيهها إلى رئيس البلدية ووزارة الحكم المحلي.
وتابع ابو سنينة: "لغة التحريض من أشخاص في إقليم فتح بالخليل أوصلت البلد إلى ما هي عليه الآن من إطلاق نار واستهداف شخصيات عامة، وهناك تحريض على المجلس البلدي واستهداف سياسي لنا منذ ثلاثة أشهر"، مشيراً إلى أنّ "هناك تقاطعاً بين سلوك إقليم فتح ومصالح الاحتلال في مدينة الخليل، ومن يتهمني بالأجندات السياسية فعليه أن يعلم أني ملتزم وطنياً بتاريخ شهداء فتح لا بمن تعايشوا مع الاحتلال باسم فتح".
وأشار أبو سنينة إلى أنه حاول التواصل مع رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، وتواصل مع وزير الداخلية، زياد هب الريح، وقادة الأجهزة الأمنية ووضعهم بصورة ما يحصل في مدينة الخليل وضرورة محاسبة مطلقي النار على أعضاء بلدية الخليل.
وكان أبو سنينة قد ترأس بلدية الخليل أول مرة عقب مشاركته في انتخابات الهيئات المحلية في مايو/ أيار 2017 ضمن قائمة تتبع لحركة فتح، لكن خلافات ظهرت على السطح بين أبو سنينة وإقليم الحركة في الخليل دفعته إلى المشاركة في انتخابات 2022 مع قائمة "الوفاء للخليل" التي ضمّت شخصيات مستقلة وأخرى مقربة من حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي فازت بالانتخابات، وعلى إثرها صدر قرار بفصل أبو سنينة من حركة فتح مطلع يونيو/ حزيران 2022.
وأبو سنينة أسير محرر من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهو أحد أعضاء حركة فتح ومناضليها التاريخيين، وكان من بين الأشخاص الذين شاركوا في عملية الدبويا عام 1980 التي قُتِل فيها ستة مستوطنين وجُرح 20 آخرون.
ويسعى إقليم حركة فتح بالخليل لمساومة مجلس بلدية الخليل لإزاحة تيسير أبو سنينة عن منصبه، ولا سيما أنها لم ترحب بتعيينه عند فوزه برئاسة البلدية على إثر خلافات تنظيمية بين الطرفين، بحسب ما أكدته مصادر خاصة لـ"العربي الجديد".
وجاءت استقالة أعضاء كتلة فتح من البلدية (عددهم ستة من أصل 15 عضواً)، في وقت حرج تمر فيه مدينة الخليل بحالة فلتان أمني. ويقول العضو المستقيل، يوسف الجعبري، لـ"العربي الجديد" إن "سوء إدارة البلدية من قبل الرئيس، نتج منه إحباط في أوساط الطاقم التنفيذي للبلدية، وغياب الثقة بين الأعضاء والرئيس، وتراجع تصنيف البلدية حسب صندوق تطوير وإقراض البلديات، ذلك كله دفعهم إلى تقديم الاستقالة الجماعية".
وتدخلت شخصيات اعتبارية وجهات حقوقية لرأب الصدع وحل أزمة بلدية الخليل وعودة أعضاء كتلة فتح للمجلس، لكن مدير مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان جنوبيّ الضفة الغربية، فريد الأطرش، يوضح أن كتلة حركة فتح في المجلس البلدي قدمت مقترحاً ربطت فيه عودتها إلى مجلس البلدية، بإعادة انتخاب منصب رئيس البلدية ونائبه، وغير ذلك فإن الأزمة ستستمر.
من جهته، أكّد الجعبري أن مشكلتهم مع شخص رئيس البلدية من الناحية الإدارية، ولا علاقة للجوانب السياسية بالموضوع، مشيراً إلى أن "غياب رئيس البلدية في رحلات سفر لفترات طويلة تتعدى الـ 30 يوماً أثر بسير العمل للصالح العام، بالإضافة إلى عدم قدرته على ضبط موظفي البلدية، وتحديداً قسم عمّال النظافة".
وعن سؤال "العربي الجديد" أن أبو سنينة كان مرشح فتح للانتخابات البلدية السابقة، ردّ الجعبري: "مستعدون لانتخاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرات عديدة، ولكن غير مستعدين لانتخاب أبو سنينة مرة أخرى، ونحن أخطأنا في انتخابه سابقاً. لقد اعتذر أمين سرّ فتح بالخليل لأهل المدينة على اختيار أبو سنينة، ونحن نقدر تاريخه النضالي، لكنه لا يصلح للمجال العام".
وشهدت الخليل، في الآونة الأخيرة، حالات فلتان أمني عقب استهداف مسلحين لمركبة نائب رئيس البلدية عن قائمة الوفاء، أسماء الشرباتي، مساء الأربعاء الماضي، تبعها استهداف مركبة زوجها ومبانٍ ومركبات تتبع للبلدية، وذلك على خلفية عمل المجلس البلدي واتخاذه قرارات بعدم توظيف أشخاص بشكل غير قانوني. ولاحقاً شهدت الخليل محاولة اغتيال طاولت عضو المجلس عن قائمة الوفاء، عبد الكريم فراح، عبر إطلاق الرصاص عليه وإصابته في القدم، مساء أول أمس الأحد.
وقال فريد الأطرش، مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، لـ"العربي الجديد" إن "الأجهزة الأمنية الفلسطينية وعدت بكشف الجناة واعتقالهم خلال الساعات القادمة"، مشيراً إلى أن الهيئة "تحذر من سيادة الفلتان الأمني على حساب سيادة القانون حال عدم محاسبة المعتدين".