حذر رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري من خطر انتقال "التمدد الصهيوني" إلى بلاده، معتبرا أن "الأردن مستهدف كنظام وشعب ووطن من خلال خطط وأطماع مرسومة على الورق من قبل الطامعين، وفي مقدمتهم الاحتلال الإسرائيلي ومن يقف خلفه من الداعمين في أميركا والغرب عموما، وما نراه من دعم معلن وغير معلن من قبل بعض الأشقاء".
وأضاف المصري، في محاضرة نظمتها نقابة الصحافيين الأردنيين ليلة أمس السبت تحت عنوان: "أين سنكون مستقبلا؟" حول الوضع الراهن في الأردن وفلسطين، أن الحكومات الأردنية هذه الأيام تبدو كأنها "لا تشعر بحاجات الناس أو بالمستقبل، كما أن سياساتها تجعلنا نعتقد أنها حكومات مستنسخة بعضها من بعض؛ حكومة واحدة، ولكن بوجوه وأسماء مختلفة". وتابع قائلا: "الواقع الذي يعيشه الأردنيون اليوم يبدو أكثر إثارة للخوف من قادمات الأيام ومن مستقبل مجهول لا يجدون معه حتى مجرّد فكرة المستقبل الآمن أو الناعم".
وحول تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وممارسات الاحتلال، قال إن "إسرائيل تحتل اليوم كلّ أراضي فلسطين، ما عدا قطاع غزة، وفرضت القدس عاصمة لها، وها هم يعملون بجد على بناء الهيكل الذي هو إشارة إلى أن إسرائيل التوراتية قد اكتملت".
وأضاف المصري، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في الأردن بضعة أشهر في عام 1991: "إذا تذكرنا أن قانون قومية أو يهودية الدولة قد أصبح ضمن الدستور أو النظام الأساسي للدولة، وهذا في فهمي أن إسرائيل ترفض إعطاء الفلسطينيين، لا دولة واحدة ولا حل الدولتين، ولا حكماً محلياً ولا كونفدرالية، لا شيء لنا، وكلها لهم".
وانتقد المصري عقد الحكومات الأردنية اتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى "استمرار تنفيذ البرنامج الصهيوني الذي يعمل على ضم كل الضفة الغربية إلى إسرائيل، والتعامل مع السكان الفلسطينيين حسب مفهوم قانون يهودية الدولة. بالإضافة إلى الحديث علناً عن الوطن البديل، ما يجعل حدود إسرائيل الأمنية هي عند حدود الأردن الشرقية، وأحد أحلامها بالوصول إلى الأردن. ومع ذلك تعقد الحكومة الاتفاقيات معها، ضاربة عرض الحائط بالنتائج الوخيمة التي استقرت عليها هذه السياسات والعلاقات".
كما حذّر من "ضربات موجعة من الصعب مواجهتها والتصدي لها إذا استمرت السياسات الحكومية الحالية على نحو تمدد المشروع الصهيوني، وإغراقنا بالمزيد من ربط اقتصادنا ومعاشنا بالقوانين الاقتصادية والسياسية، وحتى العسكرية الإسرائيلية، وهو أمر من المؤكد أنه سيؤثر على استقلالنا وسيادتنا وهويتنا الوطنية الأردنية".
وتناول المصري الوضع الاقتصادي في الأردن قائلا إن "الأزمات الاقتصادية المتلاحقة رفعت قيمة الدين العام الخارجي، وأضعفت كل قطاعات الاقتصاد، ونقترب بسرعة من اعتبارنا دولة مفلسة".
وأضاف قائلا: "ما يضطر الحكومات لرفد الموازنة العامة بفرض المزيد من الضرائب، الأمر الذي أدى بالنتيجة لارتفاع نسبة البطالة، والتضخم، وتآكل المداخيل وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين".
وأشار إلى "اعتقاد غالبية الأردنيين بأن الأزمة الاقتصادية التي نعيشها الآن هي خطط تنفذ على الأرض في سياق استهداف الأردن دولة وشعبا، للوصول به إلى الاستسلام الناعم لكل المشاريع الهادفة لتأمين التمدد الصهيوني في المنطقة والإقليم، وهو اعتقاد لم يولد من فراغ".
وتابع المصري قائلا: "مما يحتم على الحكومة التفكير في خلق واقع اقتصادي جديد بأفكار وخطط جديدة بعيدة عن الاعتماد على الضرائب الباهظة لتأمين موازنة الدولة، وبعيدا أيضا عن ربط الأردن بمشاريع استراتيجية كبرى مع إسرائيل على نحو اتفاقيتي الغاز والمياه، وهما السلعتان الاستراتيجيتان اللتان ستكونان مستقبلا عنوانا رئيسا في صراعات الشرق الأوسط والإقليم والعالم".
وحول الإصلاح السياسي، قال المصري إن "جهود التحديث تراوح مكانها، وعلى مدى نحو 32 سنة، لم ننجح بتكريس النهج والسلوك الديمقراطي الحقيقيين، وظللنا نستمرئ البقاء في خانة التحول الديمقراطي أو الوضع الحالي".
وعزا ذلك لأسباب عديدة، أهمها "المماطلة في تنفيذ أي مشروع إصلاحي حقيقي رغم كثرة المشاريع الناجزة والمهمة، والتي أبقتها الحكومات حبرا على ورق، بدءا بالميثاق الوطني، مرورا بالأجندة الوطنية ولجنة الحوار الوطني"، متمنيا ألا يكون مصير مخرجات لجنة التحديث الملكية الأخيرة كمصير سابقاتها.
وحول التعديلات الدستورية الأخيرة، قال إنها "لم تعكس أية حاجة للشعب بقدر انعكاسها على المزيد من تكريس السلطة بيد السلطة نفسها، ما سيبقي البرلمان والتمثيل الشعبي في أضعف حالاته، وبالنتيجة، سيؤدي بالمواطنين إلى المزيد من الخوف والقلق وفقدان الثقة، وهنا سنفتقد حتى مجرد القدرة على التفكير بمستقبلنا".