لطالما اعتُبر موسم الربيع بمثابة موسم الحرب في أفغانستان، قبل وصول حركة طالبان إلى الحكم منتصف عام 2021، وكانت الحركة تعلن عمليات الربيع كل سنة وتطلق عليها مسميات مختلفة، مثل "عمرية" و"منصورية" و"عمليات الفتح".
لكن بعد وصول طالبان إلى الحكم تغيرت الأمور إلى حد كبير، وتراجع الحديث عن حرب الربيع، التي كانت تثير قلقاً في صفوف الشعب وضجة في صفوف قوات الأمن الأفغانية، التي انهارت بعد الانسحاب الأميركي وسيطرة طالبان على العاصمة كابول في 15 أغسطس/آب 2021.
على الرغم من ذلك، ثمة جماعات تواجه الحركة، ومنها تنظيم "داعش"، و"جبهة المقاومة الوطنية" بقيادة أحمد مسعود، و"جبهة الحرية" المكونة من عناصر وضباط الجيش الأفغاني السابق.
وتركز عمليات تلك الجماعات غالباً على الأعمال التفجيرية لا حرب الجبهات، باستثناء ما يحدث في بعض مناطق الشمال، مثل ولاية بانشير ومنطقة أندراب في ولاية بغلان، التي تتمتع فيها "جبهة المقاومة الوطنية" بنفوذ. وشهدت تلك المناطق حروباً بين طالبان وبين أنصار الجبهة في ربيع عام 2022، على الرغم من نفي طالبان ذلك. وأكد سكان تلك المناطق ومصادر مطلعة حدوث المعارك.
معارك بانشير في الربيع الماضي
وفي السياق، يوضح عبد الكبير جان محمد، وهو من سكان ولاية بانشير، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "ولاية بانشير شهدت معارك بين مقاتلي طالبان ومقاتلين من جبهة بانشير في موسم الربيع الماضي، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين والمدنيين"، مشيراً إلى أن "معظم تلك الاشتباكات وقعت في المناطق الجبلية الوعرة وفي القرى والأرياف".
ويضيف: "معروف أن ولاية بانشير جبلية، محاطة بجبال شاهقة من كل أطرافها، وبالتالي كان من السهل للمقاتلين المعارضين لطالبان التنقل بين الجبال والاختباء فيها بعد تنفيذ الهجمات".
عبد الكبير جان محمد: ولاية بانشير شهدت معارك بين طالبان والجبهة الوطنية في الربيع الماضي
ويقول جان محمد إن "معظم المقاتلين من الجبهة الوطنية (جبهة بانشير) من أبناء تلك المنطقة، ويعرفون تضاريسها وكيفية التنقل والتفاعل فيها، وهو ما أدى إلى خسارة في الأرواح في صفوف طالبان".
ويلفت إلى أن "طالبان تصدّت لتلك الهجمات وقضت على المقاومة إلى حد كبير في العام الماضي، حين وصل مقاتلو الحركة إلى نقاط بعيدة في جبال بانشير بحثا عن المقاتلين المعارضين، لكن بحلول موسم الشتاء لم يعد بمقدورهم البقاء فيها، فاضطروا إلى التراجع عنها، وهو ما أتاح الفرصة مرة أخرى لتجمّع معارضي طالبان من أنصار الجبهة الوطنية والاستعداد للحرب في العام الحالي".
من جهته، يكشف أحد زعماء قبائل أندراب، فيض الله جان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "منطقة أندراب، وبحكم تضاريسها الجبلية، مشهورة بالحروب منذ زمن الغزو الروسي لأفغانستان، وكانت من مناطق نفوذ القائد الجهادي الشهير أحمد شاه مسعود والد أحمد مسعود زعيم جبهة المقاومة الوطنية".
ويضيف أن "للجبهة نفوذا في المنطقة لأسباب عديدة، وأهمها العامل العرقي، لأن سكان المنطقة من عرقية الطاجيك والجبهة الوطنية تضمّ قادة من تلك العرقية. وهناك أيضاً الولاء التنظيمي، لأن معظم سكان تلك المنطقة من الموالين لأحمد شاه مسعود. وبالإضافة إلى كل ذلك الحساسية الموجودة بين سكان تلك المنطقة وطالبان، بالتالي تعارض منطقة أندراب طالبان، وشهدت معارك بين الحركة ومقاتلي الجبهة الوطنية حتى مطلع موسم الشتاء الأخير، وسقط خلالها عشرات القتلى والجرحى من الطرفين".
ويشير جان إلى مقتل القائد خير محمد خير خواه أندرابي والقيادي غازي مرادي في "الجبهة" في مواجهة مع طالبان في 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وخواه أندرابي من رموز الجبهة الوطنية ومن المقربين لأحمد مسعود، الذي نعاه، مشيداً بدوره في مقاومة طالبان. كما أكدت الجبهة حينها في بيان أن القياديين قُتلا في معركة مع طالبان، بعد نفاد ذخيرتهما مع عدد من المقاتلين الآخرين.
غير أن مصادر قبلية أكدت في حينها أن القائدين الميدانيين قُتلا مع 20 من أنصارهما، بعد أن حاصرتهم قوات طالبان في منطقة بالا حصار في أندراب، مشيرة إلى أن العمليات كلفت طالبان خسائر في الأرواح أيضاً، غير أن مقتل خواه أندرابي مكسب كبير لطالبان وخسارة للجبهة، بسبب نفوذه الكبير في المنطقة وفي صفوف القبائل.
محمد إسماعيل وزيري: الناس لا تدعم جبهة المقاومة الوطنية
وبعيداً عما حدث في العام الماضي، يتساءل مراقبون حول مدى قدرة "جبهة المقاومة الوطنية" على شن عمليات الربيع ضد طالبان. ويرى قسم منهم أن للجبهة إمكانات لشن العمليات مع حلول الربيع، لا سيما في ولاية بانشير وأندراب، وربما في بعض مناطق الشمال الأخرى أيضاً، لكنها لن تكون مختلفة عما كانت في العام الماضي.
ويعتبر المراقبون أن أي عملية جدية ستُشغل طالبان إلى حد ما، ولكن لن تشكّل خطراً عليها حتى في الولايات المعارضة للحركة، وذلك لأن الكثير من قادة وأنصار معارضي طالبان، إما خرجوا من البلاد أو قُتلوا نتيجة هجمات الحركة في الجبال والمناطق النائية، بمساعدة بعض أبناء تلك المنطقة.
وأهم قادة طالبان في هذه المناطق، هو عبد الحميد خراساني المتحدر من ولاية بانشير، والذي تعرّض لهجمات عدة من قبل أنصار "جبهة المقاومة الوطنية" ولكنه نجا منها.
الناس غير راغبة في الحرب
وفي السياق، يقول المحلل الأمني الأفغاني محمد إسماعيل وزيري لـ"العربي الجديد"، إن "جبهة المقاومة الوطنية لا تحظى بدعم كبير، حتى في مناطق الشمال، ناهيك عن مناطق الجنوب التي تقطن فيها قبائل البشتون الداعمة الأساسية لطالبان".
ويشير إلى أن "معظم قادة تلك الجبهة متهمون بالفساد خلال الحكومات المتعاقبة في كابول على مدى العقدين الماضيين، ولم يفعلوا شيئاً يُذكر لسكان تلك المناطق عندما كانوا في السلطة".
ويضيف: "بالتالي إن معظم الناس لا يدعمون الجبهة، ولا يرغبون في نشوب الحرب، فسكان المناطق النائية في ولاية بانشير ومنطقة أندراب كانوا ضحايا عمليات طالبان، إذ تعرضت منازلهم للبحث والتفتيش، كما قُتل وجُرح الكثير منهم خلال المعارك".
أما عن "داعش" و"جبهة التحرير الوطنية"، المشكّلة من بعض قادة وعناصر الجيش الأفغاني السابق، فمن المتوقع أن يواصلا مواجهة طالبان، على نفس المنوال من خلال الهجمات التفجيرية، كما فعل التنظيم في الفترة الماضية، وآخرها الهجوم الانتحاري داخل مقر حاكم ولاية بلخ في 9 مارس/آذار الحالي.
وهو ما أدى إلى مقتل الحاكم المولوي محمد داود مزمل. لكن على الرغم من هذه التفجيرات، لن يتمكن "داعش" ولا "جبهة التحرير الوطنية" من السيطرة على أي منطقة، لشن حرب جبهات ضد طالبان.