لا شك أنّ إدارة جو بايدن تشعر الآن بشيء من فائض القوة، فطريقها بدأت وما زالت سالكة بأسرع من المتوقع. أما المتاعب والعقبات الداخلية التي كان من المفترض أن تربك انطلاقتها؛ فإما تيسّر تخفيف أعبائها أو تكشّفت احتمالات واعدة لمعالجتها. ففي غضون شهر ونصف، حققت الإدارة من الإنجازات والتصحيحات نسبياً، ما نقل أميركا إلى نقيض الأجواء البائسة التي تركتها الإدارة السابقة، أو على الأقل هذا هو المأمول، في ظل اعتقاد ضمني واسع تشارك فيه وجوه من الجمهوريين، بأنّ دونالد ترامب جاء إلى الرئاسة بالغلط، وأنه ألحق الضرر بالحزب الجمهوري أكثر من أي طرف سياسي آخر. وقد لعب هذا التقييم دوره في تلميع رئاسة بايدن.
ويوم السبت، وافق مجلس الشيوخ على حزمة تحفيز بـ1,9 تريليون دولار، التي طرحها الرئيس بايدن لمواجهة تداعيات جائحة كورونا. ومن المتوقع أن يصوّت مجلس النواب على صيغتها النهائية يوم الثلاثاء، بحيث تصبح جاهزة لتوقيع الرئيس والتحول إلى قانون ساري المفعول في منتصف الأسبوع المقبل. المشروع الذي لم يسبق لرئيس أن مرر مثل حجمه في أول عهده. وكان ذلك أول اختبار كبير لبايدن، الذي تمكّن من انتزاعه بأكثرية صوت واحد، ورغم وقوف كافة الجمهوريين في المجلس ضده.
بموازاة هذا المشروع المتوقع أن يترك تأثيره على الوضع الاقتصادي؛ تمكّنت إدارة بايدن من تنظيم حملة التلقيح ضد كورونا وتسريعها، وبما فاق توقعات الرئيس نفسه ووعوده. فبدلاً من توفير مائة مليون لقاح في أول مائة يوم كما تعهّد؛ صار من شبه المضمون توفير اللقاح لكافة الأميركيين مع نهاية مايو/ أيار المقبل. أي قبل شهرين من الموعد المضروب. وقد ساهم في ذلك لجوء البيت الأبيض إلى وضع "قانون الإنتاج الدفاعي" موضع التنفيذ لتسريع عملية إنتاج اللقاح وتكثيفها، مما سمح برفع معدل التطعيم اليومي من 1,3 مليون إلى مليوني شخص.
وإثر ذلك، ارتفع رصيد الرئيس بحدود قياسية؛ 70% نسبة التأييد لمشروعه التحفيزي، 60% لأدائه العام، 55% لتعامله مع الوضع الاقتصادي بالرغم من استمرار التعثر. أرقام أعطت شحنة كبيرة من الدفع لإدارته وأجندته. خاصة وأنها تبدو فلكية مقارنة بأرقام سلفه التي لم تتجاوز 47–48% في أحسن الحالات خلال سنواته الأربع.
لكن إنجازات بايدن هذه، أو ما جرى وضعه في هذه الخانة، لم تكن كلها نتيجة لدقة حسابات إدارته وصوابية سياساتها؛ بل كانت أيضاً حصيلة لتضافر ظروف مؤاتية وتشرذم الخصوم مع شيء من الحظ لرئاسته. من ذلك سوء تعاطي إدارة ترامب مع جائحة كورونا، وما ترتب على ذلك من خسائر فادحة في الأرواح والأعمال، الأمر الذي نجحت إدارة بايدن في تصحيحه وتقديم البديل المناسب عنه، خصوصاً في تنظيمها لحملة التلقيح التي ساهمت في انحسار الوباء نسبياً، ولو أنّ خطر موجة رابعة يهدد الساحة الأميركية من جديد، نتيجة لتزايد إهمال شروط الوقاية.
ومن بين الظروف التي ساعدت بايدن أيضاً، وربما أهمها، أنّ الخصم الجمهوري مشغول بصراعاته الداخلية التي بلغت حدود التناحر، أكثر من انشغاله بمعاكسة إدارة بايدن. صحيح أنه وقف كتلة واحدة في مجلس الشيوخ ضد مشروع التحفيز؛ لكن هذا موقف مبدئي لحزب اعتاد الوقوف ضد تقديمات ومساعدات عامة من هذا النوع، باعتبارها أقرب إلى التوزيعات "الاشتراكية" التي يرفضها. أما الشرخ الحزبي الجمهوري الذي تعدّى نقطة الرجوع فمرشح للتفاقم. خصوصاً من جهة ترامب الذي لم يوقف تراشقه وتحريضه ضد قيادات وأركان حزبية رئيسية. يرافق ذلك حديث عن احتمال تشكيل حزب بديل، وحديث عن إعداد حملة لانتخابات الكونغرس في 2022 يتبنى ترامب فيها مرشحين ضد مرشحي الحزب الجمهوري. معركة إذا ما تواصلت وتصاعدت في هذا الاتجاه بين الحزب الأصلي والجناح الترامبي المتمرد؛ فإن بايدن، مع حزبه، سيكون الرابح الأكبر فيها، لما قد توفره له من أكثرية وازنة أكثر مما هي عليه حالياً في مجلسي النواب والشيوخ.
حتى الآن، تمكنت إدارة بايدن من الإقلاع بصورة سلسة، دخلت في ربيعها قبل وقته. تصدُّع جبهة الحزب الجمهوري أعطاها فسحة أوسع للتحرك في الداخل واستطراداً في الخارج. لاسيما إذا ما انحسر كورونا مع الصيف المقبل بالترافق مع انتعاش اقتصادي بتأثير مشروع التحفيز، إذا لم يتسبب بزيادة معدّلات التضخم.