رتب عسكرية رفيعة لمقاتلين سوريين وأجانب بـ"تحرير الشام": انتقادات ومخاوف

31 ديسمبر 2024
عناصر من "تحرير الشام" في دمشق، 27 ديسمبر 2024 (كريس مكراث/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثار قرار منح رتب عسكرية رفيعة لقادة من "هيئة تحرير الشام" وفصائل متحالفة معها، بما في ذلك أجانب، انتقادات واسعة من الضباط السوريين المنشقين.
- القرار شمل ترفيع 49 قائداً، بما في ذلك أجانب من جنسيات مختلفة، ولم يلقَ ترحيباً من الشارع السوري، خاصة بين الضباط المنشقين الذين كانوا يتوقعون أن يكونوا جزءاً من الجيش الجديد.
- يرى بعض الخبراء أن منح الرتب للأجانب يأتي لتكريم دعمهم للثورة، لكن هناك تحفظات حول قدرة القادة الميدانيين على بناء جيش وطني محترف.

أثار منح الإدارة الجديدة في سورية قادة في "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) وفصائل سورية أخرى متحالفة معها، من بينهم أجانب، رتباً عسكرية رفيعة، موجة انتقاد وامتعاض، خصوصاً بين الضباط السوريين الذين انشقوا عن قوات النظام المخلوع أثناء سنوات الثورة، والذين كانوا ينتظرون اعتماد الإدارة عليهم في إعادة هيكلة الجيش السوري وتنظيمه من جديد. وتركزت الانتقادات خصوصاً على منح أجانب رتباً عسكرية في بلد لا يحملون جنسيته، إضافة إلى تساؤلات حول صلاحية أحمد الشرع، قائد "تحرير الشام" ورئيس الإدارة الجديدة، وفي التفرد بقرار منح هذه الرتب، إلى جانب أن هؤلاء المقاتلين ليسوا خريجي مؤسسة تابعة للدولة، بل فصائل يختلف أداؤهم عن أداء الجيش الاحترافي، الذي يلتزم بالقوانين والإجراءات الموضوعة.

رتب عسكرية لقادة من "تحرير الشام"

وأصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية الجديدة، قراراً أمس الأول الأحد، موقّعاً من أحمد الشرع تضمن منح عدة قادة ليسوا خريجي أكاديميات عسكرية، بل من "تحرير الشام" وفصائل متحالفة معها، رتباً عسكرية رفيعة في إطار "عملية تطوير وتحديث الجيش السوري والقوات المسلحة". وجاء في القرار، الذي تضمن قائمة من 49 اسماً لـ"ترفيعهم" إلى رتب لواء وعميد وعقيد، وحمل رقم 8، أن هذه الترقيات تأتي "تحقيقاً لأعلى معايير الكفاءة والتنظيم، واستمراراً لروح الالتزام والتفاني لخدمة الدين والوطن". وشمل القرار مرهف أحمد أبو قصرة، وهو وزير الدفاع المعيّن في حكومة تسيير الأعمال، وكان قائد الجناح العسكري في "تحرير الشام"، وعلي نور الدين النعسان، المعيّن رئيساً لهيئة الأركان في الجيش والقوات المسلحة، وهو أحد القياديين العسكريين البارزين في "تحرير الشام". كما شمل القرار العديد من القادة في "الهيئة" وفي فصائل سورية أخرى متحالفة معها، فضلاً عن ثلاثة ضباط منشقين جرى ترفيع رتبهم العسكرية.

واللافت أن القيادة الجديدة منحت أشخاصاً غير سوريين هم قياديون في "تحرير الشام" رتباً عسكرية، في خطوة لم تلق كثير الترحيب من الشارع السوري عموماً ومن الضباط المنشقين عن قوات النظام المخلوع خلال سنوات الثورة، عام 2011. والقادة الأجانب الذين مُنحوا رتباً عسكرية، هم: عبدل صمريز بشاري (ألباني الجنسية) منح رتبة عقيد، مولان ترسون عبد الصمد (طاجيكي الجنسية)، عبد الرحمن حسين الخطيب (أردني) منح رتبة عميد، عمر محمد جفتشي (تركي الجنسية) منح رتبة عميد، علاء محمد عبد الباقي (مصري) منح رتبة عقيد، ابنيان أحمد الحريري (أردني) منح رتبة عقيد، عبد العزيز داوود خدابردي (من الأقلية التركستانية في الصين) منح رتبة عميد.

ومقابل منح رتب عسكرية لقادة من "تحرير الشام" كان يتوقع الضباط المنشقون عن قوات النظام المخلوع خلال الثورة أن يكونوا نواة الجيش السوري الجديد، خصوصاً أن البعض منهم كان يحمل رتباً رفيعة عند الانشقاق ولديهم خبرات عسكرية، لا سيما في مجال التنظيم. لكن الترفيعات الجديدة كانت رسالة بأن الإدارة الجديدة ستعتمد على قادة ميدانيين خاضوا المعارك خلال سنوات الثورة، في تشكيل جيش وطني واحد للبلاد. وعلى الرغم من اكتساب هؤلاء القادة خبرات عسكرية وقتالية واسعة خلال سنوات الثورة، واستطاعوا قيادة الفصائل لإسقاط النظام في الثامن من الشهر الحالي، إلا أن لدى العديد من الضباط المنشقين تحفظاً على القرار، خصوصاً أن بناء جيش جديد يتطلب خبرات أكاديمية يفتقر لها القادة الميدانيون، وجلهم من خلفيات مدنية.

قيادي في "الجيش الوطني": رئيس الأركان في أي جيش يجب أن يكون خريج أكاديمية عسكرية معترف بها

خطوة حساسة

في هذا الصدد، بيّن أحد قادة "الجيش الوطني" السوري البارزين، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه ليس من صلاحيات الشرع منح الرتب العسكرية، مضيفاً أن "هذه من صلاحيات رئيس الجمهورية حصراً بعد كتابة دستور وإجراء انتخابات"، كما أبدى استغرابه "لمنح أجانب رتباً عسكرية في جيش بلد لا يحملون جنسيته"، بشكل رسمي وقانوني بعد. وأشار القيادي نفسه إلى أن رئيس الأركان في أي جيش في العالم "يجب أن يكون خريج أكاديمية عسكرية معترف بها"، لافتاً على أن الكلية العسكرية (خرّجت أول دفعة عام 2022) التي فتحها أحمد الشرع في إدلب ليس معترفاً بها على الإطلاق. وباعتقاده فإن الخطوة التي أقدمت عليها الإدارة الجديدة لن تساعد في إنشاء جيش وطني محترف يحترم التراتبية في القيادة.

من جهته رأى العقيد المنشق فايز الأسمر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "لائحة الترفيعات والأوامر التي صدرت ومنحت فيها القيادة الجديدة أشخاصاً ثوريين مدنيين ومنهم أجانب رتباً عسكرية، خطوة فيها من الحساسية ما فيها لدى الشارع السوري، خصوصاً في صفوف الضباط المنشقين". وأوضح أن "عدد الضباط المنشقين يبلغ الآلاف، وبينهم ألوية وعمداء وغيرها من الرتب، الذين كان يجب على القيادة الجديدة رد اعتبارهم والاعتماد عليهم في الجيش الجديد وتقديرهم لما عانوه، وأقدموا عليه بتعريض أنفسهم وأهاليهم لبطش وانتقام نظام بشار الأسد، ناهيك عن أن انشقاقهم قد أحدث شرخاً كبيراً في جيش الأسد وأضعف بنيته".

فايز الأسمر: تنظيم وأساليب قتال فصائل الثورة يختلف اختلافاً جذرياً عن عمل الجيش الاحترافي

وأشار الأسمر إلى أنه "لا بد أن يكون قادة الجيش بقواه البرية والبحرية والجوية أكاديميين وخريجين كليات عسكرية يستطيعون التعامل مع إعادة هيكلة الجيش وتنظيمه"، مضيفاً، أن "تنظيم وأساليب قتال فصائل الثورة يختلف اختلافاً جذرياً عن عمل الجيش الاحترافي المؤسساتي التراتبي". من جهة أخرى لفت إلى أنه "لا بأس أن يكون وزير الدفاع مدنياً، لكن رئيس الأركان وقيادات القوى والهيئات والإدارات والشعب وصنوف القوات يجب أن تكون من الضباط حصراً". ويُقدر عدد الضباط المنشقين عن قوات النظام المخلوع بنحو خمسة آلاف ضابط من مختلف الرتب ومختلف صنوف الأسلحة، عدد منهم انقطع عن العمل العسكري منذ سنوات والبعض الآخر انخرط في العمل الفصائلي الميداني، وكان لهم دور كبير في المعارك الكثيرة والطاحنة التي شهدتها البلاد على مدى نحو 12 عاماً.

ضمان ولاء الفصائل

بالمقابل اعتبر الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن منح بعض المقاتلين الأجانب رتباً عسكرية "يأتي في سياق التكريم لهم لوقوفهم إلى جانب الثورة السورية وتقديم تضحيات جسيمة يستحقون التقدير عليها". ورأى أن "منح الرتب العسكرية للقياديين الأجانب لن يؤثر على استقلالية القرار العسكري السوري"، مضيفاً أن البلاد تمر بتحديات أمنية كبيرة وخطيرة "لذا من المهم تبني سياسة شاملة تعزز الوحدة الوطنية وتضمن ولاء جميع الفصائل للحكومة الانتقالية". أما الباحث العسكري في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني، فرأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن منح مقاتلين أجانب رتباً عسكرية "لا يؤثر على بناء جيش وطني في البلاد"، موضحاً أنه "يمكن أن يكون لهؤلاء دور في تدريب الجيش السوري الجديد على أساليب قتال جديدة، خصوصاً أن لهم خبرة واسعة ومهارة عسكرية مكتسبة من خوض المعارك على مدى أكثر من عقد". وأشار إلى أن "هناك العديد من الدول في العالم التي تستعين بخبراء أجانب من كل الاختصاصات، بما فيها العسكرية من دون أن يكون لهم دور في حرْف أي مؤسسة عن مسارها الوطني".

تقارير عربية
التحديثات الحية

ومع سقوطه في الثامن من الشهر الحالي، ترك النظام المخلوع مؤسسة عسكرية منهكة بعد أن استُنزفت في حرب طويلة تحوّلت خلالها إلى ذراع تبطش بالمدنيين في سبيل بقاء بشار الأسد في السلطة، والذي استعان بمليشيات إيرانية فرضت هيمنة على المشهد العسكري السوري خلال سنوات. وبعد ساعات من سقوط الأسد شن الطيران الإسرائيلي حملة قصف استمرت لأكثر من أسبوع دمرت ما تبقّى من أسلحة ومستودعات عسكرية في سورية، بحيث عاد الجيش السوري عقوداً إلى الوراء.

 مصطفى فرحات: الكثير من الضباط السوريين المنشقين لديهم تفهم لمنح قادة مدنيين سوريين رتباً عسكرية

وتعليقاً على قرار الإدارة الجديدة منح قادة من خلفيات مدنية وأجانب في "تحرير الشام" رتباً عسكرية، رأى العميد مصطفى فرحات، وهو ضابط منشق عن قوات النظام المخلوع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الترفيعات التي صدرت عن الإدارة الجديدة في سورية "جاءت منسجمة مع توجه هذه الإدارة الذي عبّر عنه أحمد الشرع حول بناء حكومة في المرحلة الحالية من لون واحد". ورأى أنه "لا يمكن إنشاء جيش لدولة مثل سورية خلال فترة زمنية قصيرة، خصوصاً على مستوى التسليح"، مضيفاً أن "القصف الإسرائيلي دمر أغلب قدرات ومقدرات الجيش السوري". وباعتقاده فإن "القيادة الحالية لن تقبل بوجود أحد كان في قوات النظام المخلوع في الجيش الجديد، ومن ثم لدينا تحدي تأمين عنصر بشري كفيل بإنشاء جيش كامل".

من ناحية أخرى رأى فرحات أن "التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد تفرض على الإدارة الجديدة اتخاذ قرارات، منها منح رتب عسكرية رفيعة لمدنيين وأجانب وقفوا إلى جانب الشعب السوري في ثورتهم ضد النظام المخلوع". وبيّن أن الكثير من الضباط السوريين المنشقين "لديهم تفهم لمنح قادة مدنيين سوريين رتباً عسكرية في هذه المرحلة الحساسة التي تتطلب وجودهم في المشهد العسكري"، مضيفاً أن "عدداً لا بأس به من الضباط المنشقين ممتعض من منح أجانب رتباً عسكرية في الجيش السوري". وعن رأيه شخصياً، قال إن الأمر "ليس بهذه الأهمية"، موضحاً أن "أغلب الدول الأوروبية تمنح من يقيم فيها لأكثر من خمس سنوات الجنسية". وأشار إلى أن الأجانب الذين مُنحوا رتباً عسكرية "يعيشون في سورية منذ نحو تسع سنوات، وأسهموا في تخليص السوريين من الطاغية بشار الأسد"، معتبراً أن الرتب العسكرية الممنوحة جاءت في سياق التكريم لهؤلاء.

المساهمون