أثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد، أمس الخميس، رفع "مستوى التمثيل الدبلوماسي التونسي في دمشق"، ردود أفعال متباينة حول تداعيات استعادة العلاقات والتطبيع مع نظام بشار الأسد، لا سيما تبعاته السياسية والدبلوماسية على المستوى الخارجي.
وأكد سعيّد في بيان للرئاسة التونسية أن "قضية النظام السوري شأن داخلي يهمّ السوريين بمفردهم، والسفير التونسي يعتمد لدى الدولة وليس لدى النظام"، بعدما كانت تونس قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سورية احتجاجا على قمع نظام الأسد الاحتجاجات المناهضة لحكمه في 2011.
وأعلن الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، في 4 فبراير/ شباط 2012، عن طرد السفير السوري بتونس، وسحب أي اعتراف بالنظام الحاكم في دمشق، داعيا الأسد للتنحي عن السلطة.
وشهدت العلاقة بين تونس والنظام السوري نوعا من التقارب آواخر العام 2018 عبر استئناف حركة الطيران بين تونس ودمشق، لتبرز من جديد مؤشرات لاستعادة العلاقات بين الطرفين منذ تفرد قيس سعيّد بالسلطات في 2021.
وقال القيادي بـ"ائتلاف الكرامة"، منذر بن عطية: "لا يمكن لنا كحزب ثوري يفتخر بثورة تونسية اجتثت نظام القمع والاستبداد أن نمدّ يدنا لنظام قمعي لم يشهد العصر الحديث مثيلا له في قمع شعبه وقتله واستجلاب المليشيات والجيوش الأجنبية لقتله وقصفه".
وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد": "نحن نميّز جيّدا بين احترام خصوصيات الدول الشقيقة وشؤونها الداخلية، فلا نسمح لأنفسنا بتحريض الشعوب ضد أنظمتها حتى التي نعتبرها استبدادية، ما دامت الشعوب راضية، لكن لما يثور أي شعب عربي ويُجَابه بالقتل، فلا يمكن إلا أن نكون أوفياء لمبادئنا ونساند أي شعب يطالب بحُرّيته وكرامته".
وتابع بن عيطة: "بالنسبة لمساعي قيس سعيّد لرفع تمثيليته الدبلوماسية في سورية، هي خطوة منتظرة بالنظر لطبيعة الحزام الحزبي والأيديولوجي المحيط بالرئيس والمؤثر في سياساته، وهو محيط ذو لون قومي ويساري، ومساندته لبشار معلنة منذ اندلاع الثورة، بل أكثر من ذلك، يفتخر القوميون في تونس بإرسال مقاتلين تونسيين لقمع الشعب السوري"، بحسب تعبيره.
وأفاد بأن "هذا الرفع من التمثيلية لا هو خدمة للشعب السوري المشرّد نصفه في أصقاع العالم، ولا هو خدمة للجالية التونسية هناك، بل هو استجابة لوسوسة بطانة اليسار المحيطة بالرئيس".
"يخدم العلاقات"
من جانبه، قال المتحدث باسم حزب "التيار الشعبي" (قومي مساند لسعيّد)، محسن النابتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "قرار رئيس الجمهورية يعد خطوة إيجابية جدا على طريق عودة العلاقات كاملة بين البلدين، وهذه الخطوة جمعت بين الموقف السياسي والموقف الإنساني، باعتبار أن رفع التمثيل الدبلوماسي، بما يعني وجود سفير تونسي في دمشق قريبا، يخدم العلاقات ببن البلدين وسيخدم الجالية التونسية في سورية، وسيساعد الدولة الوطنية في سورية في معاناتها بعد الحرب الطويلة والدولة في وضع صعب".
وتابع: "نرجو أن يعلن الرئيس سعيّد قريبا عن فتح السفارة التونسية في دمشق، المغلقة منذ 2013، بتمثيل دبلوماسي كامل، وهو منتظر من الرئيس سعيّد على اعتبار أنه لم يكن مبررا أصلاً قطع العلاقات مع الشقيقة سورية".
وزعم المتحدث ذاته أن "العلاقات قطعت بقرار خارجي فُرض على تونس بحكم المجموعات التي حكمت تونس في تلك الفترة"، مضيفاً أن "تونس فرض عليها التموقع في حلف من الأحلاف، وبالتالي عودة العلاقات هي نوع من اندمال جرح في تاريخ البلاد بعد أن سمح من جاءت بهم الصدف بالاعتداء على سيادة البلاد".
نقطة خلافية
من جهته، اعتبر القيادي في مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، حبيب بوعجيلة، أن "هذه النقطة كانت ولا تزال خلافية مرتبطة بالاصطفافات السياسية، بين من يعتبر أن ما وقع في سورية ثورة على نظام مستبد كما وقع في تونس، وبين من يعتبر ما وقع في سورية مؤامرة على نظام ممانع ومساند للمقاومة".
وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد": "وهذا الاختلاف طبيعي جدا، وهو من جملة القضايا التي يجرى استحضارها بين الأطراف المتصارعة في تونس كلما كانت هناك فرصة لذلك"، معتبراً أن "هذا الموضوع من مواضيع الاستقطاب على امتداد العشرية الماضية".
ولفت إلى أنه "لا وجود لجواب رسمي من الدولة التونسية، لأن إعادة العلاقات مع سورية مرتبطة بخيارات مشتركة، مرتبطة بها تونس في الجامعة العربية، وفي إطار أخذها بعين الاعتبار لعلاقاتها مع المحور الغربي الذي لا ينظر بعين الرضا لمن يعيد العلاقة مع سورية".
وشدد بوعجيلة على أن "هذا الموضوع يبقى مجالا للتجاذب السياسي بين أنصار قطع العلاقات مع سورية الذي اتخذه الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وبين الرافضين للربيع العبري كما يطلقون عليه، خصوصا التيارات القومية واليسارية، الذين يعتبرون أن القرار الذي اتخذ في 2012 موقف أيديولوجي للفريق الذي حكم تونس في تلك الفترة، أي حكومة الترويكا"، حسب قوله.
وعلق بوعجيلة على القرار قائلا إن "المسألة تتعلق برفع التمثيل الدبلوماسي، ويبدو أن تونس لديها تمثيل قنصلي في سورية كغيرها من بعض البلدان العربية، وهو يدخل في إطار اعتماد السلطة الحالية على مثل هذه الملفات الخلافية داخل البلاد وخارجها، لهدف تحسين وضعها وتحالفاتها، وربما للضغط على الحلفاء التقليديين الغربيين".
وتابع بوعجيلة: "لا أتصور أن هذا الموقف بعيد عن محاولات سلطة قيس سعيّد فك العزلة عليه وإبراز علاقته القائمة على استقلال قراره عن الدوائر الغربية الكبرى".
المزايدة بالقضيتين السورية والفلسطينية
أما القيادي في "حركة النهضة"، العجمي الوريمي، فاعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هذا القرار "تأخر كثيرا بالمقارنة مع وعود قيس سعيّد والشعارات المرفوعة من أنصار مشروعه وحلفائه السياسيين، الذين طالما زايدوا بالقضيتين السورية والفلسطينية".
وتابع الوريمي: "قرار قطع العلاقات مع سورية اتخذته الجامعة العربية في سياق سياسي عربي وإقليمي معلوم، وهو سياق ثورات الربيع العربي، الذي كان ربيع الشعوب الذي قاومته الأنظمة التي أتى بها نظام سايكس بيكو وحركات التحرر والانقلابات".
وأضاف الوريمي: "لقد كانت قبضة النظام السوري مشددة على معارضة الداخل وفي قطيعة دائمة معها، ولم تنفع الوساطات ودعوات المصالحة لتليينها، ومع تفجر ثورات الشارع العربي، وبعد أشهر من الحراك السلمي في أرجاء سورية للمطالبة بالانفتاح والتداول على السلطة والعدالة بين أبناء الشعب الواحد، تعقدت الوضعية، خاصة بتصلب النظام وتجذر المقاومة وسلبية المجتمع الدولي ودخول قوى إقليمية على الخط لدعم النظام أو لمناصرة خصومه".
وتابع: "أعاد زلزال الجنوب التركي والشمال السوري ملف العلاقات مع سورية، التي تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تضميد الجراح، تحتاج إلى إعادة سورية إلى الحضن العربي وفتح جسور عودة المهجرين المغتربين، ووقف آلة القمع والنفخ في نيران الأزمة والانقسامات، وتنشيط مبادرات المصالحة وجعل البلد قابلا للعيش المشترك وتقاسم السلطة والتضحيات".