لم تفرز التطورات السياسية التي شهدتها الساحة العراقية، خلال اليومين الماضيين، أي انفراجة حقيقية في الأزمة الراهنة والمتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة، أو حتى الاتفاق على المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية.
في المقابل، تلقى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي رسالة صاروخية، عبر استهداف منزله في الأنبار. يأتي هذا وسط تسريبات، حصلت عليها "العربي الجديد"، تؤكد نية البرلمان تحديد موعد لجلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية، من المرجح أن تكون الأسبوع المقبل.
وشهد يوما الثلاثاء والأربعاء الماضيان في العراق، تطورات سياسية وأمنية عدة، كان أبرزها رد المحكمة الاتحادية العليا قرار الطعن بشرعية الجلسة الأولى للبرلمان والحكم بدستوريتها، وإلغاء قرار تقرير عمل هيئة رئاسة البرلمان.
تقع المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ التي استهدفت منزل الحلبوسي تحت نفوذ فصائل مسلحة مختلفة
وأعقب هذا الأمر تصريحات لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أكد فيها عدم تراجعه عن خيار حكومة الأغلبية الوطنية، مع إبقاء الباب مفتوحاً للقوى التي ترغب في المشاركة بها، مستثنياً من ذلك تحالف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
ومع حديث غير مؤكد لغاية الآن عن تواجد قائد "فيلق القدس" الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني في بغداد مجدداً، أعلنت قوى "الإطار التنسيقي"، عن اجتماع، جاء بمثابة رد على تصريحات الصدر.
وجددت قوى "الإطار" إعلان رفضها حكومة الأغلبية، معتبرة أنها تمس بوحدة مكون الأغلبية في العراق وحقه السياسي، في إشارة إلى رفضها ذهاب الصدر للتحالف مع القوى الكردية والتحالفين العربيين السنيين بتشكيل الحكومة.
في المقابل، أجرى الصدر اتصالاً هاتفياً، مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، وفقاً لبيان صدر عن مكتب الأول، أكد فيه بحث الأزمة السياسية الراهنة في العراق.
وشهدت البلاد تطوراً أمنياً جديداً، وهو استهداف منزل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بصواريخ كاتيوشا، سقط أحدها بالقرب منه، وأسفر عن سقوط جريحين من سكان منازل مجاورة. وقوبل الهجوم بتنديد سياسي واسع، من أحزاب وقوى فاعلة في البلاد، اعتبرته محاولة فرض القوة على العملية السياسية.
رسائل استهداف منزل الحلبوسي بالكاتيوشا
وأعقب الهجوم الصاروخي على منزل الحلبوسي، في منطقة الحلابسة التابعة لمدينة الكرمة شرق الأنبار، بيانان للقوات الأمنية العراقية، أكدت فيهما ضبط 5 صواريخ أخرى كانت تستهدف المنطقة ذاتها.
وتحدثت عن أن الهجوم نفذ من منطقة ذراع دجلة الحدودية مع المدينة، والواقعة تحت نفوذ فصائل مسلحة مختلفة، من أبرزها "كتائب حزب الله"، التي تنتشر في قرية الرشاد ضمن المنطقة ذاتها التي أطلقت منها الصواريخ.
وأدى الهجوم عن جرح مدنيين اثنين، أحدهما طفل، تكفل لاحقاً الحلبوسي بعلاجه خارج البلاد، وفقاً لما أكدته وسائل إعلام محلية عراقية مقربة منه.
وفي حين تعهدت السلطات العراقية بفتح تحقيق للكشف عن المنفذين، فإن بيانات الرئيس برهم صالح وقيادات سياسية، بمن فيها رئيس البرلمان نفسه، أكدت اتهامها لمليشيات مسلحة وأبعدت فرضية قيام تنظيم "داعش" بهذا الأمر.
وقال صالح، في بيان، إن "الهجوم الذي طاول مقر رئيس مجلس النواب في الأنبار، وأسفر عن إصابة مدنيين، عمل إرهابي مُستنكر، وتوقيته يستهدف استحقاقات وطنية ودستورية". وطالب بـ"رص الصف الوطني، والتكاتف لحماية السلم الأهلي ومنع المتربصين، ومواصلة الطريق نحو تشكيل حكومة عراقية، تحمي المصالح العليا للبلد، وتستجيب لتطلعات شعبنا".
بدوره، قال الحلبوسي، معلقاً على الهجوم، إنه "سيواصل العمل لتحقيق دولة يسودها العدل، ويزول عنها الظلم وتندحر فيها قوى الإرهاب واللادولة، كي تنعموا بالسلام والأمان".
وقال عضو تحالف "تقدم" في محافظة الأنبار، غرب البلاد، أحمد الجميلي، لـ"العربي الجديد"، إن "الهجوم مشابه من حيث الجهة المنفذة للهجوم على منزل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وكذلك استهداف مقرات أحزاب في بغداد".
وأضاف أن "المتوقع من العملية أنها رسائل تحذير، في حال استمر الحلبوسي على موقفه المتحالف مع الصدر. ويمكن وصفها برسائل ترهيب". وطالب "القوى السياسية بتوقيع ميثاق شرف بمنع تدخل السلاح، أو القوة، في العملية السياسية، كون الهجوم يمثل انعطافة خطيرة في المسار السياسي بالعراق"، وفقاً لقوله.
أحمد الجميلي: ما حصل مشابه من حيث الجهة المنفذة للهجوم على منزل الكاظمي ومقرات أحزاب
وجاءت عملية القصف بعد ساعات قليلة من إعلان تحالف سياسي يجمع قوى سياسية سنية، بزعامة خميس الخنجر، ويضم نحو 70 نائباً، وهم من تحالفي "تقدم"، و"عزم"، وأطلق عليه اسم تحالف "السيادة"، من دون أن تشترك به قوى سياسية سنية، مثل مجموعة النائب الحالي مثنى السامرائي، التي تضم 8 أعضاء.
موقف نهائي للصدر بشأن الحكومة... ورد "الإطار التنسيقي"
في هذه الأثناء، جدد الصدر، في كلمة مصورة بثت مساء الثلاثاء الماضي، تمسكه بتشكيل حكومة الأغلبية، وإبعاد المالكي عنها. وأكد أن حكومة الأغلبية الوطنية باتت ضرورة بعد تفشي الفساد في البلاد، ولا بد من إبعاد بعض القوى السياسية المتورطة بالفساد عن الحكومة الجديدة.
وأشار الصدر إلى أن "قوى الإطار التنسيقي رفضت الشروط التي تقدّم بها، للتوصل إلى اتفاق بشأن الحكومة المقبلة، وعلى رأسها حلّ الفصائل، والحفاظ على هيبة الدولة واستقلالها، وعدم التبعية لأي أحد".
ورداً على كلمة الصدر، قال "الإطار التنسيقي"، في بيان فجر أمس الأربعاء، إنه "حريص على تجنب المزيد من المشاكل والأزمات، والتوجه نحو خدمة المواطنين، وأهمها الاتفاق على رئيس وزراء قادر على عبور المرحلة، وتشكيل الحكومة وفق الاستحقاق الانتخابي".
وأضاف: "ما زلنا نأمل أن يستجيب الشركاء لمشروعنا، حيث إن التسويف في ذلك سيدفع العراق فاتورته، خصوصاً مع المخاطر والتحديات الأمنية والاقتصادية والإدارية التي تحيط بالعراق والمنطقة بأسرها".
واعتبر أنه "لا يصح في أي حال من الأحوال إضعاف مكون لحساب مكون آخر، لأن هذا مدعاة عدم عدالة وظلم، يؤدي بالتالي إلى مزيد من عدم الاستقرار".
وأكد "أننا لسنا ضد مبدأ الأغلبية الوطنية، وهو مطلب محترم، وقد دعت له الكثير من القوى السياسية. ولكن هذه الأكثرية لا يجوز أن تكون على حساب مكون واحد". وحذر من أن استمرار ما وصفه بـ"النهج الإقصائي"، سيدفع "للذهاب إلى المعارضة أو المقاطعة".
وقال عضو "الإطار التنسيقي" علي الفتلاوي، لـ"العربي الجديد"، عقب انتهاء الاجتماع لقيادات التحالف في منزل رئيس "المجلس الإسلامي الأعلى" همام حمودي، وضم المالكي وهادي العامري وأحمد الأسدي وحيدر العبادي وقيادات أخرى، إن "العراق يمر بمرحلة معقدة جداً، والأزمة غير مسبوقة".
وأضاف الفتلاوي أن "الحل لن يكون سهلاً، مع الإصرار على إقصاء أطراف سياسية مؤثرة من العملية السياسية والحكومة. ونرى أن هذا الأمر مدعوم من بعض الأطراف الخارجية، التي تريد حكومة عراقية ضعيفة".
وبين الفتلاوي أن "هناك حراكا جديدا، نأمل أن ينضج في الساعات المقبلة، للتحضير لاجتماع حاسم بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، لحل الأزمة السياسية، أو الوصول إلى طريق مغلق".
وقال: "ربما نشهد، خلال الساعات المقبلة، موقفاً نهائياً ورسمياً من قبل قوى الإطار في إعلان المعارضة أو المقاطعة. ولا شيء يمنعنا عن هذين الخيارين، غير مشاركة كل الأطراف في الحكومة الجديدة".
وأضاف أن "مجلس النواب العراقي، حتى اللحظة لم يحدد موعد جلسة التصويت على رئيس الجمهورية الجديد. لكن في حال الوصول إلى اتفاق وتوافق نهائي بشأن الحكومة، فإن الإطار التنسيقي ومن معه من حلفاء قادرون على تعطيل جلسة التصويت على رئيس الجمهورية".
واعتبر الفتلاوي أن "اختيار رئيس الجمهورية الجديد يجب أن يكون بأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان الكلي (220 نائباً)، فيما يملك الإطار وحلفاؤه أكثر من 125 نائباً، وهذا الأمر ربما يكون عاملاً مهماً في حل الخلافات قبل موعد هذه الجلسة". يشار إلى أن عدد مقاعد البرلمان يبلغ 329.
وقالت مصادر من داخل الدائرة القانونية في مجلس النواب، لـ"العربي الجديد"، إن رئاسة البرلمان تتجه إلى تحديد جلسة جديدة، قد تكون منتصف الأسبوع المقبل، لاختيار رئيس جديد.
ويؤيد التيار الصدري وكتلتا "تقدم" و"عزم"، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" مرشح الأخير هوشيار زيباري لمنصب الرئيس، بينما تتحفظ قوى "الإطار التنسيقي" على زيباري، وهو وزير الخارجية الأسبق والمالية السابق وخال زعيم الحزب الديمقراطي مسعود البارزاني.
حذر "الإطار التنسيقي" من أن استمرار "النهج الإقصائي" سيدفع به للذهاب إلى المعارضة أو المقاطعة
ويقف "الاتحاد الوطني الكردستاني" وحيداً في دعم تجديد الولاية الثانية للرئيس الحالي برهم صالح. وهناك تسريبات بأن "الإطار التنسيقي" قد يدعم صالح، رداً على دعم التيار الصدري وحلفائه لزيباري. ويعني هذا أن سيناريو أغلبية الأصوات قد يكون هو الأقوى الأسبوع المقبل، في حال لم يتوافق أطراف البيت السياسي الكردي في مفاوضاتهم الحالية.
الصدر و"الإطار التنسيقي" متمسكان بمواقفهما بشأن الحكومة
وقال السياسي العراقي، المقرب من التيار الصدري، مناف الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إن "المعلومات المتوفرة لديه حتى ظهر (أمس) الأربعاء تؤكد أن الصدريين ماضون في حكومة الأغلبية، ولم تثمر الوساطات عن أي تغيير. كما أن قوى الإطار التنسيقي متمسكون بموقفهم أيضاً".
وأضاف الموسوي أن "هناك دعماً سياسياً سنياً كاملاً للصدر، وكرديا متمثلا بالحزب الديمقراطي الكردستاني. وتلويح قوى الإطار التنسيقي بالذهاب إلى المعارضة، أو حتى المقاطعة، لن يؤثر على تشكيل الحكومة الجديدة".
واعتبر أن "جلسة البرلمان الأولى، وانتخاب هيئة رئاسة مجلس النواب، رسمت شكل العملية السياسية في العراق في هذه المرحلة. حيث تم انتخاب رئاسة البرلمان، رغم انسحاب قوى الإطار التنسيقي من الجلسة".
لكن الموسوي أقر، في الوقت ذاته، بإمكانية وصول الأزمة السياسية "إلى مرحلة مغلقة تماماً، مع إصرار الصدر على موقفه، وفشل الوساطات الأخيرة في تغييره".
وقال: "لكن رغم ذلك، فإن هناك مساعي لعقد اجتماعات حاسمة بين الطرفين، لإعلان مواقف نهائية من الأزمة السياسية. هذه المواقف ربما تتمثل بإعلان الإطار المعارضة أو المقاطعة، أو مشاركة أجزاء من الإطار بحكومة الصدر". ووصف الساعات المقبلة بأنها "حافلة، وقد تتغير فيها المعادلات جذرياً أو جزئياً".
دعم سني وكردي لتوافق القوى الشيعية بشأن الحكومة
إلى ذلك، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ريبين سلام، لـ"العربي الجديد"، إن "القوى السياسية الكردية، وحتى السنية، تدعم أي توافق سياسي بين القوى الشيعية".
لكنه أشار إلى أنها "تدعم أيضاً أي خيار يُقدم عليه الصدر، كونه يملك الأغلبية الشيعية في البرلمان. فإذا توجه نحو الأغلبية فنحن معها، وإذا ذهب لحكومة توافقية مع الإطار التنسيقي، فنحن أيضاً ندعم ذلك، خصوصاً أن الحزب الديمقراطي الكردستاني لديه مرشح لرئاسة الجمهورية، وهذا المرشح يحتاج إلى أغلبية الأعضاء حتى يمرر في البرلمان. ونحن مع الصدر والقوى السياسية السنية، قادرون على هذه المهمة في جلسة البرلمان المقبلة".
واعتبر سلام أن "مقاطعة قوى الإطار التنسيقي أو توجهها إلى المعارضة، لن يؤثر على عملية تشكيل الحكومة. فهناك أغلبية برلمانية واضحة ومعلنة، قادرة على تمرير حكومة الأغلبية بدعم الصدريين والسنة والأكراد، والنواب المستقلين. لكن العمل ما زال قائماً على ضم قوى سياسية شيعية إلى حكومة الأغلبية، وهذا ما يريده الصدر وحلفاؤه بصراحة".
الأزمة السياسية وصلت لمرحلة الانكشاف
في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمة السياسية لم تصل إلى مرحلة الانسداد والانغلاق، بل هي وصلت لمرحلة الانكشاف. وهذا الانكشاف من خلال التوجه نحو حكومة أغلبية يشكلها الصدر بالتحالف مع البارزاني والحلبوسي والخنجر ونواب مستقلين".
وبين الشريفي أن "كل الجهود، سواء الداخلية أو الخارجية، فشلت في توحيد التيار الصدري والإطار التنسيقي في كتلة واحدة، والتوجه نحو تشكيل حكومة يشارك فيها الجميع. ولهذا فإنه لا خيار حالياً غير حكومة الأغلبية، التي يريدها الصدر، والتي هي مدعومة من قبل قوى سنية وكردية لها ثقل كبير في البرلمان".