رسائل تحذير عسكرية متبادلة بين مصر وإثيوبيا في الصومال

24 سبتمبر 2024
جنود صوماليون خلال تدريبات في مقديشو، 26 مايو 2022 (إرجين إرتورك/الأناضول)
+ الخط -

تواصلت رسائل التهديد والتحذير بين مصر وإثيوبيا على وقع تطورات منطقة القرن الأفريقي، لا سيما الصومال، الذي شهد تصعيداً على مدار الساعات القليلة الأخيرة، مع وصول سفينة شحن مصرية إلى العاصمة الصومالية مقديشو، محمّلة بكميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية، وكان في استقبالها ‏‏وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور. وجاءت الخطوة وسط تصاعد التوتر في القرن الأفريقي، مع تحذير السفارة المصرية، أول من أمس الأحد، مواطنيها من السفر إلى إقليم "أرض الصومال" وطالبت المصريين الموجودين فيه، بمغادرته في "أقرب فرصة".

وتصاعد التوتر بين مصر وإثيوبيا إثر الإعلان عن إرسال سفينة الإمداد العسكرية المصرية إلى الصومال، بعد إعلان مقديشو الجمعة الماضية أن أديس أبابا أرسلت شحنات أسلحة إلى إقليم بونتلاند ما يهدد الأمن الإقليمي. وقالت وزارة الخارجية الصومالية إنها "تدين وبشدة شحنات الأسلحة غير المصرح بها من إثيوبيا إلى ولاية بونتلاند الصومالية، والتي تنتهك سيادة البلاد وتهدد الأمن الإقليمي". وطالبت مقديشو بـ"الوقف الفوري لتدفق مثل هذه الشحنات"، داعياً الشركاء الدوليين إلى "دعم جهود السلام في القرن الأفريقي".


معلومات لـ"العربي الجديد" عن تحذير إثيوبي بالتعامل مع جنود مصريين بالصومال

تصاعد توتر مصر وإثيوبيا

ونشر موقع أمهرة الإخباري الإثيوبي، مقطع فيديو لما قال إنها "سفينة مصرية محملة بإمدادات ومعدات عسكرية، ومدفعية ثقيلة وأسلحة مضادة للدبابات" متوجهة إلى الصومال. وظهر في الصورة التي نشرها وزير الدفاع الصومالي، لاستقباله السفينة المصرية، البارجة الحربية من صنف الكورفيت الشبحي التابعة للقوات البحرية المصرية "سجم بورسعيد" من طراز غوويند، خلال مرافقة وتأمين وصول سفينة الشحن المصرية لميناء مقديشو. وقال ‏الوزير الصومالي خلال استقبال السفينة: "نحن نعرف مصالحنا وسنختار بين حلفائنا وأعدائنا". وهذه المرة الثانية التي تقوم فيها مصر بإرسال أسلحة إلى الصومال، إذ نقلت طائرات شحن عسكرية مصرية قبل أيام أسلحة ومعدات إلى مقديشو، وهي الخطوة التي اعترضت عليها إثيوبيا، واعتبرت أنها تهدد أمن وسلامة الإقليم. ووقعت مصر أخيراً بروتوكولا عسكريا مع الصومال، في محاولة للتضييق على إثيوبيا الساعية لامتلاك منفذ بحري عبر سواحل إقليم "صوماليلاند" (إقليم جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دولياً).

في السياق، توفرت معلومات لـ"العربي الجديد" مفادها بأن مصر تلقت رسالة وجّهتها إثيوبيا أخيراً عبر جيبوتي، حذّرت فيها من أن "أي قوات عسكرية مصرية تمس بمصالح أديس أبابا في الصومال، لن تكون في منأى عن التعامل معها". وجاءت الرسالة الإثيوبية في أعقاب دخول البروتوكول العسكري الصومالي المصري حيز التنفيذ، وإرسال القاهرة معدات عسكرية إلى مقديشو، وانتشار قطع بحرية مصرية قبالة السواحل الصومالية. وفي مقابل الرسالة الإثيوبية التي نقلت عبر جيبوتي، ردت مصر بحسب مصادر مصرية وجيبوتية في القاهرة بأنها "مستعدة للتصعيد والرد بقوة على أي محاولة للمساس بالوجود المصري في الصومال أو بالمصالح الصومالية، تنفيذاً للبروتوكول العسكري الموقع مع مقديشو".

في هذا الإطار، أفادت المعلومات المتعلقة بالتوترات بين مصر وإثيوبيا بأن القاهرة "لم تدفع بعناصر عسكرية على الأرض في الصومال حتى الآن، سواء لعمليات التدريب أو للمشاركة في عمليات حفظ السلام، وأن العناصر الموجودة هناك هي عناصر أمنية استخبارية، مهمتها الرئيسية، وضع الخطط التأمينية وإدارة عمليات التنسيق بين الجانب الصومالي والقوات التركية الموجودة في الصومال".

وتعليقاً على التطورات في علاقة مصر وإثيوبيا أخيراً، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، رخا أحمد حسن، إنه "بعد حدوث التوتر الشديد بين الصومال وإثيوبيا بسبب تجاهل أديس أبابا حكومة الصومال والتعاون مباشرة مع حكومة صوماليلاند لإقامة تسهيلات بحرية وقاعدة عسكرية بحرية في ميناء بربرة الصومالي، طلبت حكومة الصومال من الاتحاد الأفريقي استبدال القوات الإثيوبية العاملة ضمن قوات الاتحاد لحفظ السلام في الصومال بقوات أفريقية أخرى نتيجة لهذا التوتر". وأضاف أن "الصومال طلب من مصر أن تحل قوات مصرية محل القوات الإثيوبية، ووقعت في نفس الوقت بروتوكول تعاون عسكري مع مصر في نطاق التدريب والتسليح والمعدات اللوجستية. وقد اعتبرت إثيوبيا أن هذا الاتفاق موجه ضدها، وأثارت حملة سياسية وإعلامية كبيرة حول هذا الموضوع، وادعت بأن مصر تتخذ إجراءات تهدد الأمن الإثيوبي". ولفت حسن إلى أن "هذا توهم من جانب إثيوبيا لأن تعاون مصر مع الصومال، جاء في إطار الاتحاد الأفريقي، إلى جانب التعاون الثنائي، وهو ليس موجهاً ضد إثيوبيا ولا تنافس معها على أرض الصومال، وإنما هو استجابة من مصر لطلب دولة عربية أفريقية شقيقة هي الصومال".


عبد القادر الحسن: تواصلت مصر مع إريتريا لبحث الوضع مع إثيوبيا

التعنت الإثيوبي

من ناحيته قال المستشار في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، معتصم عبد القادر الحسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "التعنت الإثيوبي تجاه مصر والسودان في مجريات إنشاء سد النهضة، أدى إلى توترات في المنطقة، امتدت إلى كل الدول في القرن الأفريقي، من الصومال إلى جيبوتي وإريتريا والسودان، وتأثرت به أيضاً جنوب السودان". وأضاف في سياق تنامي الخلاف بين مصر وإثيوبيا أن "الإصرار الإثيوبي على الحصول على منفذ على البحر الأحمر، بتشجيع من دول أخرى تسعى للاستثمار في الموانئ، قاد إثيوبيا لتوقيع مذكرة تفاهم مع إقليم صوماليلاند لإنشاء ميناء وقاعدة عسكرية إثيوبية. وهو ما اعتبره الصومال تعدياً صارخاً على سيادتها وأمنها، وقاد إلى إحياء اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر، وتتضمن التعاون العسكري الشامل بين البلدين، وهو ما اعتبرته إثيوبيا تهديداً لها".

ولفت عبد القادر الحسن إلى أن "هذه التحركات ذات الطابع الاستراتيجي، أدت إلى تدخل جيبوتي، التي قدمت مقترحاً لإثيوبيا بإعطائها منشآت وميناء وقاعدة عسكرية على أراضيها، مما أدخل إريتريا على خط النار في الأزمة، وهددت فيه جيبوتي برفضها الوجود الإثيوبي بالبحر الأحمر". وأشار إلى أنه "من جانب آخر، تواصلت مصر مع إريتريا على المستويين الدبلوماسي والمخابراتي لبحث التحركات الإثيوبية في المنطقة وتعزيز المصالح المشتركة". وقال إنه "يرجح من خلال رصد التحركات في المنطقة، أن السبب الرئيس للتوترات، هو الدور الإثيوبي المتعنت في ملف سد النهضة مع كل من مصر والسودان، إضافة إلى ملف أمن البحر الأحمر، الذي أدخل في توترات المنطقة، كلا من الصومال وجيبوتي وإريتريا، وإذا وضعنا في الحسبان الصراعات الداخلية في هذه الدول، فإن الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي تتدهور نحو الأسوأ".

بدورها، اعتبرت الخبيرة في الشؤون الأفريقية، نجلاء مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "وجود اتفاقية بين إثيوبيا وإقليم غير معترف به (صوماليلاند) يؤكد محاولات أديس أبابا فرض نفوذها بالقوة، ووجود قاعدة عسكرية إثيوبية في المنطقة يهدد الملاحة وأمن البحر الأحمر. ويشير إلى وجود علاقة صراع وغير تعاونية، وذلك خطر على مصالح مصر الملاحية في المقام الأول، أكدت مصر أن سلوك إثيوبيا هو سلوك صراعي في القرن الأفريقي سواء باتفاقية أرض الصومال أو في ما يتعلق بسد النهضة، ولذلك شددت على مساندة الصومال في الدفاع عن أمنه القومي".

المساهمون